عقيفا ألدر

 

 

قرار أفيجدور ليبرمان التبرؤ من حقيبة الخارجية ونقل مقعده إلى مقاعد المعارضة يقسم الكنيست الـ20 بشكل متساو إلى حد ما بين الإئتلاف والمعارضة. فسيدعم 61 عضو في الكنيست الحكومة، و59 عضو في الكنيست معارضوها. ولكن العلاقة الكمية هي فقط جزء واحد من القصة، وليس بالضرورة الجزء الأهم والمثير فيها. فالقصة الحقيقية هي علاقات القوى بين المعسكر الذي يفضل الوضع الحالي عن أى تسوية سياسية تتعلق بإقامة دولة فلسطينية، وبين المعسكر الذي يدعو إلى تسوية سياسية تشمل إقامة دولة فلسطينية. وخلال عملية التوسط نجد المعسكر الحريدي، المنشغل بمبادرات تجنيد الشباب الحريدي أكثر من مبادرات تقديم التسوية السياسية مع الفلسطينيين.

وخلافاً للإنطباع الذي تُرك من صيحات الفوز التي سُمعت في اليوم التالي للإنتخابات من شارع بلفور في القدس، لم يكن في الـ17 من مارس اليوم العظيم لليمين الأيديولوجي. النواة الصلبة فى اليمين لا يتجاوز أكثر  ثلث أعضاء الكنيست. 30 عضو من الليكود وثمانية أعضاء كنيست من حزب “البيت اليهودي” وأثنين آخرين أو ثلاثة أعضاء من بين خمسة أعضاء من حزب ليبرمان. مستطلعي الرأي الذين تحولوا إلى كيس لكمات الإعلام، لم يخطئوا. كما توقع أكثرهم، علاقات القوى التي كانت في الكنيست الـ19 هى التى ستكون فى الكنيست الــ 20. اليوم من الناحية الأيديولوجية معسكر اليمين أصغر من معسكر غير اليمين.

كانت حكومة نتنياهو السابقة مرهونة بــــ 19 مقعد ليائير لابيد، زعيم حزب “ييش عتيد” الذي عقد تحالف أخوة مع رئيس حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت. شملت تلك المقاعد أعضاء كبار في حزب لابيد مثل “يعقوب بيري” و”يعل جرمان” و”عوفر شيلح” حيث وجهات نظرهم السياسية قريبة من وجهات نظر “زهافا جلئون” من حزب ميرتس و”يتسحاق هرتسوج” من حزب “العمل” بل وأيمن عودة من القائمة المشتركة، أكثر من وجهات نظر نتنياهو، وموشيه يعلون” و”ميري ريجيف” من حزب الليكود. هذا التزاوج غير الطبيعي اكتمل في نفس الحكومة “الحركة” برئاسة “تسيبي ليفني”، حيث تعتبر المسافة بينها وبين الدكتور “يوفال شتاينيتس” فيما يخص حل الدولتين سبعة أضعاف من المسافة بينها وبين الدكتور “صائب عريقات”.

صحيح في وقت كتابة تلك الأسطر، لعب حزب “كولانو” تحت رئاسة “موشيه كحلون” الدور الذي لعبته أحزاب لابيد وليفني في الكنيست السابق. على اسم كحلون نفسه وأصدقائه من نخبة الحزب الجديد، مسجلة مجموعة من التصريحات العلنية بفضل إشتعال الوضع الحالي بين إسرائيل والفلسطينيين. تلك التصريحات مثل برنامج الحزب، فهي تتعارض على أقل تقدير مع التعريف “يمين سياسي”. فعلى سبيل المثال في الإنتخابات قال كحلون “إن وجد ذات مرة زعيم شجاع، ويكون مستعد حقاً للإعتراف بوضع نهاية للصراع، نهاية للدعوات وتكون القدس موحدة ونهاية للمطالبات بخصوص اللاجئين، فسيكون حزب “كولانو” مؤيداً لهذا الإتفاق”. فيما يتعلق بإخلاء المستوطنات في إطار إتفاق مستقبلي أشار وزير المالية المكلف بأنه “حين يكون هناك تسوية وزعيم شجاع، يمكن التحدث على أي إتفاق من شأنه تعزيز قوة دولة إسرائيل”.

