بن كسبيت

الحرب الدبلوماسية العالمية فى المسألة النووية الإيرانية

المقال السابق الذي نُشر هنا في الأسبوع الماضي (12 مايو)، والذى تم فيه وصف واقع نادر في إطاره يرفض “بنيامين نتنياهو” الإشتراك في أى حوار أمام الإدارة الأمريكية من اجل قبول “حزمة تعويضات” سخية وربما لا مثيل لها نتيجة للإتفاق المعقود بين إيران والقوى العظمى، جذب هذا المقال ردوداً كثيرة ليس فقط من العاصمتين المعنيتين (القدس وواشنطن) بل من المجتمع الدولي كله، وخصوصاً أوروبا والشرق الأوسط.

وإعتباراً من اليوم يعتقد مسئولين دبلوماسيين رفيعي المستوى أن إسرائيل تُنسق هذه الخطوة مع المملكة العربية السعودية التي أعلنت هذا الأسبوع أن الملك “سلمان” سيقاطع القمة التى خطط لها الرئيس “أباما” لتعقد في كامب ديفيد (14 مايو)، ودُعي إليها كل حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط (بإستثناء إسرائيل)، هذه القمة من المخطط أن تركز على نتائج المفاوضات مع إيران وسباق التسلح النووي الذي يتطور في الشرق الأوسط. وقال لي هذا الأسبوع مسئول دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى “هذا ليس من قبيل الصدفة ان يرفض الإسرائيليين الدخول في نقاش ومحادثات مع الأمريكيين، في حين أنه في المقابل يتخذ الملك السعودي موقفاً مهينا علنياً ويقول ‘لا‘ للرئيس الأمريكي”. “تعمل إسرائيل ضد الإتفاق على كل الساحات، ليس فقط في الكونجرس بل أيضاً في الخليج. فالموقف الإسرائيل يعزز من شدة الموقف السعودي، والعكس”.

بمعنى آخر: إسرائيل في خضم حرب دبلوماسية عالمية (سرية فى جزء منها) ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الحرب إسرائيل هى من يتصرف كأنها قوى عظمى”.

الأمريكيين في حالة حيرة. فقد يأسوا من ادراك اعتبارات نتنياهو، والأساس المنطقي لعمله، فقد أصبح من ناحيتهم، لغزاً غير قابل للحل. وحسب وجهة النظر الأمريكية يوشك نتنياهو على خسارة كل شئ وتضييع الفرصة الكبيرة لتطوير الإستراتيجية. ومن الواضح أن الأمريكيين يعتقدون أن نتنياهو يعلم أنه إذا تم عمل الإتفاق مع إيران – سيمرره الرئيس إلى الكونجرس. وليس لدى نتنياهو فرصة لتشكيل أغلبية ثلثي مجلس الشيوخ ومجلس النواب لوقف هذا الإتفاق.

قال لي مسئول في واشنطن وهو خبير في الأحداث الواقعه على الساحة “تدخل نتنياهو في السياسة الداخلية الأمريكية، والخطاب الذي ألقاه في غرفتى مجلس النواب (3 مارس) فى مواجهة غير مسبوقة مع الرئيس الأمريكي، كل هذا أفاد معسكر أوباما حيث وحد الأقلية الديمقراطية”، ولذلك ما تبقى لنتنياهو كي يفعله الآن هو محاولة الاستفادة من الوضع قدر الإمكان من أجل الحصول على بعض المكاسب الاستراتيجية للأمن القومي الإسرائيلي. هذا يجب أن يحدث الآن، والأمر يستلزم الطرق على الحديد وهو ساخن، لكن نتنياهو يتصرف كمن يتجاهل كل تلك ‘الفوضى‘ ويعلم شيئاً لا يعلمه الآخرون”

وفى محيط نتنياهو هناك من ينشر التوضيحات: “الذهاب إلى المفاوضات حول حزمة تعويض الآن أمام الإدارة الأمريكية”، كما يقول مسئول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى يمثل نوعاً من التواطؤ” نوع من الموافقة الإسرائيلية -ولو بالصمت- على الإتفاق المعقود مع الإيرانيين. عملية كهذه”، يقول المسئول ليست أخلاقية من قبل نتنياهو الذي تعهد بمحاربة ما يطلق عليه ‘الكارثة التاريخية‘ بكل قوته، حتى اللحظة الأخيرة، وربما بعدها أيضاً. فهو لن يوقع بأي شكل ما على هذا الإتفاق، لا قصداً ولا إغفالاً. والحقيقة أن نتنياهو ليس وحده من يتصرف هكذا بل أيضاً بعض من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية المهمين في المنطقة”.

