27-4-2015

بقلم: أمنون لورد، أريك جرينشتاين

المعلومات الوفيرة التي جمعها “عوزي أراد” حول قضية النووي الإيراني خلال سنوات مشواره المهني، أضفت عليه، ربما رغماً عنه، مكانة الواعظ. وكما نعلم، “أراد”، اليوم هو استاذ جامعي في الدراسات الحكومية والأمنية والعلاقات الدولية في المركز متعدد المجالات هرتسليا، وقد شغل منصب مستشار سياسي وأمني لرئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، ورئيس مجلس الأمن القومي في الفترة (2009-2011). وفي السنوات الأخيرة كان يمكن أن نسمعه ونقرأ كلماته في الإعلام، الذي حذر فيه مراراً وتكرارا من تفويت فرص مواجهة التهديد الإيراني.

لكن هذه المرة، في لقاء أجريناه معه مؤخراً، اصطحبنا “أراد” إلى مكان مغاير نوعا ما: فبحسب زعمه” وفقاً لمنطق استخلاص الدروس، حتى اليوم لم يتابع أحد بشكل منتظم القصة التاريخية لتطور المعركة التي دارت من أجل منع النووي الإيراني. لم يتوقف أحد، لينظر إلى الخلف ويجري حساباً برؤية نقدية – هل كانت هناك حالات أضعنا فيها الفرص، أم لم نضيع أي فرصة؟ هل سرنا كما ينبغي؟ لو كانوا قد قاموا بذلك – وأنا أؤكد لكم أنهم في الولايات المتحدة يقومون بذلك، فأنا أتحدث مع الكثير من الخبراء – لكانوا حددوا نقطة تم تفويتها بكل تأكيد.

المعركة الأولى: كشف منشأة نووية في ناتنز، 2003

من أجل أن نحدد هذه النقطة يجب أن نرجع أكثر من عقد للخلف. استناداً لقول خبراء الحرب في إيران، ومسئولين رفيعي المستوى سابقين في السلطة، وباحثين، يوضح “أراد”، أن السنوات الرئيسية لتفويت أكبر الفرص كانت في العامين 2002 – 2003. لماذا هذان العامين بالتحديد؟ “لأنه حتى ذلك الحين كانت هناك نتائج لبحث فعلي تدين إيران بإخلال التزاماتها لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية  (NPT). وحينما وقعت المأساة: “فجأة، في العامين 2002 – 2003 تم كشف الموقع السري في ناتنز. إنه نفس الموقع، الذي يراه الجميع اليوم – تظهر صوره حتى في “جوجل إيرث” –لم يكن معروفاً وقتها للعامة. وفي تلك المرحلة كان الموقع مازال في البداية، ولكن كان من الواضح للجميع حينها أننا أمام منشأة أجهزة طرد مركزي وتخصيب لليورانيوم.

ذكر “أراد” قائلا: “اليوم يمكننا أن نجد أدباً مكتوباً عن هذا الموضوع، يتحدث عن جزء من المنظمة المعارضة فى إيران “مجاهدي خلق”، التي كشفت وجود المنشأة. بعض النسخ المتفرقة في العالم تقول بإنهم ذهبوا بهذه المعلومات إلى الأمريكان، وبعضها تقول إلى الإسرائيليين، وبعضها تقول عامة أن المنظمة هي التي حصلت على المعلومات الاستخباراتية من أجل كشفها. سواء هذا أو ذاك، هذا الكشف أحدث ضجة كبرى في العالم”. لكن إلى أي حال وصلت بها فعلياً؟ “هذا الحادث صعق العالم وجعله يقول للإيرانيين: “حسناً إذن! لقد أمسكناكم بفعلتكم”. وفي الحقيقة، إن كشف ناتنز، كان مثل كشف موقع “فوردو”‎ قرب مدينة “قُم” في اغسطس 2009، استُخدم دليلاً على أن للإيرانيين برنامج نووي عسكري. الآن، أين تفويت الفرصة هنا؟ الإدعاء اليوم أن الولايات المتحدة لم تكون في حاجة إلى استخدام كشف موقع ناتنز لغرض الاستعراض، بل كان يجب قصفه في الحال آنذاك.

تقصد، أن في مقابل غزو العراق، كان يجب إرسال عدة طائرات إلى إيران؟.