قال “يوآف جلنط” المكلف بمنصب وزير الإسكان من قبل حزب “كولانو” قبل ثلاثة اشهر “لقد خلقنا في العملية الصهيونية الشعب الفلسطيني الذي يعيش بجانبنا، وهم لا يذهبون لأي مكان… ليس منطقياً أن نعيش في المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان… وعلينا منح الفلسطينيين تسلسل جغرافي يسمح لهم بإدارة حياتهم من خلال كيان مستقل”.

يحدد برنامج كولانو أنه “على إسرائيل القيام بنشاط سياسي ودبلوماسي للحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي”. يظهر الحزب الخطاب الذي أرسله الرئيس السابق “جورج بوش” لرئيس الوزراء السابق “اريئيل شارون”. وكانت الرسالة الرئيسية لهذا الخطاب هو إقامة دولة فلسطينية في أغلب مناطق الضفة الغربية وشرق القدس، بإستثناء المناطق ذات الكثافة السكانية اليهودية. وأكد بوش أن ضم مناطق المستوطنات يجب أن يتم بالاتفاق مع الفلسطينيين.

الحريديم الذين يواجهون التجنيد الإلزامي بينهم في الجيش الإسرائيلي، فهم ليسوا مبتهجين بالصراع مع الفلسطينيين ومع الأمريكيين من أجل أبناء المستوطنات. قال رئيس حزب شاس “أرييه درعي” عشية الإنتخابات “أنا لا أوافق على تقسيم القدس ولا أوافق على إخلاء جماعي فقط. إننى أؤيد إخلاء الأماكن المنعزلة ولكنني لا أؤيد المفاوضات”.

صرحت إبنة الحاخام “عوفاديا يوسف”، “عدينا بار شالوم” المقربة لدرعي، منذ شهرين في مبادرة جنيف أنه “إذا كان هناك إجراء سياسي في الحكومة القادمة، سيدفع حزب شاس ودرعي الأمر بكل قوة”. وقال عضو الكنيست “يتسحاق فيكنين من حزب شاس في مؤتمر خاص في مبنى الكونجرس في واشنطن أن “منصة الإتفاق هي مبادرة جنيف. وكلما إبتعدنا عن تلك المنصة سنبتعد أيضاً عن السلام”. أعرب عضو الكنيست دافيد أزولاي” من حزب شاس أيضاً عن دعمه المبادرة المبنية على حدود 1967 وتبادل المناطق المشتركة وأشار إلى أن “مبادرة جنيف هي مبادرة مباركة”.

والأمور التي قالها عضو الكنيست “موشيه جفني” من رؤساء كتلة يهدوت هتوراه عشية الإنتخابات يمكنها أن ترتقى بالمبادئ الأساسية لحكومة “هرتسوج -جلؤون”. “أنا أؤيد دفع العملية السياسية وليس ترك الوضع على ماهو عليه دون عمل شئ، قال رجل الخدمة العامة الحريدي المخضرم “يجب بذل مجهودات حذرة ومتأنية، مع الولايات المتحدة الأمريكية. لا يمكن إبقاء الوضع هكذا، أننا منعزلين تماماً”.

ماذا عن اللاجئ الأخير من الحكومة والمهاجر الجديد للمعارضة؟ هل يمكن أن نضم ليبرمان إلى المعسكر غير اليمينى؟  في الحقيقة نجد فى الجانب المظلم لبرنامج حزب اسرائيل بيتنا يمكن إيجاد فكرة الإجهاض غير الأخلاقى وغير القانونى لتبادل الأراضى بما عليها من السكان (العرب). مع هذا في السنة الأخيرة تحدث ليبرمان وأيضاً عمل من وراء الكواليس من أجل التوصل إلى تسوية إقليمية تشمل إقامة دولة فلسطينية. وصرح ليبرمان قائلاً  “يجب التوصل إلى تسوية مفادها دولة يهودية وأخرى فلسطينية”. قال وزير الخارجية المنتهية ولايته أثناء المحادثة التي أجراها قبل عام مع وزير الخارجية الأمريكية، أن “هناك قاعدة لخلق هيكل سياسي جديد في الشرق الأوسط”. وكتب في نوفمبر الماضي أنه “في نهاية الأمر في الجدال حول سلامة الشعب أمام سلامة الأرض – فإن سلامة الشعب تنتصر”.

ومن غير الموثوق أن يقوم زعيم عربي بمثل ما قام به السادات ورئيس أمريكي يفعل مثلما فعل كارتر وينتجون رئيس وزراء إسرائيلي يفعل مثل بجين. ولكن إذا حدث هذا – سيقف الكنيست الـ20 من ورائه.