بقلم: بن كاسبيت

تشكلت حكومة “نتنياهو” الرابعة (في السادس من مايو) قبل ساعة ونصف من انتهاء الموعد القانوني الذي كان يمكن لـ”نتنياهو” أن يعلن فيه لرئيس الدولة “رؤوبين ريڤلين” أنه لديه ائتلاف نهائي. في اليوم التالي للإنتخابات التي جرت في (السابع عشر من مارس)، التي فاز فيها “نتنياهو” فوزاً شخصياً ساحقاً، كان يبدو للجميع، وخصوصاً له، أن المفاوضات الائتلافيه ستكون قاطعة، وسريعة وقصيرة. “الغرض هو تشكيل حكومة خلال أسبوعين – ثلاثة”، هذا ما قاله رجال حول رئيس الحكومة. إلا أن الواقع كان مغايراً تماماً.

متأثر إلى حد الثمالة من فوزه الانتخابي، وقع “نتنياهو” في غطرسة قياسية، واقترف كافة الأخطاء الممكنة وفي نهاية الأمر ضُبط غير مستعد من قِبَل شريكه السابق وغريمه الحالي “أڤيجدور ليبرمان”، الذي نفّذ عملية تفجيرية قبل انتهاء المهلة، وأعلن عن انسحابه. تبخرت حكومة الشركاء الطبيعيين المؤلفة من 67 عضو كنيست وحلت محلها، بمعاناة وتنازلات قاسية، حكومة ضيقة للغاية، مع أغلبية أقصاها 61 عضو كنيست، بأجندة يمينية – قومية – دينية، حكومة ستكون بمثابة جهنم في السياسة الخارجية وكابوس في السياسة الداخلية ومغامرة اقتصادية. إن الانتصار العظيم لـ”نتنياهو” في الانتخابات تحول إلى هزيمة.

بداخل حزبه، الليكود، ينتقدونه بشدة. فقد قال لي مسئول كبير في الليكود هذا الأسبوع:  “لحسن الحظ أن “بيبي” لا يدير المفاوضات بين الدول العظمى وإيران، وإلا لكان الإيرانيون يمتلكون الآن عدد لا بأس به من القنابل النووية، بحسب شروط المفاوضات خاصته”.

في الليكود يسألون إلى أين ذهبت مقولة “نتنياهو” الشهيرة “عدم وجود اتفاق، أفضل من وجود اتفاق سيء”، (no deal is better than a bad deal)؟، مقولة كثيراً ما رددها فيما يتعلق بالمفاوضات بين الدول العظمى وإيران، لكنها تبخرت تماماً عندما دخل “نتنياهو” في المفاوضات الائتلافية. هناك مسئول آخر قال مازحاً إن “الولايات المتحدة تفكر في التهديد إسرائيل بأنها ستضع “نتنياهو” على رأس المفاوضات مع إيران”. وبعد المزاح، بقى مسئولي الليكود وحدهم مع شظايا الواقع: “نتنياهو” تقريباً تخلى عن كافة الغنائم والحقائب الكبرى، ولم يتبقى شئ ذو قيمة لمسئولي الليكود (باستثناء وزارة الدفاع)، واضطر إلى التخلى في اللحظة الأخيرة عن الغنيمة الكبرى من وجهة نظره، حقيبة العدل، وغيرها من أجل غرمائه من “البيت اليهودي”.

إن التقديرات هي أن “نتنياهو” سيبذل كل ما أوتي من قوة لديه في الأشهر المقبلة من أجل إقناع “المعسكر الصهيوني” للانضمام إلى الحكومة. تؤكد مصادر من داخل الليكود أن الغرض سيكون تمرير ميزانية الدولة لحين نهاية العام، وبعد ذلك “تغيير الحكومة”. من أجل إغراء “يتسحاق هرتسوج” ورفاقه للدخول إلى الحكومة، سيضطر “نتنياهو” إلى التنازل عن شعارات كثيرة. سيضطر “نتنياهو” إلى إعطاءه ملف الخارجية، وعلى ما يبدو حزمة حقائب كبرى أخرى؛ كما سيضطر إلى أن يلتزم باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين؛ وسيضطر أن يعطي، بغضب، فترة حكم لرئاسة الحكومة بالتناوب تستغرق سنة على الأقل إلى “هرتسوج” والدخول في الحكومة بشكل شبه متساو، حكومة سيكون للمعسكر الصهيوني فيها تمثيل شبه متكافئ لنظيرتها برئاسة الليكود. التقديرات في الليكود هي أنه حتى نهاية العام الحالي، ستنتاب “نتنياهو” حالة مزاجية ميئوس منها لدرجة أن هذه التنازلات برمتها ستأتيه سهلة بشكل نسبي. وبالتزامن مع ذلك،  يجب ألا ننسى أننا نتحدث عن الشرق الأوسط، فيه كل شئ محتمل، باستثناء التنبؤات.

