مردخاي كيدار
دار في إسرائيل في السنوات الماضية جدال حول زيادة نسبة الحسم، واليوم يتضح أن مخاوف المعارضين قد تحققت: فتم تنفيذ هذا الإجراء، وإتحدت الأحزاب العربية وفازت بثلاثة عشر مقعداً وأصبحت ثالث أكبر حزب فى الكنيست.
لكن الآن، حينما جاء الوقت الذي يضع فيه الحزب برنامج عمل لنفسه، اتضح أن الأمر ليس سهلاً. فهو يشمل عناصر ذات وجهات نظر مختلفة بل ومتعارضة: فمن جانب، يقف حزب “بلد” “التجمع الوطني الديمقراطي” بأجندة علمانية بل معادية للدين. ففيه مسيحيين أمثال “باسل غطاس” والمؤسس “عزمي بشارة”، والدروز أمثال “سعيد نفاع” والمسلمين أمثال “واصل طه”. هذا الحزب يضع المرأة في مناصب ريادية، مثل “حنين زغبي”. ومن الناحية الأخرى تتضمن القائمة العربية المشتركة الحركة الإسلامية مع ممثلي الشيخ “طالب أبو عرار”، و”مسعود غنايم” و”عبد الحكيم حاج يحيى”، وهذه الحركة تمثل وجهة نظر إسلامية لا تتقبل أتباع الديانات الأخرى، وبالتأكيد لا تضع المرأة في المناصب العليا.
في منتصف شهر إبريل أثيرت قضية أبرزت المشكلة بكامل تفاصيلها: تلقى الحزب دعوة للقاء من الجامعة العربية من أجل بحث علاقات القطاع العربي في إسرائيل مع العالم العربي، وهي قضية ذات أهمية كبيرة للقائمة المشتركة، حيث يرى العرب مواطني إسرائيل أنفسهم – وبصدق كبير – جزء من العالم العربي وثقافته وموروثه وتطلعاته.ومنذ عام 1948 بحث عرب إسرائيل عن جسر للتواصل مع العالم العربي، بعد أن انفصلوا عنه عقب حرب الإستقلال.
إلا أن العالم العربي قد تخلى بمرور السنين عن عرب إسرائيل، كما يراهم الكثيرون على أنهم خونة لأنهم لم يحاربوا الصهاينة ليل نهار. وكانوا هناك في العالم العربي من قرن عرب إسرائيل بألقاب مهينة مثل “عرب الزبدة” و”عرب السمنة”، لأنهم يعيشون في دولة ديمقراطية وفى راحة بال، يستمتعون بحقوق المواطنة ويديرون ظهرهم إلى أخوانهم الفلسطينيين والعرب.
بدأ منذ السبعينات توجه “فلسطنة” عرب إسرائيل، والآن كثير منهم يصفون أنفسهم بأنهم “فلسطينيين مواطني إسرائيل”. ومن هنا نبعت الجدلية المثيرة للإهتمام فيما يتعلق بعلاقاتهم بالعالم العربي؛ فهم من ناحية، جزء من الشعب الفلسطيني، ذو العضو الشرفى في جامعة الدول العربية، ولكن من ناحية أخرى هم مواطنين إسرائيليين، هذه الدولة التي تراها أغلب دول الجامعة العربية دولة معادية، وهم لا يهتمون بالتخلي عن جنسيتهم فيها.
يفضلون التركيز على القضايا الداخلية
عندما تلقى الحزب دعوة الجامعة العربية، أجري “أيمن عودة” رئيس الحزب، لقاء مع الصحيفة العريبة “الشرق الأوسط” الصادرة في لندن. وقال: “أنا وزملائي نفتخر بإنتمائنا العربي ولن نتخلى عنه أبداً، ولكنني أفضل التركيز في تلك الفترة على القضايا الداخلية من أجل مواجهة سياسة الإحتلال والتفرقة العنصرية. وسنجد الطريق قريباً للقاء أخواننا في الجامعة العربية. قررت القائمة العربية المشتركة في إسرائيل عدم تلبية الدعوة بزيارة مقر الجامعة العربية في القاهرة. وأنا لا أخفي عنكم حقيقة وجود جدال وخلاف بين الأحزاب العربية في الوطن حول بعض القضايا المتعلقة بالوضع في سوريا واليمن، ولم ننجح في تشكيل موقف موحد حيال ذلك. لأننا لا نريد أن تتحول زيارة كهذه إلى موضوع في الخلاف، قررنا – بعد جلسة المشاورات التي أجرتها الأحزاب الأربعة التي تُشكل القائمة المشتركة – رفض الزيارة”.