شاركت شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى جداً فى المجال الإستخباراتي قبل بضعة اشهر في “لعبة حرب” أقيمت في أحد معاهد الفكر الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. حاكت اللعبة سيناريوهات مختلفة في المفاوضات بين القوى العظمى وإيران، من خلال التدرب على أساليب مختلفة في العمل بل واحتمالية تدهور شديد قبيل المواجهة العسكرية. ولم تشارك الشخصية الإسرائيلية في اللعبة نفسها، ولكن عندما سئلت عن رأيها قالت ما يلي (هذا ليس الإقتباس بالضبط): لا يمكن الدخول فى مفاوضات مصيرية كهذه مع إيران “بدون العصا”. تلعب القوى العظمى وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية فقط بالجزرة. تخيلوا أنه ذات ليلة ضرب صاروخ توماهوك غير مكشوف، مصنع لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في إيران، بعد التأكد أن المكان خالي أثناء الليل ولن يكون هناك أي إصابات بشرية. هكذا فقط، في منتصف الليل سيتم تدمير موقع البنية التحتية الحساس متعلق بالمشروع النووي الإيراني، وأيضاً لن يعلن أحد مسئوليته عن الحادث. في نظركم، ماذا سيحدث للمفاوضات مع الإيرانيين جراء هذا؟ وما تأثير هذا على المرونة الإيرانية؟

وحسب كلام الشخصية الإسرائيلية رفيعة المستوى، توجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المفاوضات مع إيران كدولة تابعة، وليست كقوى عظمى، بينما إيران تتعامل بثقة بالنفس كقوى عظمى لا تخشى نتائج أفعالها.

قال المسئول الإسرائيلي في حوار خاص مع موقع “المونيتور”: “بعد كل جولة من المحادثات مع إيران، يعود الأمريكان إلى وطنهم ويبدأون فى عمل مجهودات لمرونة أكثر في موقفهم، يفكرون في حلول إبداعية ويتنازلون أحياناً محاولين خلق فرص جديدة للإيرانيين. ماذا فعلت إيران بعد كل جولة محادثات؟ لا شئ.  يرجعون إلى وطنهم دون فعل أي شئ، ولم يتحركوا عن مواقفهم ولم يكونوا منزعجين. هكذا لا يمكن إجراء مفاوضات. والحقيقة الجلية أن الإيرانيين علقوا مشروعهم العسكري في عام 2003، حينما غزا الجنود الأمريكيين العراق المجاورة. لم يدفع أحد بالولايات المتحدة الأمريكية بغزو أي مكان، ولكن لا شك أن إيران تقدر القوة وتفهم القوة. والحقيقة التي يعرفونها ومقتنعون ومتأكدون منها أنه ليس للولايات المتحدة الأمريكية خيار عسكري وأن لا مفر لديها سوى عقد الإتفاق، والذى يخدم الصالح الإيراني”.

الفجوة بين الجانب الإسرائيلي-السعودي وبين الأمريكيين كبيرة بحيث لا يمكن رأبها. فالأمريكيين متمسكين بموقفهم: لا يوجد للإتفاق مع إيران أي خيار آخر الآن. وهذا هو الوضع القائم ويجب إيجاد مميزات الإتفاق وتقليص عيوبه. وإن تم الوصول إلى إتفاق سيصدق الرئيس عليه في الكونجرس: وإن لم يُعقد لا يمكن منعه لأنه لا توجد أغلبية الثلثين ضده. لذلك الأمر المنطقي الذي يمكن أن يفعله نتنياهو من أجل الأمن القومي الإسرائيلي هو البدء في حوار مع الإدارة الأمريكية. لن نطلب منه الموافقة على الإتفاق أو الوقوف إلى جانبه. فكل ما عليه فعله هو موازنة عمله في الكونجرس ضد الإتفاق، وفقط. في الموقف الحالي هناك بارقة أمل في الإدارة الأمريكية والتي ستمكن إسرائيل من تحقيق إنجازات حقيقية فيما يتعلق بأمنها القومي. يمكن أن يكون هناك نقاش حول تهديد ما بعد الإتفاق، والدعم الأمني والعسكري، ونماذج الرد في حالة الإخلال بالإتفاق من جانب إيران، والرد الإسرائيلي، وشروط تشديد العقوبات بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة التعاون والرد على إستمرار الإستفزازات الإيرانية في الشرق الأوسط عامة، وفي الدول التي تحيط بإسرائيل خاصة.

وعلى كل هذا يتخلى نتنياهو بتلويح ساخر لليد. الآن هو لم يحسب أوباما. يمكن أن يكون تخلى نهائياً عن الرئيس وهو يحسب لنفسه الأشهر المتبقية له في البيت الأبيض، حتى مجئ خلفه. إن كان هذا أو ذاك، فهم مقتنعون في واشنطن أن هذا ليس رد منطقي، بل إنفعالي وربما يكون نفسي.

وفى هذه الأثناء يستعد نتنياهو لتسونامي سياسي متطور يمكن أن يهب على إسرائيل فوراً تزامناً مع حلف الحكومة الجديدة لليمين. فالبراعم الأولى هناك تلقى نتنياهو في الأيام الأخيرة معلومات عن ارتباك في واشنطن حول تجديد مبادرة السلام بكامل قوتها، أو الإكتفاء بقرار مجلس الأمن (بدون إستخدام الفيتو) أو التخلي عن الأمر برمته والتسليم. سيقوم نتنياهو من ناحيته بالعمل بكامل قوته من أجل أن يستسلم الأمريكيين.

قال لي مسئول أمريكي في واشنطن هذا الأسبوع أنه على الأقل الآن، تشير المؤشرات أن أوباما بعيد جداً عن الإستسلام. وقال المسئول “لازال لديه وقت، ما يقارب سنتين، ولم يتخلى عن القضية الفلسطينية”، “ويمكن أن يكون من هذه الناحية أفضل لـ‘بيبي‘ بدء حوار مع الإدارة الأمريكية الآن، من أن يقبل مبادرات سياسية غير مرغوبة بعد ذلك”.