بقلم د/مايكل دوران*

.. قوة التحالف الشيعى أكبر بكثير من التحالف السنى وأوباما يدعو الدول العربية للإهتمام بشئونها الداخلية بدلاً من الحديث عن إيران

يبدو أن الرئيس الأمريكي أوباما يقوم بتقديم التنازلات مرة تلو الأخرى ويسمح للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية بأن يضع الخطوط الحمراء في الإتفاق النووي الذي يتم بلورته في الوقت الحالي. وفي الطريق يقوم بإبعاد الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة حيث هاجم نتنياهو شخصياً وقام بنشر العديد من التهديدات ضد بعض الدول العربية في الخليج، لذا فالسؤال المطروح ما هو السبب من وراء هوس أوباما بعقد مثل هذه الصفقة مع طهران مع دفع هذا الثمن الباهظ؟

لقد إجتاحت رياح النصر الرئيس أوباما في 2 ابريل الماضي عندما وقف فوق منصة الخطابات في حديقة الأزهار في البيت الأبيض، وأعلن بوضوح وفخر ” أن المحادثات في لوزان قد وصلت إلي تفاهمات تاريخية مع إيران، الأمر الذي سيمنعها من إمتلاك سلاح نووي”.

في الواقع لم تصل المفاوضات لأي تفاهمات تاريخية أو شئ من هذا القبيل، وأوباما يحتفل بشيء لا وجود له أو على الأقل لم يتم التوصل إليه، لقد فشلت محاولات كل من وزير الخارجية جون كيري ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في التوصل إلي إتفاق حول تفسير النص الذي يصف ما يطلق عليه إتفاق الإطار في لوزان وقام الطرفان كل على حده بنشر صحيفة وقائع منفصلة وفيما يتعلق بالنقاط الخلافية الرئيسية تناقضت هذه الوثائق مع بعضها البعض ولم تتطرق إلي أي أجزاء أخرى.

وجاءت تصريحات المصادر الرسمية كي توضح قليلاً هذه التناقضات وتقوم بإصلاح أي تقصير، وتجدر الإشارة إلي أن أحد هذه التصريحات الرسمية الذي قد تم نشره أدى إلي توسعة مجالات الخلاف.

هذا وقد نفى على خامنئي المرشد الأعلى في طهران، في الخطاب الذي خُصص من أجل إتفاق الإطار، بشكل قاطع التوصل إلي أي إتفاق تفاهمات كما شكك أيضاً في شروط معينة في الإتفاق المتبلور مع الأمريكيين، فعلى سبيل المثال نفى تأكيد أوباما بأن إتفاق الإطار هذا يسمح برقابة لصيقة، وقال على النقيض من ذلك إن المواقع العسكرية ستكون خارج هذه الرقابة وذلك لأنه لن يتم السماح بأي شكل من الأشكال بوجود إختراق لمجالات الأمن والدفاع الخاصة بإيران بحجة الإشراف والمراقبة.

وإذا كانت الفجوة بين الجانبين كبيرة إلي هذا الحد، فما الأمر الذي دفع أوباما إلي الإعلان عن حدوث إنجاز تاريخي؟ والإجابة أن الرئيس كان مولعاً بإظهار دليل ملموس على إحراز تقدم في هذه المحادثات. وذلك بهدف منع الجمهوريين في الكونجرس من وصم المحادثات بأنها فاشلة. وبذلك فهو يعتقد أنه قادر على درء التحدى الجمهوري من خلال القصص عن إحراز تقدم في المحادثات ووصف خلافات الرأي الراسخة على أنها تفاصيل دقيقة يمكن تسويتها وليست حواجز لا يمكن عبورها.