وأستطرد عودة قائلاً: “أريد أن أوضح للجميع أن العمق العربي مهم لنا جداً، ومنذ زمن طويل كنا نبحث عنه ونريده، وخصوصاً في العقود الأولى بعد النكبة الفلسطينية عام 1948. فقد تابعنا بإهتمام وإنتباه كبيرين مجريات الأحداث في عالمنا العربي، وإرتبطنا بتطلعات أمتنا العربية، حيث نرى انفسنا جزء لا يتجزأ منها. فنحن نريد أن نقوي هذه العلاقة من خلال أخذ وضعنا الخاص فى الإعتبار. فنحن سعداء أن نرى أخواننا في العالم العربي يهتمون بنا وبالتواصل معنا”.
قال مصدر آخر في القائمة المشتركة لصحيفة “الشرق الأوسط” أنه “يخاف بعض زعمائنا من النقد الذي سيُوجه إليهم من الشارع العربي في إسرائيل، الذي أتهم فى الماضى أعضاء الكنيست العرب بالتركيز على الشئون الخارجية على حساب الشئون المحلية الحثيثة التي تهم عرب إسرائيل”. فهو يقصد التركيز في موضوعات توافقية تهم العرب في إسرائيل، مثل معارضة هدم المناول التي بُنيت بدون ترخيص بناء. أقامت القيادة العربية تظاهرة في ميدان رابين في تل أبيب بخصوص هذا الموضوع، الذي يدعمه الكثير من اليهود، وخصوصاً المرضى النفسيين في تل أبيب.
لا يريدون شغل أنفسهم بالإضطرابات والإزعاج
أهتمت الجامعة العربية بالقائمة المشتركة في أعقاب الإنتخابات الأخيرة التي فازت فيها القائمة بالمرتبة الثالثة في الكنيست، وبسبب أن هذه القائمة بمكنها أن تقدم موضوعات تهتم بها الجامعة العربية مثل الإنسحاب الإسرائيلي من الضفة والتقدم في المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية. زادت إحتمالية الإنضمام إلى الجامعة العربية في اللقاء الذي أجراه ممثلي القائمة مع “محمود عباس” في رام الله في 18 أبريل، حيث أنه هو من نقل لهم دعوة الجامعة العربية.
أثارت الدعوة نقاشاً داخلياً بين الأحزاب التي تُشكل القائمة المشتركة، وكما ذكر في أصل الدعوة مكان اللقاء في الدوحة عاصمة قطر. وكما هو معروف، أن موقف قطر في العالم العربي غير مستقر، بسبب تورطها في العاصفة التي إجتاحت العالم العربي منذ بداية عام 2010 والتي كانت تحت عنوان “الربيع العربي” وسرعان ما تحولت إلى عاصفة هوجاء قاتلة أسقطت مئات الآلاف من الضحايا في سوريا وليبيا واليمن ومصر والعراق، وأدت بشكل غير مباشر إلى تجهز تنظيم الدولة الإسلامية على أنقاض سوريا والعراق والسفر إلى قطر يمكن تفسيره على أنه دعماً لها ويُغضب المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي تقود حملة الردع ضد قطر، وخصوصاً القناة الإرهابية التي تبثها “الجزيرة”. وجدير بالذكر أنه أيضاً في وسط عرب إسرائيل الكثير ممن يوجهون سهام النقد لقطر على مشاركتها فى زعزعة الوضع الداخلي في سوريا، والذى نتيجة لهذا تضرر الكثير من أقاربهم، اللاجئين الفلسطينيين الذين عاشوا في سوريا خاصة في مخيم “اليرموك” جنوب دمشق، والذي أصبح عبارة عن أطلال.
وكانت هناك إحتمالية أخرى للسفر إلى مقر الجامعة العربية في القاهرة، ولكن هذه الإحتمالية ليست مريحة خصوصاً لرجال الحركة الإسلامية بسبب الحملة الحكومية في مصر ضد حركة “الأخوان المسلمين”، الحركة الأم فكرياً للحركة الإسلامية في إسرائيل. ويمكن تفسير السفر إلي مصر في ظل حكم “عبد الفتاح السيسي” من جانب رجال “الأخوان المسلمين” في مصر على أنه دعم للنظام الحاكم من جانب الحركة الإسلامية في إسرائيل، ولذلك أعترض أعضاؤها على السفر إلى مصر.
