بقلم: أوري كَشْتي
بلغ نصيب العمال من الدخل القومي لعام 2014 57%، بينما وصل نصيب أرباب العمل بنحو 17%. كما لم تتغير هذه البيانات كثيرا عن العام أو العامين الأخيرين، ولكن من خلال نظرة شاملة لعشرة أعوام كاملة، يتضح أن هناك تغييرات واضحة وهى هبوط بنسبة ما يقارب الـ4% من نصيب أصحاب الفئة الأولى، وارتفاع يبلغ حوالي 2.5% لأصحاب الفئة الثانية. هكذا يتضح من التقرير الذي نُشر (يوم الخميس) من مركز “أدڤا”.
وبحسب التقرير، تُقدّر هذه النسبة 4% بمبلغ يصل إلى حوالي 37 مليار شيكل. وإذا كان هذا المبلغ موّزع بين كافة العمال، لقُدِّر لكل عامل أو عاملة منهم أن يحصلوا في المتوسط على علاوة سنوية تصل إلى نحو 9.800 شيكل (أي حوالي 816 شيكل في الشهر). إن التغيرات التي طرأت على مدار سنوات، في إسرائيل وفي الدول الأخرى في العالم، تشير بشكل مركز على أنه ليس هناك شيء طبيعياً أو تاريخياً أو مقدساً في توزيع الدخول. فقبل كل شيء نحن بصدد، أعمال من صنع الإنسان.
عرّفت دائرة الإحضاء المركزية، الدخل القومي بأنه مجموع دخول الإسرائيليين كافة، عمال كانوا أو أرباب عمل، عملوا داخل إسرائيل أو خارجها. ويتألف كما ذكرنا مسبقاً، من نصيب العمال وأرباب العمل، وكذلك من الضرائب بأنواعها المختلفة. وتأكيداً لهذه التقديرات، نجد أن العقد الأخير كان أفضل بالنسبة لأرباب العمل، وسيئاً بالنسبة للعمال، ويمكننا أن نجد بالنسب المختلفة التي تتصل بحجم دخولهم (من مجموع الدخول) أن ما بين أعوام 2004 إلى 2014، 42% نصيب العمال، مقابل 78% لأرباب العمل. إن التقرير الجديد لمركز “أدڤا”، المنشور بمناسبة غرة مايو، قائم على بيانات المكتب المركزي للإحصاء.
وعلى خلفية الشرائح غير المتساوية في كعكة الدخل القومي، يقترح المشاركون في التقرير، “شلومو سبيريسكي”، “إيتاي كونور إتياس”، و”نوجا داجان بوزجولو”، “تسيبي لازار شوئيف”، بعدم الإكتفاء بما هو مقدم فقط للأجر المتوسط في السوق وفي مختلف القطاعات. وحسب ما ذكروا، أن هذه البيانات عموماً تخفي حقيقتين: الأولى هي أن التوزيع الداخلي في كل قطاع غير متكافئ تماماً؛ أما الحقيقة الثانية هي أن تقريبا في كافة القطاعات هناك جزء كبير من العمال يحصلون على أجر زهيد. “حتى في القطاعات التي تتميز بالأجور المتوسطة المرتفعة، فقط من يحصل على هذا الأجر المرتفع هو قلة قليلة. إلا أن أجر هذه الفئة القليلة أحيانا يصبح مرتفعاً للغاية، طالما يرفع الأجر المتوسط داخل القطاع، فستحصل الأغلبية على أجر زهيد” كما ذُكِر في التقرير.
من خلال بعض البيانات التي تَمِدها مؤسسة التأمين الوطني، يتضح أن الوضع معقد للغاية. فعلى سبيل المثال، حوالي 40% من مجموع العمال في الإقتصاد المحلى حصلوا في عام 2012 على أجر شهري يعد نصف الأجر المتوسط للعامل، أي يبلغ 4.757 شيكل؛ وفي قطاعات مثل “خدمات الفنادق والمطاعم” أو قطاع “خدمات الإدارة والدعم”، والذين يوظفون العمالة بالعقود في مجال الحراسة، والصيانة ورعاية الحدائق، تصل نسبة المأجورين حتى نصف الأجر المتوسط إلى ما يقارب الثلثين، وفي قطاع الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والرعاية الإجتماعية، تصل الأجور إلى النصف تقريباً. وحوالي 28% يحصلون أكثر من الأجر المتوسط للعامل الواحد، أي 9.514 شيكل، بالأخص في قطاع إمدادات الكهرباء والغاز.
كما يركز التقرير على بيانات الأجور الخاصة بفئتين من العمال: الأولى عمال الواحد في المائة فقط، والذين يحصلون على مرتبات خيالية، والثانية الذين يحصلون على أجور زهيدة، والتي حددتها (منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية) بحوالي ثلثي متوسط الدخول للعمال في الاقتصاد المحلى ككل. هذه البيانات كانت لعام 2013. وتم تحديد الأجر الزهيد بحوالي 4.400 شيكل في الشهر، مقارنة بالحد الأقصى الذي يبلغ 42.150 شيكل تقريباً، والذي يسمح لك بالدخول في نادي النخبة المئوية. بغض النظر عن أن كِلا الفئتين يتضمنا عمالاً بالمعنى الرسمي، لكن في الحقيقة ليس بينهما أي تقارب، أو تشابه، أو أخوة. بل على العكس.