“بالطبع. لقد كان الهجوم على العراق في مارس 2003. لا اتذكر متى كان كشف موقع ناتنز بالتحديد، لكن اتصال الأمرين صعق الإيرانيين لأنهم قد أُمسكوا متلبسين. سرية المنشأة هو العنصر الذى استوجب الإدانة. لقد كُشف كل شيء، وفي المقابل تم استعراض القوة الأمريكية على العراقيين، الأمر الذي لم يفعله الشيطان نفسه”.

“وبالطبع، فزع الإيرانيون. اليوم أصبح من المعروف أن البرنامج النووي الإيراني قد توقف تماماً بين السنوات 2003 – 2005، لكن الأمريكان، يدركون أنهم لم ينتهزوا الفرصة كما ينبغي. بدلاً من استخدامها للشجب والإدانة، كان عليهم أن يستخدموها كذريعة للهجوم. وكان سيُقبل ذلك على أنه خطوة شرعية. وكان أيضاً ستنتج بنية منطقية من السبب والتمكين، على شاكلة: “أيها الإيرانيون، إن كنتم أنتم من وراء هذه المنشأة، فلتعلموا جيداً، أننا سنضربها. وهذه هي المخاطرة التي تجازفون بها”. وهكذا كانت ستنشأ معادلة استراتيجية مشوقة”.

هذا يعني أن التقصير التاريخي يقبع في جعبة “جورج بوش” الابن.

بالضبط.

أين كانت إسرائيل حينها من كل هذه القصة؟

“هذا سؤال يجب أن تطرحونه. لقد كنا في عهد “أريئيل شارون” حينها. كانت هذه هي الفترة التي عيّن فيها “ميئير داجان” رئيساً لجهاز الموساد حينها، وأعطاه التفويض للتركيز على القضية. وربما كانت هذه الفترة، وهذا تصوري، التي أخذ على عاتقه عبء جهود عملية إحباط للمشروع النووي. إنني أتحدث عن فكر استراتيجي أمريكي شامل، عندما كانت إسرائيل تتحدث طوال الوقت مع البيت الأبيض”.

“هل قلنا لهم فلتهاجموا؟”. طرح “أراد” بنفسه السؤال ولكنه أبقى الإجابة مفتوحة. ثم استكمل حديثه قائلا: “على أي حال، أصبح الأمريكان اليوم يشعرون بالندم. هناك مسئولون رفيعو المستوى يقولون إنه في حال كشف منشأة سرية أخرى في إيران يجب دكّها على الفور. لا يجب أن نحدد تاريخ معين للهجوم بل أن نشن هجوماً مباشرة بعد كشف المنشأة، حتى يتعظ الإيرانيين، بأنهم إن قاموا بتشييد موقع سري آخر، وتم اكتشاف أمره – وحتى اليوم أصبح تقريباً بشكل دائم يُكتشف أمر مواقع مماثلة – سيتم ضربه. بغض النظر عن أي شيء آخر.

المعركة الثانية: كشف المنشأة في فوردو 2009

لقد كانت هذه هي الفرصة الوحيدة للهجوم الأمريكي. تم الحادث الثاني في فترة ولاية “أراد” كرئيس لمجلس الأمن القومي: يذكر “أراد” قائلاً: ” كُشف الموقع السري في فوردو للعالم بشكل مشابه في أغسطس – سبتمبر 2009. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل كان من الممكن دكّه آنذاك؟”.

لم نكن بصدد نفس الوضع. في هذه المرحلة كنا في فترة حكم “أوباما”. لم يكن هذا “بوش”، ولا أسلوب تفكير “بوش”. في 2003 كان الشاب، المفعم بالنشاط، الذي تلقى قبل عامين فقط أحداث 11 سبتمبر. لقد كان محباً للحرب، فانطلق إلى الحرب على العراق. حيث كان هناك نضوجاً عسكرياً – سياسياً أيضاً. لقد كانت هذه أيضاً “اللحظة السحرية” التي كان فيها يجب اتخاذ خطوة حيال ذلك. لكن الفرصة ضاعت بلا رجعة. والأدهى من ذلك، أنه ليس كما منشأة ناتنز، لأن منشأة فوردو كانت واقعة تحت الأرض.

