بقلم ديفيد.م. فينبرج

على الرغم من الإعتقاد السائد في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بترسيخ الفوضى من حولنا مما يتطلب إعداد المنظومات العسكرية بشكل كبير، فإن الجيوش الخدمية “والتي تحركها إيران عن بعد” ستوجه فوهات بنادقها في النهاية صوب إسرائيل وسيكون هذا من جهات عدة. لذا يجب إعداد الجيش الإسرائيلي لهذه التحديات الأمنية مما يتطلب زيادة حقيقية في ميزانية الدفاع.

إن الجيش الإسرائيلي في حاجة ملحة للتمويل وبشكل فورى، حيث يجب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية المنتظر موشيه كحلون أن يقوموا بزيادة ميزانية الدفاع بشكل ضخم بصرف النظر عن أي أولويات أخرى.

إن المزاعم المعارضة لزيادة الميزانية نعلمها جيداً مثل : إن الدول العربية تنهار وغارقة في مستنقع العنف وقد تضائل الخطر الذي تمثله بالنسبة لدولة إسرائيل، لذا فإن هذه الدول لا تعنينا الآن بشكل فورى ولكن التكتيك لا يعرف المدى القصير، إذ أن أي فكر استراتيجي لابد أن يتعدى الآفاق، فأي استعراض سريع للموقف من حولنا سيشير إلي توقعات العقد القادم حيث سنجد أنفسنا نخوض عدة معارك، وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلي درء جيوش الجهاد المدعومة من إيران والميلشيات الجهادية الأخرى وكلها تجلس متأهبة على حدودنا ومن غير المستبعد أن يتم استخدام منشآت معينة في بلاد تتحدث الفارسية ولاندرى أي اضطرابات تأتي من الشرق سنضطر لمواجهتها .

وإذا وضعنا في الإعتبار تراجع الولايات المتحدة عن كل التزاماتها في الخارج والانطواء التدريجي لمظلة الحماية الدبلوماسية الأمريكية التي كانت تظلل على إسرائيل على الساحة الدولية فستجد إسرائيل نفسها تحارب وحدها.

أهمية المناورة البرية

إذا قمنا بدراسة الوضع في لبنان سنجد أنه من الضروري اقتلاع حزب الله وتدمير مخازن صواريخه التي سيستخدمها في المعركة المقبلة، وستجد إسرائيل نفسها مضطرة لاحتلال جنوب لبنان بواسطة هجوم بري. وعلى الرغم من قيام سلاح الجو بعمليات القصف المكثف من السماء ليتم هدم البنى التحتية اللبنانية في خضم قصف الأهداف ستجد إسرائيل نفسها في معركة تدوم لثمانية أسابيع من القتال المتواصل.

ولذلك فمن الضروري إعداد الجيش الإسرائيلي من أجل هذه المهمة ولابد من إلغاء الخطة السابقة الخاطئة متعددة السنوات التي وضعها الجنرال “احتياط” المنتهية ولايته بيني جانتس. حيث يجرى الحديث هنا عن خطة يطلق عليها “الجرأة” والتي تم تدشينها في عام 2013، والتي يعد بند تقليص تمويل الجيش الإسرائيلي اتجاها رئيسياً فيها كما أنها تولى أهمية كبيرة لتوجيه موارد القوات البرية لصالح القوات الجوية والحرب الإلكترونية والإنترنت والمخابرات والوحدات الخاصة ووحدات النيران الدقيقة المضادة.

ووفقاً لما أورده عامير رابابورت الباحث المشارك في معهد بيجن السادات والمحرر في مجلة إسرائيل ديفنس، فإن بيني جانتس قد ساهم في إتمام عملية الإضعاف النسبي لقدرة المناورة للقوات البرية على الرغم من معرفته بذلك.

ووفقاً لرؤيته فهو لا يعتقد أن الجيش الإسرائيلي سيضطر لخوض حرب تقليدية في المستقبل القريب وأيضاً لن يضطر إلي الدخول في معارك برية متوغلة في أرض العدو. وكان الدكتور “عقيد احتياط” إيتان شامير قد حذر في ديسمبر 2013 ودكتور “عيدو هيخت” بأن هذا توجه خاطئ وأن إهمال القوات البرية في الجيش الإسرائيلي يمثل خطراً على أمن إسرائيل حيث من المتوقع أن تندلع معارك مستقبلية حقيقية مع قوات عسكرية مستعدة جيداً تابعة لحماس أو حزب الله. وقد تم ذلك بالفعل في حملة الجرف الصامد التي جاءت بعد بضعة أشهر من كتابة تحذيرهم والذي ثبت صدقها.