إن تحقيق النجاحات في أعقاب مؤتمر لوزان ربما تكون عبارة عن مناورة “لمن يدركون أبعاد القضية” ضد المنتقدين المحليين للرئيس، ولكن هذا الأمر أدى إلي إضعاف موقفه أمام الإيرانيين وكشفوا إستثماره الشخصي العميق في المفاوضات. وبالنسبة لأوباما فإن الفشل في التوصل إلي صفقة سيكون ليس أكثر من موقف محرج بشكل كبير، هذه الحقيقة شكلت ثغرة أمام خامنئي والذي قام بإستغلالها جيداً في خطابه الذي حمل لهجة تحدي جديدة. فقد ألمح في خطابه لأوباما –ليس بهذه السرعة- حيث أشار له بأنه كي تقبل طهران بهذا الإتفاق الذي تقوم حالياً بالإحتفال به عليك تقديم المزيد والمزيد من التنازلات.

وإذا إعتمدنا على طريقة تصرف أوباما في الماضي فسنعرف على الفور أنه سيعطي خامنئي ما يريده. وبالفعل فإن التنازلات الأمريكية هي ما أدى إلي دفع المفاوضات قدماً في كل مرحلة، وخير مثال على ذلك هو مصير “فوردو”، أحد المخابيء المحصنة تحت الجبل بجوار ” قٌم”. ففي بداية المفاوضات أعلن أوباما وبشكل صريح أن وجود هذه المنشأة لا يتماشي مع برنامج نووي سلمي، ولكن بعد أن أعلن خامنئي عن رفضه لتفكيك البنية التحتيه النووية الإيرانية وافق أوباما على الفور على عدم إغلاق فوردو، وفي الجولة الثانية من المفاوضات الأخيرة تساهل موقف أوباما بشكل أكبر حيث لم يسمح فقط في أن يبقى المخبأ المحصن وإنما سيحتوى على أجهزة طرد مركزي عاملة.

وبفضل تراجع واحد كهذا فإن خامنئي هو من يقوم بإملاء الخطوط الحمراء وليس أوباما حيث يقوم الأول بتقرير شكل الصفقة المتبلورة. هذه الحقيقة تجعل الرئيس عرضة للإنتقاد متهمينه بالعجز أو بالسذاجة ولكن هذه الأوصاف تفتقد العلامة. فالرئيس غير متمسك بأي مجموعة من المطالب المحددة، وبالنسبة له فإن الشروط المحددة للإتفاق النووي هي أقل أهمية بكثير من مجرد وجودها، لذا فإن واحدة من أهم إنجازات الرئيس أوباما ونجاحاته السياسية هو أنه قد أقنع العديد من دول العالم بما في ذلك العديد من منتقديه أن الهدف الأساسي من المفاوضات هو مناقشة إتفاق الحد من الأسلحة النووية، بينما الهدف الحقيقي هو الوصول إلي إنفراجة دولية في العلاقة مع طهران.

يعتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن تحقيق إنفراجة دولية سوف يكبح السلوك الإيراني بشكل أكثر فاعلية من أي إتفاق رسمي، هذا بالإضافة إلي أن ذلك يفتح الطريق من جديد إلي مزيد من التعاون مع إيران في مجال الأمن الإقليمي، وسوف تسمح هذه الإنفراجة للولايات المتحدة أن تتراجع عن تدخلها في الشرق الأوسط وتركز بشكل أكبر على أولوياتها الداخلية، وأخيراً  فإن هذا سيبرر قيام أوباما بإقامه علاقات وثيقة حيث يعتبرها بديلاً أفضل للسيناريوهات العسكرية للقيادة الأمريكية التي ينادي بها خصومه الجمهوريين لذا وبإختصار فإن هذه الإنفرجة الدولية ستؤمن ميراث أوباما السياسي.

وعلى النقيض من ذلك سيسعى خامنئي إلي تحقيق ثلاثة أهداف قبل أي شيء ألا وهي :

  • الحفاظ على البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل.
  • إلغاء العقوبات الإقتصادية المفروضة على الإقتصاد الإيراني.
  • دفع المجتمع القانوني الدولى لعدم تسميه إيران بالدولة المارقة.