“عن منشأة فوردو يمكنك أن تقول أنها فرصة ضائعة، لأنك لا تعلم إن كان من الممكن دكّها. لكن بإمكانك أن تسأل نفسك – لماذا هذا الكشف لم يكن ذريعة لضرب منشأة ناتنز؟! من قال أن علينا أن نضرب الموقع السري بالتحديد؟ هذا يذكرنا بما حدث مع السوريين [“الحرب على المياة” في الخمسينات والستينات]. فقد حوّل السوريون مياه نهر الأردن، أتذكرون تحويل مياه بانياس، لقد قاموا بذلك حتى يثيروا جنوننا. لذا قلنا إننا سنعطل عليهم مهمتهم. في الواقع لقد كذبنا. فعندما كانوا ينفذون عمليات تحويل النهر، قمنا باستهداف مواقع أخرى أردنا قصفها. حسناً، هل من مراجع؟ فقط 40 كيلو من هناك. إذاً نفس الشيء كان يجب أن يتم مع كشف فوردو…”.

لكن السوريين قد ردوا، بأنهم توقفوا عن تحويل مياه النهر

“صحيح، لكنني اخترت الأهداف التي أردت ضربها. لماذا أستهدف جرافة؟ لقد أردت أن أقوم بدَّك موقع عسكري. لذا قمنا بضرب الموقع العسكري، وليس الجرافة التي عملت على تحويل مياه النهر. نفس الأمر مع إيران: في 2009 في ناتنز كان هناك نحو 2.000 جهاز طرد مركزي. ولديهم بالفعل 500 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بمستوى منخفض. لقد كان مصنعاً نشطاً. وإذ بمنشأة فوردو ينكشف أمرها. لكان بإمكانك أن تنتهز هذا الكشف والارتباك الدولي وتضرب ناتنز! وكان بإمكانك حينها أن تقول، “إنني أهاجم برنامج التخصيب الإيراني. لماذا؟ لأن لديهم مشروع سري”.

هل كان هذا أمر بمقدور إسرائيل أن تفعله؟

“دعونا لا نفصل. لا يمكن أن نفصل إسرائيل عن أمريكا. كل هذه الأمور كان يتم مناقشتها بين البلدين. وأحيانا أيضاً مع انجلترا وفرنسا. لقد أجري تنسيق حول هذا الموضوع على مدار عشر سنوات، من خلال تواصل الخطوط والقنوات الإستخباراتية والعسكرية. أحيانا بكثافة مرتفعة، وأحياناً أيضا منخفضة، لكنه دوماً ما كان على جدول الأعمال. نحن نعلم أن “أريئيل شارون”، عندما كان يصل إلى واشنطن كان يتحدث عن الملف الإيراني. يبدو لي أن “جلانت” قد تحدث عن ذلك مؤخراً. فقد كان ملاصقاً لـ”شارون”، وقد كلّفه “شارون” بعرض المشروع. إذاً فالموضوع كان مطروحاً على جدول الأعمال. السؤال المطروح هو إلى أي قرار توصلنا؟. نحن نعلم أن النهج الأساسي لـ”أريئيل شارون” كان يركز على دخولنا في عمليات إحباط للمشروع النووي، لكن من يجب أن يواجه التهديد هم الأمريكان. لقد ظن أنهم سينفذون المهمة، وكان الإيمان بذلك وثيقاً حتى منتصف العقد الأول للألفية الثالثة.

“نحن نعلم أيضاً أنه في عهد “أولمرت”، تحدث معهم عن تنفيذ الهجوم، هذا مذكور في مذكرات، “بانيتا” و”جيتس” [ليون بانيتا وروبيرت جيتس، كلاهما وزراء دفاع سابقين]. في هذه المرحلة صادفتنا مشكلة: “بوش” في فترة حكمه الثانية .لقد أصبح بوش ظلاً شاحباً لنفسه. وأصبح يخاف استخدام القوة. ولم يرد أن يتحرك؛ سواء في سوريا أو في إيران. لقد كان يلاحقه “ريتشارد تشيني” لكن “بوش” لم يعطي الضوء الأخضر. وفي نفس الفترة كانت وزيرة الخارجية “كونداليزا رايس”، وفي الحقيقة يبقى “تشيني” هو الصقر الوحيد. أصبح بوش ظلاً شاحباً لنفسه، مثل “بيجين” بعد حرب لبنان”.