في تلك الأثناء، بدءاً من هذه اللحظة، سيضطر “نتنياهو” أن يتدبر أموره مع حكومة ضيقة للغاية، يمينية للغاية، قومية للغاية، تضطر إلى مواجه بداية الحصار الدولي، والعلاقات المتردية مع الولايات المتحدة، والوضع الأمني المتأجج والشئون الإقتصادية الملحة. ولا أحد من رؤساء الكتل في الائتلاف الجديد الخاص بـــ “نتنياهو”، يحبه حقاً أو يستلطفه.

لقد تلقى “نفتالي بينيت” منه موجة إذلالات مكثفة في العامين الأخيرين. لم تطأ قدم “بينيت” حتى الآن، ولو لمرة واحدة، مقر رئيس الحكومة في القدس، بعد ڤيتو سيدة “نتنياهو”. مثله أيضاً “أيليت شاكيد”، التي ستُعيَّن قريباً في منصب وزيرة العدل الإسرائيلية. انفصل “موشيه كحلون” عن الليكود بسبب “نتنياهو”. طالما كان يفضّل “أرييه درعي” أي شخص آخر غير “نتنياهو”. ولم نتحدث بعد عن مسئولين كبار في الليكود، يتطلعون، كل واحد لأسباب خاصة به، إلى التخلص من “نتنياهو”، بأسرع وقت ممكن.

ولكن مع كل الاحترام لكل هؤلاء، فأحدث الأخبار السيئة من جانب “نتنياهو” هو “أڤيجادور ليبرمان”، الرجل الذي صاحب “نتنياهو” من اللحظة الأولى في نهاية الثمانينات، والذي تحول إسقاط “نتنياهو” إلى مهمة حياته. سيتآمر “ليبرمان” ضد حكومة “نتنياهو” بكامل قواه، و”ليبرمان” لديه قوى. كما سيسعى إلى تشكيل كتلة سياسية كبرى من شأنها أن تُسقط “نتنياهو” في الانتخابات القادمة إلى أقل من 20 مقعد وربما أن تسيطر على الحكم. يمكن أن ينضم إلى هذه الكتلة أشخاص مثل “موشيه كحلون”، و”نفتالي بينيت”، وحتى “جدعون ساعَر”، الذي استقال من الحكومة والكنيست في العام الماضي وينتظر فرصة مناسبة للعودة. سيكون “ليبرمان” مستعداً للتنازل، لأول مرة، عن المركز الأولى في قائمة محتملة مماثلة، من أجل الهدف الحقيقي: إنهاء حكم “نتنياهو” الذي لا نهاية له  في دولة إسرائيل.

“نتنياهو” على دراية تامة بأن هناك أيام عصيبة في انتظاره. إن صمود الحكم أصبح الآن مهمة يومية. نحن بصدد ائتلاف بأغلبية عضو كنيست واحد فقط. لأننا أمام ائتلاف به نزاع ومنقسم على نفسه، فرصته في قيادة إصلاحات (مثلما يخطط “موشيه كحلون) أو اتخاذ إجراءات ملحوظة ضئيلة تماماً. يعلم “نتنياهو” أن هناك جرف سياسي ينتظره على الجبهة، في حين يزرع الوضع الأمني ألغاماً في الساحة برمتها، ويجعلها ساحة خطر فيها إجراء المناورات العسكرية. فترات حسّاسة كهذه، عادة ما تتجه إلى المصيبة.

في هذه المرحلة الحالية، يرفض قادة المعسكر الصهيوني تماماً الدخول في الحكومة لإنقاذ “نتنياهو” من نفسه. كما تبدو الأشياء، هناك من يخشى من التفاقم الأمني الذي يساعد “نتنياهو” في انتهاز الإحساس بالطوارئ من أجل ضمّ “هرتسوج”  إلى الحكومة والوصول إلى بر الأمان.

في الواقع، نتحدث عن تناقض شرق أوسطي نموذجي: تفاقم أمني من شأنه أن يقود إلى بر الأمان. أمور مماثلة قد تقال فقط في الشرق الأوسط الملتهب. كلا، ليس القصد هنا خروج “نتنياهو” إلى الحرب من أجل توسيع الحكومة. “نتنياهو” رئيس حكومة متردد، ينفر من المغامرات العسكرية ويكتفي بالقليل على المستوى الأمني. هذه أكثر من مسألة فارق وقرارات واهنة. على رئيس الحكومة الإسرائيلي أن يتخذ الكثير من القرارات، على أساس يومي، تؤثر على الأمن. يكفي أن يخرج شئ بحذر (الذي يرجع أصله ببساطة إلى الخوف) “نتنياهو” الطبيعي، وسيسمح لنفسه ببعض من المغامرة في الإدارة اليومية للصراعات الأمنية التي تخوضها إسرائيل على مختلف القطاعات (هذا الأسبوع نُشر في الإعلام الأجنبي أن السلاح الجوي الإسرائيلي استهدف مستودعات الأسلحة في السودان مجدداً)، حتى ترتفع احتمالات التفاقم الأمني.