26-4-2015

جدعون ليفي

وصل خبر الإغلاق الوشيك لمقهى تامار في تل أبيب في وقت سيئ: في يوم الإستقلال. في حين أنه لا يوجد مكان للهرب إليه، فقد أغلقوا أحد الملاجئ الأخيرة. وقفت حشود كبيرة على شواطئ تل أبيب وهللوا للطائرات الأمريكية، والتي تطير بواسطة طيارين إسرائيليين أوتوماتيكيين، حيث قاموا بقwف أحياء سكنية لا حول لها ولا قوة وقتلوا مئات المواطنين، ومن بينهم الشيوخ والأطفال والرُضع والنساء.

وقفت في حديقة الإستقلال في منطقة بين المقابر الفلسطينية المهجورة، حيث رأيت كيف تُكرم إسرائيل الأبطال على ضعفاؤها الذين لم يشاركوا في معركة جوية واحدة في حياتهم، وكيف تثيرها الطائرات التي تطير في السماء والطيارين الذين يزرعون الموت والدمار في الأرض. وبين بقايا المقابر الفلسطينية جال شاب كثيف اللحية يرتدى الهدابة كاشف الرأس فى خوف وهلع، جاء هو أيضاً للتهليل لأبطال الجو وأفعال الشيطان، هبت الريح فأزاحت الكيباه عن رأسه إلى داخل مقابر المسلمين. إختفي بين القبور في موقف أشبه بلقطة من فيلم سريالي.

حضرت الصحافة والتلفزيون والراديو قبيل نهاية تلك الإحتفالات الساخرة المعروفة لديهم بالفن الهابط والموت والبطولة والفن والنزعة العسكرية – مع الهولوكوست – هذا العام بطبعات موسعة وتقارير خاصة. ألقى “بنيامين نتنياهو” خطاباً عن الكارثة النازية وإيران وجلس “دان شيلون” في الدائرة. والفضائح المتناوبة التى تسيئ حتى للوقاحة، حول كلام الممثلة والرسام والمعلن اختفت ببطء. وأطلقت غزة قذيفة خاطئاً كتذكرة مدوية وبائسة لإسرائيل والعالم على وجودها وعلى مأساتها، هدية العيد من “التنظيم الإرهابي” إلى الدولة المارقة – ثم خرج جيش الجنرالات والنشطاء من الجحور وهددوها كالمعتاد. وكانت شوراع تل أبيب ملطخة بالبقع البيضاء مساء أمس، وتصاعدت أدخنة حفلات الشواء من الحدائق – فالكل تظهر عليه علامات العيد، الذي بدا عيداً آخر منذ عدة سنوات. فلم يكن لدينا مكان لنهرب إليه. وحينئذ سمعنا الخبر: تم إغلاق مقهى تامار.

قد قيل كل شئ عن مقهى تامار. حدث أن أغلق مقهى تامار، وموساد تل أبيب الذين كانوا يرونه بيتاً ، اختفى – ولكن في يوم الإستقلال كان لهذا معنى آخر. فلا مبرر للبكاء على تامار الذي أُغلق فقد نسينا سارة الشخصية الأسطورية، فتل أبيب تتغير. أحد الأماكن الأخيرة التي تحدث فيها الناس ولم يرسلوا الرسائل لبعضهم البعض ليعرفوا، أخلي مكانه يا لسخرية القدر إلى مجموعة واتس آب جديدة والتي تم إنشائها أول أمس: “لاجئي تامار”.أحد الأماكن الأخيرة التي لم يتكلم الجالسين فيه عن المال فقط، قد أغلقت أبوابه بالأقفال. أحد الأماكن الأخيرة، الذى لم يضم مستوطنات والذى قال جالسيه لبعضهم البعض شيئاً ما عن مصير الدولة والمجتمع وليس فقط مصيرهم الشخصي، تخرج روحه – فقد كانت له روح. أحد المقاهي المستقلة الأخيرة التي صمدت هنا أكثر من سنتين أو ثلاثة، أطفأ أنواره. وتحكي حوائطه القصة: انظروا من مرسوم عليها ومن له صورة.

كتب لاجئيه إلى بعضهم البعض في نهاية الأسبوع أنهم يكافحون من أجل “حق العودة”. فليس لهم مكان آخر يذهبون إليه، ولا مكان يهربون إليه، ويبحثون الآن عن ملجأ جديد، هناط بالطبع إقتراحات ومعسكرات، وهناك شك فى أن يتوصلوا إلى حلول. حفنة من الكتاب وأساتذة الجامعات والصحفيين والممثلين والعاطلين والمثرثرين – أو بإختصار يساريين بلا مأوى، ويبدو لي أن هذا فقط مأوى مادي.

يمكنك بالطبع الرد بالرفض: نصف معبره ( مخيمات لاستيعاب اللاجئين في إسرائيل وتتواجد منذ خمسينيات القرن العشرين)، مثلما قال “يوسف ألموجي” ذات مرة. ولكن في نهاية يوم الإستقلال الـ-67 يجب أن نقول الحقيقة: الحديث هنا عن قلة قليلة، تتلاشى ولكن الحقيقة أنه ليس هناك مكان آخر لهذه المجموعة لتذهب إليه، وليس لها مكان آخر تهرب إليه، فهي لا تكاد تذكر. الإحساس بالإختناق فى هذه الأقلية يزداد. وأنا أشعر به شخصياً بشكل يومى. والتعليقات العنيفة باتت تتعاقب، جزر الأمل والملجأ مثل تامار، بدأت تغوص في الأعماق. وتقريبا لم يعُد هذا المكان مكاننا.