ثم جاء أوباما

نحن نعرف اليوم “أوباما”، نسخة 2015. ولكن “أوباما” في نسخة 2010 كان رئيساً يقول إن “كافة الوسائل مطروحة على الطاولة للنقاش”. هذا ليس “أوباما” صاحب الإتفاقية النووية. عندما زار “دانيس روس” إسرائيل، ذكر أنه في 2009 سقط قرار أمريكي يقضي بعدم انتهاج سياسات الردع واحتواء إيران نووية، بل أنهم ملتزمون بسياسات المنع – بكافة الوسائل. كانت الأولوية لوسائل إقناع سياسية أو ما شابه، لكن الخيار العسكري مطروح على الطاولة. لقد قال ذلك، وقصد ذلك. فضلاً عن ذلك، في تلك السنوات كان الجيش الأمريكي يعد خطط بديلة – أكثر من خطة – في حال استلزم الأمر أن يتصرف. كل ذلك كان يتم في عهد “أوباما”. إلا أن سياسة “أوباما” قد اتخذت شكل مغايراً تماماً بدءاً من عام 2012.

تغليظ العقوبات؟

“بالضبط. كشف فوردو في أغسطس – سبتمبر 2009 صعق الروس. الذين لم يكونوا على علم بهذا الأمر. هذا ما جعل الروس يدعمون قرار مجلس الأمن، الذي قضى بتغليظ العقوبات في 2010. يمكنني أن أذكر لكم لماذا نُفذت هذه الخطوة في ذلك الحين: لقد كانت عشية الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وعشية مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد تم وضع تزامن التوقيت لإحداث أقصى درجة ممكنة من الصدى المدوي. وفي يوليو 2010 مُرر قرار في مجلس الأمن، أدرج العقوبات تحت بند 7، الذي فرض آلية أكثر تصاعدية. ولهذا الغرض، استُخدم كشف منشأة فوردو كحافز سياسي. لكنهم لم يستخدموه كذريعة للهجوم”.

مسئولون أمريكان رفيعو المستوى: “لن نكرر أخطاء الماضي”

كان من المهم بالنسبة لـ”د.أراد” أن يؤكد على سبب وصفه لكل تطورات الأحداث. حيث ذكر “في العام أو العامين الأخيرين، هناك من يقول إنه في حال كشف موقع سري آخر، لن نكرر أخطاء الماضي”. نحن نتحدث عن مسئولين جادين: بعضهم مسئولين سابقين في الإدارة الأمريكية  وبعضهم مسئولين تعاملوا بشكل مباشر مع القضية النووية الإيرانية. هؤلاء، يعكسون بشكل جيد أسلوب تفكير الإدارة الأمريكية”.

“على سبيل المثال، أحدهم قال لي أن علينا أن نضع القاعدة: في حال كشف موقع سري آخر – سيتم قصفه. أي، أن ذريعة الحرب لن تكون قرار، بل مجرد الكشف. إذاً لماذا هذا الأمر مهم؟ لأن اليوم تتردد إدعاءات مفادها بأن هناك موقع ثالث (بخلاف ناتنز وفوردو). ولديّ شعور – وأنا أؤكد أن هذا الشعور ليس مستنداً إلى مصادر، أو محادثات أو أي معلومات قد تعرضت لها – بأن هناك موقع ثالث نشط، سري، لكننا لم نكشفه بعد. وهذا لافت للنظر بشدة، لأنه في حال كشف موقع سري آخر، فهذا يبرر سبب عدم خوف الإيرانيين من مصير “ناتنز”.