سبب آخر يمنع سفر أعضاء القائمة المشتركة، هو الحرب في اليمن بين الحكومة ومليشيا الحوثيين الشيعية والتي تدعمها إيران بالسلاح والذخيرة والمال وتدعمها سياسياً. فالزيارة في الوقت الحالي إلى مصر أو قطر ستلزم رجال القائمة المشتركة بالتعبير عن دعمهم للتحالف العربي السني ضد القوة الشيعية الموالية لإيران. وتكمن مشكلة القائمة المشتركة في أن الإعراب عن معارضة مجهودات إيران في السيطرة على اليمن يمكن تفسيره كدعم – حتى لو كان غير مباشر – من القائمة للجهود التي يبذلها “بنيامين نتنياهو” لكبح إيران وتطلعاتها للوصول إلى السيطرة الإقليمية بواسطة السلاح النووي. وآخر شئ يمكن أن تفكر فيه القائمة المشتركة هو الإتفاق مع نتنياهو في الإتجاه الذي يسلكه.
يدرك رجال القائمة المشتركة الحدود التي في إطارها يحاولون العمل، ويعرفون أن إتخاذ موقف في قضايا خلافية يمكن أن يزعزع إستقرار الحزب وقدرته على البقاء طويلاً. وقال أحد أعضائه: “نحن نحاول ربط برنامج العمل الإستراتيجي بنشاطنا البرلماني، وندرك مدى الأمال التي يعلقها الشعب علينا. وأحياناً نشعر أن تلك الأمال أكبر بكثير من قدراتنا وقوتنا، وهناك من يحدثنا كما لو أن قائمتنا فازت برئاسة الحكومة في إسرائيل. ويتوقع الناس نجاحنا في تنفيذ أمور أكبر من قدرتنا في الواقع السياسي في إسرائيل ولابد لإخواننا في إسرائيل وخارجها أن يُلائموا توقعاتهم حيالنا مع الواقع”.
المقاعد البرلمانية ليست كل شئ
جدير بالذكر أن اللقاء مع “بنيامين نتنياهو” لم يحدث، على الرغم من أنه دعا رجال القائمة المشتركة مرتين للقائه. وفي هذا الموضوع أيضاً خلافات داخلية بين رجال القائمة عن طبيعة العلاقات مع حكومة اليمين التي تتشكل في تلك الأيام. ومن المهم الإشارة إلى أن القائمة المشتركة لا ترى نفسها جزء من كتلة اليسار، وخصوصاً بعد أن إتحد حزب العمل مع حركة “تسيفي ليفني” التي تحولت إلى “المعسكر الصهيوني”. فكيف يمكن للقائمة العربية أن تتعاون مع الكتلة التي تسمي نفسها “صهيونية”؟ وحزب ميريتس أيضاً صهيوني ولذلك القائمة المشتركة لم توقع مع ميرتس على إتفاق فائض الأصوات. وأعلن أحد رؤساء حزب من أحزاب القائمة المشتركة قبل الإنتخابات قائلاً “نحن لا نخضع لسيطرة أي طرف، ولا اليسار أيضاً”.
وينتج من كل ما قيل صورة مشوشة، حيث يتضح أن تشكيل القائمة العربية المشتركة والسباق المشترك نحو الإنتخابات – مهمة صعبة لأحزاب ذات أجندات سياسية وثقافية مختلفة – فهي لازالت مهمة أسهل من صياغة إستراتيجية للعمل البرلماني المشترك داخل الدولة وأمام الهيئات الخارجية. وتلزمهم الرغبة في البقاء كحزب واحد بضبط أنفسهم، وأن يأخذوا في الإعتبار بعضهم البعض والحد من نشاطهم والقدرة على إحتواء زملائهم، وهكذا عمل الحزب محدود بالقاسم المشترك القليل لتقديم شئون القطاع العربي في إسرائيل.
وتعلو في الخلفية إحتمالية تفكك القائمة المشتركة إلى الأحزاب التي تشكلها، ولكن يدركون جميعهم أن الناخب العربي سيعاقب في يوم الإنتخابات القادمة من يتسبب في تفكيكها. ونتج عن هذا الوضع أن أصبحت القائمة المشتركة عاجزة تماماً، وأصبحت قدرتها على زيادة حجمها البرلماني محدودة للغاية”.