المزيد والمزيد من حاملات الجند المدرعة من طراز النمر والمزيد من دبابات الميركافاه

لذا فعلى كل من اللواء جادي أيزنكوت رئيس الأركان الجديد، جنباً إلي جنب مع وزيري الدفاع والمالية – يعلون وكحلون- أن يعملا على تصحيح هذا الوضع، وتوجد عدة طرق لفعل ذلك.

التدريبات : تتطلب التدريبات زيادة كبيرة في الميزانية وذلك لتأهيل قوات الصف الأول. وهذا ليس سراً خفياً يدركه أغلب سلاح المشاة الذي دخل إلي غزة الصيف الماضي حيث لم يتلقوا تدريباً كافياً للقتال في المناطق المبنية، الأمر الذي أدى إلي نتائج كارثية، ولكن التدريبات ذات تكلفة مرتفعة جداً وخاصة فيما يتعلق بالقوات المختلطة في معارك ذات كثافة عالية حيث يجب على القوات التي تصل من أفرع الجيش المختلفة وأن تعمل وفقاً لتنسيق خاص، كما أن تدريب قوات الاحتياط يتكلف أكثر من ذلك أيضاً.

ولبالغ الأسف فإن ما تعلمناه في السنوات الأخيرة أنه عندما يكون هناك تقليص في بنود الميزانية فإن أول بند يخضع لهذا التقليص في الميزانية العسكرية هو بند التدريب.

منظومات الأسلحة: يجب على الجيش الإسرائيلي أن يتخلى عن اتجاه التفكيك الذي يعتمده في سلاح المدرعات والوحدات الميكانيكية وأن يقوم بشراء العديد من ناقلات الجند المدرعة من طراز النمر المزودة بنظام التدريع الجديد المتطور من طراز “القبضة الحديدية” وذلك استعدادا للواقع الجديد، وكذلك شراء دبابات مركافا مزودة بمنظومة “معطف الريح”  وكل هذا سيتكلف مئات الملايين من الشواكل ولكنه لضرورة قصوى، إننا لا نستطيع أن نكرر مجدداً القصة التراجيدية التي حدثت في حي الشجاعية، عندما تم إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على ناقلة جند قديمة من طراز “زلدا” حيث قُتل في هذه الواقعة سبعة جنود من لواء جولاني.

الذخائر: لقد إستهلك الجيش الإسرائيلي الكثير من ذخائره الموجودة في المخازن خلال الخمسين يوماً أثناء عملية الجرف الصامد في الصيف الماضي، وخاصة الذخيرة الدقيقة التي تضم القذائف والصواريخ، ومما يذكر أن الولايات المتحدة قد أوقفت تزويدنا بصواريخ “هيل فاير” لفترة وجيزة.

إذن الدرس المستفاد هو أن الجيش الإسرائيلي مُلزم بإعادة تخزين الذخيرة والعتاد العسكري للحروب الأكثر طولاً مثلما هو متوقع في الحرب القادمة مع حماس وحزب الله ومرة أخري فإن هذا يستلزم ضمان التمويل اللازم لذلك في إطار خطة طويلة الأمد.

سلاح البحرية الإسرائيلي : يجب أن يعي أن إطار الإسلام الراديكالي قد اتسع نطاق سيطرته على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط من ليبيا مروراً بسوريا انتهاء بتركيا.

إن إسرائيل وإيران هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة ذوات الصلة مع العالم الغربي، وفي هذا الصدد يقول البروفيسور أفرايم عنبر واللواء أليعازر مروم قائد سلاح البحرية السابق، إن إسرائيل في حاجة حالياً إلي ذراع بحرية قوية أكثر من أي وقت مضى، ومع سلاح بحرية ذو قدرة طويلة المدى تستطيع التصدي للتحالفات الإقليمية الجديدة في المنطقة، وكي نكون مستعدين للدفاع عن حقول الغاز البحرية ضد أي هجمات إرهابية، يجب أن يمتلك سلاح البحرية وسائل قتالية وسفن وغواصات ومنظومات أسلحة وقوة بشرية جديدة بقيمة تصل إلي 5 مليار دولار خلال العقد المقبل وبالطبع كل هذه المطالب مبررة وضرورية.