هل يشكل وجود منشأة على حد التقريب فرقاً؟

“لأن اليوم، على خلفية الاتفاقية الجاري بلورتها، يحصون عدد أجهزة الطرد المركزى. يقولون على سبيل المثال أنه سيتم تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي إلى 6.000 في إيران، لكنهم لا يخبرونك بأن لديهم موقع سري وفيه، فلنفرض، 3.000 جهاز طرد مركزي يعمل من دون إشراف. ربما، ومرة أخرى – إنني أطرح هنا مجرد تصور لي، فنحن لا نتحدث عنه بقصد حتى لا نضمه إلى العدد الحالي. بعد ذلك، عندما يُكتشف أمره، سيكون دليلاً واضحاً على مخالفة الإتفاقية. ما الذي فعله الإيرانيون بعدما انكشف موقعا ناتنز وفوردو؟ قالوا، حسناً لقد كشفتم أمرنا. لقد كنا ننوي أن نعلن عنه مثلما يقضي القانون بذلك، الآن دوّنوا هذه النقطة في مذكرتكم. إنهم يجرون تبييضاً بأثر رجعي. إذن ما العمل؟ أندعهم يشغلون موقعاً سرياً، ونغض الطرف عنه؟. هل يعلمون بأمر موقع كهذا؟ الإجابة إما بالإيجاب أو النفي. على كل حال هذا سيناريو مثير للإهتمام، وهو مهم من أجل أن نفهم تسلسل الأمور”.

هل من الممكن أن يكون هذا الذي أوشك أن يقوله نتنياهو في الكونغرس؟

“كشف منشأة ثالثة؟ عندما قال الأمريكان أنه لن يكشف أي شيء داخلي، فكرت للحظة أنهم يلمحون إلى أمر مماثل، لكنني أتحدث من منطلق شعوري الشخصي غير المستند إلى أي معلومات”.

عندما توليت المنصب في 2009، كان للإيرانيين حوالي 4.000 جهاز طرد مركزي. الآن أصبح لديهم قرابة الـ20 ألف. هل مازال هناك ما يمكن قوله عن وقف هذا المشروع؟

“أنظر. هل هناك خياراً عسكريا؟ حقيقة أن الأمريكان يقولون أن هناك خياراً عسكريا مطروحاً على الطاولة أنه سيبقى مطروحا. طوال الوقت. سواء كان هناك اتفاقية أو سيتم خرقها، سيظل هناك خياراً عسكرياً – إنهم لا يقولون اليوم أنهم سيردون على أي خرق للاتفاقية. الآلية التي سيظل استخدامها مفضل هي آلية العقوبات، لكن هناك سبب لنشرهم معلومات عن وجود قنابل تخترق المواقع السرية. الأمريكان يقولون: إنه خيار مطروح، أي، أن فوردو ليس بمأمن”.

السؤال هو إن لم يفقدوا بعد ورقة الردع.

“صحيح، لم نعد نتحدث عن خيار الردع. ولكن فنياً، هل زال الخيار العسكري تماماً؟ علينا أن نتذكر عندما تصدى الأمريكان للسوفيت في الحرب الباردة، كان لديهم 20 ألف صاروخ نووي. فماذا فعلوا؟ أقال الأمريكان أنه لن يحدث أي سيناريو فيه سنضرب السوفيت؟ كلا. إمكانية التنفيذ ضئيلة وكذلك الجدوى أيضاً، لكن فنياً يبقى التنفيذ متاح. بوسع الأمريكان ضرب دولة تمتلك صواريخ نووية أيضاً، إن شاءوا.

“ولكن هذا فقط بالمفهوم الفني الضيق. بينما بالمفهوم السياسي، المزاج العام وتوازن الإعتبارات يبدو بالطبع  أمراً مختلفاً تماماً. في هذا السياق من الواضح أن الأمريكان يبتعدون عن الخيار العسكري وبالطبع من المحتمل أن ينشأ وضع التسليم بإيران نووية. يمكنني أن أتخيل الوضع الذي فيه يقولون- حسناً، لقد تجاوزنا فرعون، وتجاوزنا السوفيت، ما الذي سيفزعنا الآن من الإيرانيين؟ هل نفزع من الباكستانيين؟”.

لقد سئم الأمريكان أن يلعبوا دور شرطي العالم

على ما يبدو، على ضوء أحداث السنوات الأخيرة، أن العالم قد اتخذ قراراً بأن يتيح لإيران أن تكون دولة شبه نووية. أوضح “أراد” تلك الظاهرة بحالة الإنهاك التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية. “ينزلق العالم إلى وضع يضطر فيه أن يختار ما بين خيار سيء وخيار أقل سوءً. لأن توجيه ضربة عسكرية لإيران لا يضمن النجاح، والحقيقة هي أن ذلك أيضاً لا يروق لهم. فلن تٌغلق أمريكا لوجود 20 قنبلة نووية لدى إيران. فلن تلقى أمريكا حتفها. ومن جانب آخر، لماذا يتبرعون بعملية – لأنهم لا يحسبون أنفسهم حقاً شرطي العالم، ولا يحسبون أنفسهم أنهم قد تم تنصيبهم لمنع انتشار السلاح النووي”.