ويبدو أن أوباما قد نفذ طلبات خامنئي الثلاثة، إلا أنه وفي الحقيقة لازالت هناك خلافات كبيرة بين الجانبين واحد منها هو ميعاد رفع العقوبات والآخر هو لهجة التحدي في خطابات خامنئي التي يطلب فيها رفع العقوبات، في حين يقول أوباما أن رفع العقوبات لابد أن يتم وفقاً لطريقة منظمة بينما يدعو خامنئي إلي إلغائها فوراً حيث طالب بإزالتها كلية في نفس اليوم الذي يتم فيه التوقيع على الإتفاق.

وكيف سيقوم أوباما بسد هذه الفجوة؟ إن لديه أداتين تحت تصرفه لفعل ذلك حيث قال ولأول مرة أنه سيقدم حافزاً لخامنئي يجعله يوقع فوراً. إن أي جزء من تشريعات العقوبات التي أقرها الكونجرس وفرضها على إيران تعطي الرئيس سلطة تقديرية بالتنازل عنها إذا كان يري في القيام بذلك ضرورة قومية وبإستخدام هذه السلطة الممنوحة سيقوم أوباما بفك الحظر عن الحسابات الإيرانية في الصين والهند وتركيا وأماكن آخرى والتي تبلغ قيمتها ما بين 100 : 120 مليار دولار، جزء كبير من هذا المبلغ -50 مليار دولار وفقاً لأحد التقارير الموثوقة- سيتم منحه للإيرانيين لحظة التوقيع خطياً على الإتفاق.

وبعد ذلك فإن الرئيس سيسعى بالتأكيد إلي موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الإتفاق، إن وضع الختم الدولى على هذا الإتفاق سيجعل كلاً من أوربا والروس والصينيين والكثير غيرهم أكثر حرية في توثيق صلاتهم الإقتصادية مع إيران، والتجارة لن تكون هي الشيء الوحيد الذي سيتوسع حيث ستمتد رقعة الصفقة إلي المزيد من مجالات التعاون العسكري الإيراني- الروسي، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً عن نيته إمداد إيران بصواريخ الـ S-300 المضادة للطائرات وذلك كنوع من اللفتة الطيبة للتعاون الذي أبدته الأخيرة.

كما أن عرض الرئيس الأمريكي على خامنئي جائزة التوقيع سيجعل من الصعب قيام الأخير بالرفض إلا أن ذلك لا يقلص فرص الخيارات المتاحة أمام خامنئي وإنما يزيد من مساحة مناورته. حتى وإن لم تكن لديه أي نوايا حقيقية في تكليل بنود الإتفاق بالنجاح، فإنه لايزال من المنطقي جداً بالنسبة له أن يوقع عليه، وإن كان فقط يريد أن يأخذ الجائزة ويستحوذ لنفسه على المزيد من المميزات التي ستتحقق على الفور، ومن المرجح أن يتم في وقت لاحق محاولة لإعادة فرض العقوبات من جانب الولايات المتحدة وذلك إذا بدأت طهران في إنتهاك الإتفاق ولكنها الآن (الولايات المتحدة) ستجد صعوبة أكثر من أي وقت مضى في إقناع مجلس الأمن بما لديها وذلك لأنه سيكون قد تشكل لوبي أوربي تجاري تربطه مصالح  وثيقة مع إيران، ومن ناحية أخرى لن تكون هناك أي ضمانه للمساعدة من جانب الروس والصينيين في إستئناف العقوبات ولا يهم إذا كانت إيران تتفاوض آنذاك من موقف قوة أكبر من الذي هي عليه الآن.