هكذا يتضح أن حجم الحاصلين على أجر زهيد وهؤلاء المتمتعين بأجور مرتفعة للغاية، في كعكة الدخول التي تشمل كل العمال، تشبه إلى حد كبير: 7.2% و 6.9%، على الترتيب. وبالطبع يبقى الفرق في حجم الفئة: 27.5% من مجموع العمال بالمقارنة مع 1% فقط. العمال في النخبة المئوية هم في الأغلب رجال يهود، وإشكناز أصحاب مستويات تعليمية راقية. أما الحاصلون على أجر زهيد، يبرز بينهم النساء، والعرب، وأصحاب المستويات التعليمية المتدنية، ويهود الاتحاد السوفيتي سابقا. والذين قد هاجر أغلبهم إلى إسرائيل منذ حوالي 20 عاماً. وبالمناسبة في عام 2013 إزداد وضع العمال الذين يحتلون أسفل القائمة سوءاً عنه في عام 2012.
مسألة إنفصال أعضاء النخبة المئوية، سواء بواسطة الثروة أو الرواتب الخيالية، كان هو موضوع المناقشات المجتمعية في السنوات الأخيرة. وظهرت خصوصاً في الولايات المتحدة، لكن لربما تظهر تعبيرات مماثلة في دول أخرى. مع كل الحذر المطلوب لدى المقارنة الدولية للبيانات التي دائماً لا تقدر بالطريقة نفسها، يبدو ان إسرائيل هي من بين الدول الرائدة غير المتساوية. فضلاً على ذلك، بحسب البيانات التي صدرت من إدارة دخول الدولة التابعة لوزارة المالية، تحصل النخبة المئوية على 12.7% من مجموع الدخول في إسرائيل وذلك لعام 2011، زيادة تبلغ 40% تقريبا منذ عام 1990. نتيجة أخرى يمكن استخلاصها وهي: أن هناك دول لا تتركز فيها الثروة في يد مجموعة صغيرة جداً، مثل الدول الإسكندنافية، حيث تحتل النخبة المئوية فيها حوالي 7.5% من مجموع الدخول، أو فرنسا التي تسيطر على 8% تقريباً. وبعبارة أخرى، هذا ليس القدر المحتوم.
ينبع نصيب النخبة المئوية المتزايد من كعكة الدخول، من بين ما ينبع، من أجور المديرين الكبار في الاقتصاد المحلى. وبحساب مفصل قامت به الإقتصادية ومدققة الحسابات “صفاء صباح اغبارية” والذي نُشر في تقرير لمركز “أدڤا”، يتضح أن مكافأة المسؤولين في الشركات المائة أصحاب القيمة السوقية المرتفعة في البورصة بتل أبيب هبطت سريعاً في عام 2014 نسبياً عن العام الذي قبله، لكننا لسنا متأكدين إذا كان ذلك خبراً محزناً: لأن المديرين في هذه الشركات المائة حصلوا في المتوسط على 417 ألف شيكل في الشهر – مبلغ ضخم بـ 44 ضعفاً من الأجر المتوسط في السوق وبـ 97 ضعف من الحد الأدنى للأجور.
وبحسب ما ذكره الدكتور “سبيرسكي”، المدير الأكاديمي لمركز “أدڤا”، فإن أحد الأسباب في انخفاض نصيب العمال من كعكة الدخل القومي هو “ضعف قوة التفاوض لديهم أمام أصحاب العمل وأمام الحكومة، التي هي في الأصل الرب الأكبر لهذا العمل”. ويضيف، أن هذا الهدف ينبع بالأخص من تراجع قوة النقابات المهنية: نسبة العمال المسجلين في نقابات من مجموع العمال في السوق، انخفض من 43% في عام 2000 إلى 34% في 2006، ووصل إلى 26% في 2012. بيانات الاستطلاع المجتمعي الذي نشره الجهاز المركزي للإحصاء، يُظهر أن العمال المسجلين في نقابات هم عموماً أصحاب المستويات التعليمية الراقية، الذين يعملون بعدد ساعات كاملة ويحصلون نسبياً على أجر مرتفع.
على الرغم من التضاؤل الملحوظ في حجم العمل المنظم، نلاحظ أنه منذ عام 2008، وبالأخص في العامين الأخيرين، انضم حوالي 150 ألف عامل إلى النقابات المهنية. الأمر الذي ساهم في نشوب منافسة بين منظمة القوى العاملة، وبين النقابة العامة، ونقابة العمال الوطنية، ونتائج ذلك يمكن رؤيتها في مجالات متنوعة مثل الإعلام، الصحافة، التأمين، والنقل؛ والشباب العامل في سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، وعمال العقود في الجمعيات التي توفر خدمات عامة، والمحاضرين في الكليات وآخرون. هذه المؤشرات الأولية والهشة حيال التغيير في ميزان القوى في الاقتصاد المحلى، واجهت ردود أفعال مضادة من جانب أصحاب العمل، جزء منهم تم صده على يد محاكم شؤون العمل. وكلما نجحت النقابات في ضرب جذورها في الأرض، توقعنا تهديدات بتصعيد الأمر. وفي مقاومة محتملة بين كلا الجانبين، لا يصعب علينا تخمين من سيختار رئيس الوزراء، “بنيامين نتنياهو”.