يُظهر الرجوع إلى التاريخ، إلى أي مدى اختلف الوضع عن السابق. “أمريكا العجوز والطيبة التي عرفناها هي تلك التي أخذت على عاتقها عبء منع انتشار النووي في العالم. أنظروا إلى عدد الدول التي نجحت فيها، بطرق مختلفة: وفرت سلاح لتايوان وكوريا الجنوبية، وأبرمت اتفاقات دفاع واحتياجات أخرى في مقابل ذلك؛ ونجحت في أن تمنع الأرجنتين والبرازيل من التقدم. وجعلت كل من أمريكا وبريطانيا، من ليبيا في حكم القذافي سيركاً، وفعلياً، وجهوا ضربة عسكرية للعراق”.

ماذا تقصد؟ في 1991 كان هناك مشروعاً نووياً مكتملاً في العراق؟

“لم يكن مكتملاً، لكننا قد رأينا ذلك”.

هذا يعني أنه بعد مضي عشر سنوات على توجيه الضربة العسكرية الإسرائيلية للعراق، عاد العراقيون مجدداً للنووي.

“أقل من ذلك بكثير، لو تتذكرون، كان هناك جدال في إسرائيل حول مسألة هل من الملائم توجيه ضربة عسكرية للمفاعل النووي؟. زعم المراقبون، من بين ما زعموا، أنهم سينتقلون إلى وسائل تخصيب أخرى. ما حدث هو أن المفاعل قد دُمّر ولم يعيد العراقيون بناءه، لكن في منتصف الثمانينيات، استأنفوا الأبحاث النووية. وفي 1988 انتهت الحرب مع إيران وحينئذ بدأوا في تجربة كافة الطرق مجدداً. لقد حاولوا استخدام أجهزة الطرد المركزي، لكن هذه ليست طريقة متقدمة؛ جربوا طريقة الفوهة (طريقة إيرودينامية لإنتاج قوى طرد مركزي) وجربوا طريقة الانتشار الغازية للتخصيب. لكن ما لم يتخيلوه هو أنهم يجربون الطريقة الكهرو-مغناطيسية للفصل. هذه الطريقة الأقدم، وهي التي نفذها الأمريكان في الأربعينيات”.

يذكر “أراد” أن جهاز الموساد الإسرائيلي، كان سبّاقاً في تشخيص ذلك، وحذر من أنه في حالة تقدم العراق، خلال عدة سنوات، سيكون في مقدرته أن يصبح دولة نووية. وكان هناك مسؤولون رفيعو المستوى أرادوا أن يُعدوا الجيش الإسرائيلي لاحتماليات مختلفة. وحينئذ وقع العراقيون في خطأ- وقاموا بغزو الكويت. في أعقاب الغزو الأمريكي، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية منشآت لم يكن معلوم بأمرها، فقاموا بتدميرها.

ذكر “أراد”: “وهذا الإكتشاف، أن العراق كانت في طريقها للحصول على سلاح نووي- هو ما يعطي إيران الأولوية”. لقد عمل عبدكم المخلص بشكل جدي على الأمر وأيضاً حاذ على الأسبقية كونه من وجه انتباه من سيكون في المستقبل رئيس وزراء إسرائيل، “بنيامين نتنياهو”، إلى النووي الإيراني”. في عام 1995، عمل “نتنياهو” مع مصادر دولية على إثبات أن في إيران تجري نشاط نووي سري، لكن طالما لم يكن هناك دليل ملموس، فهم يصطدمون بطريق مسدود. يذكر “أراد” أنه “كان هناك محامون في العالم قالوا لنا “ما خطبكم، هذا فقط للأغراض السلمية”.

الأن لا وجود للعراق طالما يسطير عليها “قاسم سليماني”. ما هي تداعيات ذلك الوضع؟

“في عالم مثالي، كان يتعين الآن على إسرائيل وحلفاءها أن يخوضوا صراعاً معقداً للغاية –  سياسي، استخباراتي، وما إلى ذلك- بهدف منع تحول إيران النووي وكبح عدوانيتها. لكن ما حدث هو أنه كان للإدارة الأمريكية حالات مزاجية أخرى”.