إن ما يحدو الكونجرس الأمريكي على العمل من أجل مشروع قانون لإعطائه الحق في التصويت بالموافقة أو بالرفض على عقد إتفاق مع إيران هو إنزعاجه من هذا التهديد. ومع ذلك فإن تصويت بالرفض قد يُثني أوباما فقط إذا إجتاز هذا التصويت مجلسي النواب والشيوخ بأغلبية ساحقة دون ظهور أي فيتو للإعتراض وهو ما يمثل سقفاً عالياً لا يمكن الوصول إليه بسهولة. وطالما أن الرئيس الأمريكي لا يمكنه سوى إقناع ثلث إما مجلس الشيوخ أو مجلس النواب بدعم سياسته فإنه سيكون حراً  في متابعة خطته، وعلى الرغم من عدم وجود ما يضمن فوز الرئيس في المعركة مع الكونجرس إلا أن الإحتمالات تصب بقوة في صالحه.

إن الإنفرجة الدولية قد تُبدو على أنها تحول بسيط في السياسية الأمريكية إلا أنها في الواقع أكبر من ذلك بكثير قد تصل إلي ما يسمي تحول جذرى.

لقد وضع أوباما قاعدة عامة لإحتواء إيران كمبدأ توجيهي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وذلك للتأكد من أنه لا يزال يدفع الضريبة الكلامية لفكرة مواجهة النفوذ الإيراني ولكن لا تتطابق أفعاله مع أقواله وبالأخص في سوريا والعراق حيث حافظ أوباما لمدة طويلة على المصالح الإيرانية من خلال معاملة طهران على أنها الشريك الصامت في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

إن هذه الإنفراجة الدولية ” Détente” تتطلب من أوباما أن يقلص من هؤلاء الحلفاء الذين ينظرون إلي إيران على أنها تهديد على أمنهم الأساسي، وهذه العملية الأساسية مستمرة منذ عدة أشهر ولكنها أكثر تقدماً بالطبع بالنسبة إلي إسرائيل، وبطبيعة الحال فإن أوباما لم يعترف أبداً بذلك وبدلاً من ذلك يقوم هو وكبار مسئوليه بإرجاع تدهور العلاقات إلي الإخفاقات الشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي. فهم لم يدخروا جهداً كي يقومون بإعلامنا بأخطاء بنيامين نتنياهو التي لا تُغتفر: مثل موقفه من المواطنين العرب في دولة إسرائيل، حيث قيل لنا، أنه عنصري، وفشله في إحياء عملية السلام هو أمر لا يمكن الدفاع عنه، وإستعداده أن يتم إستخدامه كآداه في أيدي الجمهوريين هو شيء مخزي، وكذلك يتم النظر إلي إستعداده للتجسس على الولايات المتحدة على أنه توجه غادر.

إن الهجمات على نتنياهو بشكل شخصي هذه الأيام غير مسبوقة، وذلك منذ أصبح رئيس وزراء إسرائيل هو أكثر الأعداء إقناعاً في الصفقة النووية، إن أوباما يعمل على تشويه سمعة نتنياهو كما لو كان محامي دفاع يحاول الإيقاع بشاهد الإدعاء، كما أنه يقوم بتعليم نفس الدرس لحلفائهم الذين قد يعبرون عن رأيهم حيث أن عدد النقاد المحتملين للصفقة ليس بالقليل، وخلف أبواب مغلقة يقوم السعوديين ومعظم العرب الآخرين بإنتقاد سياسة أوباما ولكن لم يقم أي منهم بالوقوف وإنتقاد سياسته علناً مثلما فعل نتنياهو.

ولتعزيز هذا الدرس أعطى الرئيس الأمريكي عرب الخليج العقاب الذي كان يحتفظ به من أجلهم على سبيل المثال في المقابلة التي عقدها مع الصحفي توماس فريدمان مؤخراً. ناقش فريدمان مع أوباما مخاوف دول الخليج العربي من إيران وقال أنها ليست في محلها وقال أن إيران ليست هي التهديد الأكبر ضد أمنهم إن أكثر ما يجب أن يقلقهم هو عدم وجود إستقرار داخل بلادهم حيث لا توجد لدى الشباب لديهم أي وسيلة للتعبير عن إستيائهم، لذا يجب أن تكون الأولوية لديهم هي للإصلاح السياسي الداخلي وقد أبدى الرئيس إهتماماً بالغاً بدول الخليج العربي وبمسألة كيفية دعم المؤسسات السياسية في هذه الدول حتى يشعر الشباب السنى بأن لديه بديلاً يختاره بدلاً من تنظيم الدولة الإسلامية.