الضفة الغربية: ماذا سيحدث إذا انهار التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية؟ احتمال بعيد ولكنه قائم-عندئذ ستضطر إسرائيل إلى إرسال المزيد من قواتها بتكلفة إضافية من أجل حفظ النظام، وهذا مجهود سيتسبب في إرهاق المنظومة العسكرية، حيث يجرى الحديث عن تشكيل جهة جديدة لتسيطر على الأراضي المحتلة ويجب أن نفعل ذلك قبل اندلاع أزمة أمنية، وهنا سنجد أنفسنا نتحدث مرة أخري عن بند جديد في الميزانية ليس بالصغير.

وادي الأردن: توجد العديد من الأصوات في المؤسسة العسكرية التي تنادي ببناء جدار أمني على طول الحدود الإسرائيلية مع الأردن، مثلما تم فعل هذا الأمر في سيناء وهضبة الجولان ولبنان، إن الموقف الأمني والسياسي السائل في الشرق يتطلب منا ذلك، ومرة أخري نعود إلي النقطة الأساسية ألا وهي أن مشروع مثل هذا يجب أن يتم تمويله وذلك لضمان الأمن بشكل أكثر.

الأقمار الصناعية والصواريخ: بسبب تخفيضات الميزانية فإن العديد من مشاريع التطوير للأقمار الصناعية الصغيرة يتهددها خطر حقيقي. وهذا خطأ فادح لأن الفضاء سيتحول في المستقبل إلي ساحة جديدة للمعارك، كما أن تطوير صواريخ أريحا 4  أرض- أرض لا يحتمل التأجيل، إن التطوير في هذا المجال المفصلى يكمن في منظومات متقدمة لجمع المعلومات الاستخبارية عن بُعد وذلك لتمييز الأهداف ونقل البيانات خلال ثواني معدودة للمنظومات النيرانية المختلفة.

أسوأ سيناريو مطروح هو إيران

وأخيراً سنتطرق للفقرة التي ظلت تشغل عناوين الأخبار في الفترة الأخيرة-وهي إيران وإذا حدث أسوأ سيناريو على الإطلاق (وبالفعل كل يوم نتلقى الأخبار السيئة من واشنطن عن الخضوع الأمريكي لطهران) حيث من المؤكد أنه سيأتي في نهاية المطاف اليوم الذي سيضطر فيه الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو للعمل ضد المنشآت النووية الإيرانية وضد قواعد الصواريخ الإيرانية.

وفي هذه الحالة فإن إسرائيل ستضطر للتعامل مع النتائج الناجمة عن الرد العسكري المتوقع ويجب أن نكون مستعدين سواء من الناحية العسكرية أو على مستوى الجبهة الداخلية. حيث سنحتاج بالضرورة إلي سربين وليس واحداً من طائرات F-35 وذلك للتغلب على منظومات الـ S-300 الروسية التي ستصل إلي إيران لذا سنحتاج إلى المزيد من بطاريات القبة الحديدية ومقلاع داود لحماية الجبهة الداخلية وهو ما يمثل حصة كبيرة من المصاريف.

“علينا أن نحمي إسرائيل بأي ثمن” هذا الشعار سمعناه كثيراً يوم الذكرى الماضى. إلا ان الثمن سيكون كبيراً وإسرائيل لا ينبغي أن تسمح لنفسها أن تغض الطرف عن شأن كهذا. إن عظمتنا متعلقة بمدى تعاظم استعداد المنظومة الأمنية لدينا.

——————————–

ديفيد م فينبرج هو مدير العلاقات الخارجية في مركز بيجن السادات التابع لجامعة بار إيلان واحد كبار المستشارين في صندوق “الأمل” في إسرائيل، وشغل في الماضي منصب مستشار نائب رئيس الوزراء ناتان شرانسكي والعديد من الوظائف الأخرى.

  • تم نشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية في صحيفة جيروزاليم بوست