آري شابيط
دلالة انتخابات 2015 واضحة: لن تشهد إسرائيل تغييراً قبل أن تنزل عليها صدمة حقيقة قاصمة. فالأمل في تغيير الاتجاه قبل الاصطدام يتراجع. والفرصة في خلق بديل قبل الفوضى تتضاءل. لا يعرف أحد حتى الآن كيف ستكون الضربة بالتحديد: انهيار سياسي، أم انتفاضة شعبية، أم مواجهة أليمة. ولا أحد يعلم بالضبط متى ستكون الضربة: ربما بعد عامين او ثلاثة، ربما بعد شهرين او ثلاثة. لكن من الواضح تماماً، انه في تاريخ 17 من شهر مارس، ضاعت الفرصة الأخيرة لنهوض غير مؤلم وغير دامي وغير خطير.
وبدون دراية منا، اختار الإسرائيليون في الانتخابات الاخيرة أن ينزلوا على أنفسهم أزمة قومية عميقة الأثر، قد تتبعها استفاقة.
ومع ذلك، مخطئون هم أولئك الذين يظنون أنه لا خلاص من هذه الأزمة الحتمية. من بديهيات المنطق: الحقيقة تقول أنه لا استفاقة قبل عذاب وبؤس، الآلام والبؤس الذي يولد الإستفاقة. وفي حالة عدم وجود بديل فكري، فإن الاصطدام في حائط الواقع الخارجي من شأنه تعميق الإنحلال الداخلي.
أن تدير ظهرك لأمريكا، لن يسبب سوى زيادة الإحساس باليأس داخل إسرائيل. وأن تعادي أوروبا سيعمق إحساس العزلة اليهودية. والعنف تجاه العرب سيؤجج الحقد المسيحاني. إذا لم يستطع المثقفون في إسرائيل ان يقدموا للشعب الإسرائيلي عرضاً سياسياً متجانساً من حيث الهوية واجتماعياً واقتصادياً شاملا، فحتما ستصطدم السفينة بأقرب الكتل الثلجية العائمة في البحر، وستستمر في الإبحار سريعا نحو جبل الجليد العظيم.
هذا يفسر لماذا كانت الأسابيع التي قدمت بعد إجراء الانتخابات أكثر كآبة، لا تقل عن يوم الانتخابات نفسه. حتى الآن لا محاسبة عميقة للنفس. حتى الآن ليس هناك أية بداية واحدة لتفكير جديد. الجو ملوث باستمرار. جرائم، جرائم، ومزيد من الجرائم. صغائر، صغائر، صغائر لا تنتهي. مرارة وعبوس، عبوس ومرارة. ومن أجل رفع الروح المعنوية مجدداً، عادت الظاهرة الجديدة-القديمة، العنصرية بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين. أنتم ونحن، نحن وأنتم. يقتل الأخ أخيه. حلقة لا تنتهي من تعميق الجروح والجَلد بالسياط ونشر الكراهية وزرع اليأس وإفساد كل ما هو جميل.
توقفوا، يكفي ذلك، لا يمكن الاستمرار على هذا الحال. لا يمكن أن نثق في سلام يتبعه عنفاً لفظياً كثيف بهذا الشكل. ليس هناك أية فرصة لمقاومة الاحتلال الذي ينكر كل ما هو جيد وكل ما هو جميل هنا. ليس هناك أي جانب أخلاقي في الحديث عن حب الإنسان وعن حقوقه، التي تسير في خط موازٍ مع بغضٍ قبيح لأشخاص آخرون كثيرون. ليس فقط اليمين من عليه أن يستيقظ (من هذيان المسيحانية وبغض الآخر)، كذلك اليسار عليه ان يستيقظ (من هذيان المسيحانية وبغض الآخر).
ليس هناك تشابه بين الطرفين، لا يوجد تشابه على الإطلاق. لكن الوسط- اليسار يجد نفسه مضطراً إلى استغلال الهزة العنيفة التي اعترته كي يتأمل في المرآة، ليرى بوضوح عيوبه، وأن يتعلم بشكل عميق من أخطائه، وأن يعيد بناء نفسه، من الناحية الفكرية والأخلاقية والسياسية.
لا يمكن معرفة الوقت الذي تبقى لنا، أو متى سينزل الواقع ضربته. لكن بما أن مشوار استعادة الأمل هو مشوار طويل، فهو مضطر أن يبدأ من الآن. لا يمكن أن ننتظر مجدداً حتى المائة يوم قبل الانتخابات القادمة، حتى نعثر على وصيف مناهض لـــ”نتنياهو”، سطحي وأجوف. لا يمكن أن نجلس مكتوفي الأيدي مجدداً وأن ننخرط تحت تأثير الأفيون القاتل من بغض ويأس. لن تأتي الاستفاقة، إذا ما لم يتحرك المثقفون وينتبهوا أخيرا ويصارحوا بما في قلوبهم. في حال قمنا بإصلاح وتقويم أنفسنا من الآن، سنستطيع فقط في المستقبل المنظور أن نقوم بالمهمة الحيوية لبناء وإصلاح إسرائيل.