كما إمتنع أوباما عن إتهام حلفاءه بتهديد الطائفية والعنف التي تجتاح الشرق الأوسط ولكن التهديد الخفي كان واضحاً في خطابه أيضاً. وعلاوة على ذلك بعد إسبوع واحد فقط من المقابلة مع فريدمان قيل ذلك بشكل أكثر وضوحاً في مناقشة حول ليبيا حيث قال أن دول الخليج أحياناً ما تقوم بتأجيج نيران الصراع العسكري . وبين دول الخليج وإسرائيل فإن رسالة أوباما الشاملة كانت واضحة ألا وهي : إيران ليست هي المشكلة . أنتم المشكلة، لابد أن تقوموا بترتيب منازلكم من الداخل قبل أي شيء.

وفي الوقت الذي يقوم فيه أوباما وكبار مسئوليه بإلقاء اللوم على حلفائهم بصورة جزافية، إعتادوا أن يمتدحوا إيران عما تبديه من روح التعاون، حيث قال الرئيس في اللقاء في أغسطس الماضي ” أعتقد أن ما فعله الإيرانيون أنهم قد أدركوا أخيراً بأن الهيمنه الشيعية على العراق على المدى الطويل قد حُكم عليها بالفشل وهذا الدرس هو ما يجب أن تتعلمه كل الدول الآخرى. فأنت تريد الحصول على نسبة الـ 100 % وفكرة أن الفائز يحصل على كل شيء، كل المسروقات، إن هذه الحكومات آجلاً أم عاجلاً ستنهار. وعندما تُسمع هذه التصريحات من البيت الأبيض ستبدو إيران كدولة نموذج لدول الخليج العربي كي تقوم بتقليده”.

الموازنة المقدسة

وتقف من وراء هذه التصريحات رؤية جديدة لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فبالنسبة لأوباما فإن الولايات المتحدة لم تعد تقود التحالف الذي يؤسس للنظام في المنطقة، وبدلاً من ذلك تقوم بلعب دور الوسيط الأكبر بين إيران الشيعية والقوي السنية، وعندما يصف أوباما أهداف هذه السياسات كررها أكثر من مرة خلال هذا العام وقال ” إنه التوازن ” فإذا كانت الولايات المتحدة تقوم بعملها على أكمل وجه فربما كان سيقول لتوماس فريدمان في المقابلة ” ربما كنت سترى توازناً أكبر في المنطقة بين السنة والشيعة وقد تقول السعودية وإيران نحتاج إلي التقليل من التوتر في المنطقة وأن نركز على المتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذين لن يدخروا وسعاً في إحراق المنطقة بأسرها إذا إستطاعوا ذلك” .

ويعتقد الرئيس أوباما أن سياسته في الإنفراج الدولي وخاصة إستعداده لتقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي لإيران- ستقنع القادة في طهران بأن الإدارة الأمريكية لم تعد تنظر إلي النظام في إيران كخصم لهم، لذا سيبدأون في التعاون بشكل وثيق مع واشنطن وبالأخص في مناطق مثل العراق وسوريا، والتي توجد لدينا فيها مصالح مشتركة في الإستقرار وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وقد يؤدي التغيير في البداية إلي إثارة حالة من الإنذارت بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وقد يتم الوصول فى نهاية المطاف إلي خلق نوع من التوازن الجبري نتيجة الخوف من الجنون الإيراني.