بعد المسار المتعرج الذي انتهجته أمريكا في سوريا، يلاحظ “أراد” أنه قد طرأ تغيراً جذرياً. “هذا يبدو كحالة إنهاك من الشرق الأوسط، واستنزاف من الحرب. لقد تعبت أمريكا من أن تقود مهام صليبية في العالم، لقد عانت من استخدام الخيار العسكري. هناك رغبة في الإنغلاق على الذات وتأجيل المشاكل للمستقبل”.

بحسب أقوالك، فإن الكونجرس سيقوم بتمرير الإتفاق في النهاية، وليس في مصلحته أن يظهر في صورة من قام بمنعه.

“تلك هي الحالة المزاجية في غرب أوروبا، حالة مزاجية غير مسرورة من العمليات العسكرية وصنع نظام عالمي”.

لماذا لم يتحرك “نتنياهو” حينما كانت الفرصة مواتية؟

هل هناك إمكانية أمام إسرائيل أن تتحرك بمفردها، أم أننا نتوقع أن نواجه “ﭬيتو” أمريكي؟

“ينبغي إدراك أن، بشكل عام، موقف الولايات المتحدة الأساسي -وقد قال “أوباما” ذلك أيضاً-، بأنها تعترف بحقنا في أن نفعل ما نراه ضررورياً لأمننا. قال “أوباما”: لا أصادر منكم هذا. لماذا؟ لأنني لا أريد أن أكون مسؤولاً. تتفهم إسرائيل الوضع جيداً، ولن أكبّل أيديكم. لأنني حين أكبّل يديكم فإنني أتحمل مسؤولية تاريخية.

“لكن الأمريكان يمكنهم إبداء رأيهم. على سبيل المثال، تقول إسرائيل بشكل بسيط وحازم: “نحن مضطرون أن نتحرك. سيكون ذلك متأخراً جداً”. لن يقول الأمريكان “لن تجرؤوا”، لم يسبق أن قالوا ذلك في أي وقت مضي في التاريخ. نعم، هم سيقولون الأمور التالية: هل تفكرون جيداً في التداعيات؟ هل أنتم مدركون أنه ستكون هناك تداعيات مثل كذا وكذا؟ هلا انتظرتم وإعطيتمونا فرصة للقيام بذلك بشكل أفضل؟ هل أنتم مدركون أن ذلك من المحتمل أن يضر بمصالحنا؟ هلا يمكنكم أن تراعوا مصالحنا أيضاً؟ يمكنهم أن يعبروا عن عدم رضاهم. في أسوأ الحالات سيقولون: أفعلوا ما يحلو لكم، لكن لا تتوقعوا منا أن نخرجكم من الوحل”.

على ضوء كافة التلميحات التي يمكن أن يوجهها الأمريكان لنا دون أن يستخدموا الڤيتو. هل كنا مضطرين لأن نتحرك؟

“يقول رئيس الوزراء مرة تلو الأخرى، أن الاتفاق بمثابة خطأ تاريخي. يمكن أن يكون الأمر كذلك. لكن لماذا لم تقم بأي تحرك؟ نرى اليوم بالفعل أن إيران يتعاظم نفوذها، ويبحث الروس عن التقارب معها ويريدون أن يبيعوا لها الصواريخ. لماذا لم تستخدم إطار الوقت، حينما كان ذلك متاحاً؟ من جانب أمريكا، غياب عملية أو اتفاق سيء يمكن أن يكون خطأ. بالنسبة لنا يمكن أن يكون هذا إهمالاً. هل دورنا أن نكون أنبياء؟ ليس دور رئيس الوزراء هو أن يشرح العبر المستفادة من المحرقة، لكن أن يقوم بأفعال ويمنع الخطر. كانت 2012 بمثابة السنة الحرجة. لماذا لم تتحرك؟ كان المناخ الدولي جيداً، وكان التهيؤ الدولي جيداً. ولم يدخلوا إلى ما أسماه “إيهود باراك” “مجال الحصانة”. حسناً، إذا كنت قد قرأت الوضع جيداً – لماذا لم تتحرك؟”.