وفي الآونة الأخيرة شهدنا إستجابة سعودية للجهود التي يبذلها أوباما من أجل تحقيق التوازن المنشود حيث قامت الرياض بتشكيل تحالف سني وخرجت في حملة عسكرية على اليمن. هذا الغزو هو بلا شك مجهود من أجل دحر المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وكان الهدف منه أيضاً إرسال رسالة إلي أوباما مفادها أنه إذا لم تقم بتنظيم المنطقة لوقف إيران فإننا سنقوم بعمل ذلك وكي نوضح الصورة بشكل أكبر، إن السعودية لم تقم بإعلام الولايات المتحدة عن هذه الحملة سوى قبل ساعة واحدة من بدئها!

ولكن المشروع السعودي لمنظمة سنية ينطوي على الكثير من الصعاب حيث تتفق الثلاث دول السنية الكبيرة وهي السعودية ومصر وتركيا على أنهم لا يرغبون في شرق أوسط تسيطر عليه إيران، ولكن بخلاف هذا لا توجد لديهم رؤية موحدة، فالثلاثة لم يتفقوا بشأن إستراتيجية مشتركة في سوريا فما بالك باستراتيجية واحدة للمنطقة بأسرها، الحقيقة المؤلمة أنه لا يوجد شيء يمكن أن نطلق عليه التكتل السني.

ولكن في مقابل ذلك يوجد تكتل إيراني -حلف معارضة- والذي تشكل عملاقاً وضم بداخله سوريا وحزب الله وسلسلة طويلة من الميليشيات الشيعية النشطة حالياً في العراق وسوريا وكذلك باليمن، والغراء الذي يلصق كل هذه المنظومات مع بعضها البعض هي قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيرااني من خلال التخريب والإبتزاز واللعب على الإنقسامات العرقية تقوم قوة القدس بتوسيع نفوذها في المنطقة ولا توجد قوة مجابهة لها في أي دولة سنية.

وبإختصار فإن أوباما يسعى إلي تحقيق التوزان المنشود وتقوية إيران بإستخدام أفضل الأدوات من أجل إبراز القوة والنفوذ واقل قدر من الإحترام لجيرانها.

وبإستثناء إيران فإن القوة الوحيدة في المنطقة والقادرة على إظهار قوتها العسكرية الناجعة هي إسرائيل. ولكن حجم هذه الدولة الصغير يحد من قدرتها على تنفيذ إستراتيجية إقليمية شاملة فضلاً عن واقع الصراع العربي الإسرائيلي الذي يُعيق أي تعاون مع القوى السنية، بينما تسير المصالح السعودية الإسرائيلية الآن جنباً إلي جنب أكثر من أي وقت مضى، إلا أن ذكريات الماضي لا تزال تفصل بين الرياض والقدس، إن الجانبين يستطيعان أن يقوما بتنسيق المواقف بهدوء تام إلا أن عوائق التنسيق العلني لا يمكن التغلب عليها.

إن الفوضى والإنتشار النووي بين الدول المعادية لإيران في الشرق الأوسط (مثل الكونجرس الأمريكي) ليست قادرة على إنتاج معارضة قوية لسياسة الإنفراج الدولي التي يقودها أوباما، ولكن عدم قدرتهم على إيقافها لا تعني أبداً موافقتهم عليها، فهم سيستمروا في تقويض سياسة أوباما ومحاربة إيران وشيعها في اليمن دون الحديث عن البؤر الجديدة التي قد تظهر بمرور الوقت.

إن هذا الإنفراج الدولي، سيؤدي إلي إختلال التوزان على العكس تماماً من الغرض الذي كان يهدف له. وبواسطة المفاوضات حول معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية، قام الرئيس الأمريكي بتحريك الالواح التكتونية للتسوية الشرق أوسطية، وكما نعلم فإن تحريك سنتيمترات معدودة في هذه الألواح كفيل بتسوية مدن كاملة على الأرض.

* د. مايكل دورون هو خبير في الشئون الشرق أوسطية وحاصل على الزمالة من معهد هاديسون وخدم في وقت سابق في مناصب قيادية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون