بقلم: مازال موعلام

اعتلى رئيس المعارضة الإسرائيلي “يتسحاق هرتسوج” مساء يوم الخميس الموافق 14 من مايو منصة الخطابات في الكنيست، وترك أعضاء الكنيست، حتى أعضاء حزبه، متفاجئين. من لم يفلح في الإقناع في الانتخابات وما تبعها من صدق تصريحاته، التي بحسبها لن ينضم إلى حكومة برئاسة “بنيامين نتنياهو”، بدى على حين غرة متحرراً، مهاجماً وجاداً، عندما اقترح على رئيس الحكومة أن يسند منصب وزارة الخارجية لرجل من حزبه، لأن لا نية لديه في الانضمام إلى حكومة بالغة الفشل.

“نتنياهو” نفسه كان حاضراً في جلسة الكنيست التي كانت على كامل نصابها، ينظر من الحين للآخر إلى انبثاق التوكيد الذي طغا على “هرتسوج”. وبدت على “نتنياهو” علامات التعب، والانزعاج، والوحدة. لقد أدت حكومته الرابعة اليمين بعد تأخير استغرق ساعتين، في ظل غياب مطلق لأي أجواء احتفالية. يبدو أنه قد تفاجئ من “بوچي” الجديد، الذي خصّص له حقيبة الخارجية، في حال تم توسيع حكومته.

وحتى الأيام الأخيرة على وجه التحديد، حرص “هرتسوج” على عدم كسر القواعد أمام “نتنياهو”. صحيح أنه قد شدّد على عدم انضمامه لحكومته، لكنه لم يبد حازماً وقاطعاً، بل كان باهتاً وغير مقنع. لدرجة أن الانتقادات التي وُجهت إليه من داخل حزبه أصبحت علنية، حيث اتُهم بأنه يترك ساحة المعارضة لـ”يائير لابيد”. فقد صرح عضو الكنيست  “إيتسيك شمولي”هذا الأسبوع في حوار صحفي مع المونيتور، قائلاً: “لو جاء شخص من الخارج إلى هنا، لبقى على يقين بأن “لابيد” هو رئيس المعارضة”.

لكن ليست الانتقادات الداخلية هي التي دفعت على ما يبدو “هرتسوج” لأن يغلق الباب أمام مسألة انضمامه للحكومة نهائياً (على الأقل للفترة المقبلة). ففي الأسابيع الأخيرة رأى “هرتسوج” كيف يدير “نتنياهو” مفاوضات ائتلافية فوضوية، وكيف تم ابتزازه من قبل “البيت اليهودي”، وفي النهاية أصبح رئيساً لحكومة ذات 61 عضو فيها أي صوت، هو صوت متكلف لاستمرار وجودها. وبقاء “ليبرمان” المفاجئ خارج الحكومة، جعل “هرتسوج” أيضاً يعيد النظر. إن حكومة هشة للغاية، هي حلم أية معارضة، فما بالك برئيس المعارضة، وها هو “هرتسوج” أصبح مفعماً بالحيوية على حين غرة.

في وضع مماثل هناك سيناريوهات محتملة. بدءاً من عجز “نتنياهو” في الحكم، إلى إسقاط حكومته وخوض انتخابات جديدة وانتهاءاً بالتصويت البنّاء على حجب الثقة الذي من خلاله قد يكون من الممكن تشكيل حكومة بديلة يرأسها “هرتسوج” خلال فترة ولاية الكنيست الحالية، ويرسل “نتنياهو” إلى منزله.

فعندما ترأس حزب ذو 24 مقعد وعندما تعمل حقاً داخل المعارضة قوة صغيرة يمينية أيضاً بقيادة “أڤيجادور ليبرمان”، لكن بإصرار، بهدف التصفية السياسة لـ”نتنياهو” – تبدو فجأة المعارضة مكاناً مناسباً للدخول فيها. وكان موقف “هرتسوج” الحاسم الذي يمثله، وخطابه الرائع الذي ألقاه مساء يوم الخميس، هما ما جعلاه في لمح البصر يستقوى داخل حزب العمل، حيث بدأوا مباشرة بعد الانتخابات العدّ التنازلي لنهايته السياسية.

زاد فرح المعارضة الذي غمر “هرتسوج”، بفرح صغير آخر عندما تبيّن أن أحد نجوم الليكود، الوزير “جلعاد أردان”، المبجل والمحبب، بقى خارج الحكومة. في الحقيقة، لم ينوى “أردان” إسقاط حكومة الليكود، ولكن لن يكون هناك رهان عشوائي يُقّدِر بأنه سيكون بمثابة صداع شديد بالنسبة لـ”نتنياهو” – باعتباره معارضة داخل المعارضة. هؤلاء الذين تابعوا العناق والدفء الذي غمر “أردان” عندما وصل الكنيست مساء الخميس من جانب “هرتسوج”، و”ليبرمان” و”لابيد”، أدركوا على الأرجح أن بقاءه خارج خلية النحل الليكودية يمثل أنباء سارة للمعارضة.

لم تتوائم للمعارضة منذ سنوات طوال، ظروفاً مناسبة إلى هذا الحد، من أجل تأدية دورها بشكل صحيح ومؤثر، ولكن ليس هناك ما يضمن أنها سوف تأتي بثمارها. والسبب الرئيسي في ذلك يكمن في حقيقة أن داخل المعارضة تعمل قوى قوية ذات مصالح متداخلة. إن غرض رئيس حزب “يش عتيد”، “يائير لابيد”، يتمركز في مضمار رئاسة الحكومة مع حلول الانتخابات القادمة.

وزير المالية السابق، الذي ُأقيل من حكومة “نتنياهو” قبل ستة أشهر (في ديسمبر 2014)، والذي أنهى الانتخابات بـ11 مقعداً ومنذ ذلك الحين أثبت قدرات معارِضة وتشدًّد لدرجة أنه يعتم ويغطي على “هرتسوج”. وبخلاف ذلك، بالنسبة لـ”لابيد”، “هرتسوج” عدو لا يقل عن “نتنياهو”، بل وربما أكثر عداءاً منه. “إنني لا استطيع أن أفسر صمتهم … إنهم حقاً غير جادين في قيادة المعارضة …. إن لم يقودوا المعارضة … فنحن سنقودها”، هذا ما قاله “لابيد”؛ إلا أنهم في المعسكر الصهيوني لم يقفوا مكتوفي الأيدي وردوا الصاع صاعين: “من المضحك أن نرى أن من لايزال يلاحقه عار حكومة “نتنياهو الفاشلة – لابيد-، يتظاهر بالمعارضة”.

يعزل “لابيد” نفسه عن المعسكر الصهيوني طوال مكافتحه للحريديم، بتوسيع الحكومة بل وبالوضع السياسي باعتباره يميناً غير متشدد، على عكس المعسكر الصهيوني، الذي يتسم الكثير من أعضاءه بنزعة يسارية متشددة على صلة مستمرة بحزب “ميرتس”.

وعلى جبهة واحدة تجمع بينهما يعمل “ليبرمان” أيضاً، من اللحظة التي أعلن فيها بقاءه خارج الحكومة، وهو يتجلى كمعارضة ملفتة للنظر وفعّالة. وزير الخارجية السابق، وهذا أمر معروف عنه، سرعان ما يشعر بالممل.وسيكون من المثير للإهتمام أن نرى ما إذا كان سينجح فى أن يستمر في إظهار الاهتمام السياسي حتى وهو جالس على مقاعد المعارضة. بالنسبة لـ”ليبرمان”، هناك هدفين بارزين لهجوم اليمين ألا وهما: “نتنياهو” وحكومته، والكتلة العربية داخل المعارضة. وقد هاجم “ليبرمان” في خطابه الذي ألقاه على منصة الكنيست  قائلا: “كيف لا يظهر إسقاط حكم حماس بين المبادئ الأساسية التي وضعتها حكومة “نتنياهو”؟ وكيف لا يظهر البناء في الأحياء اليهودية وفي الكتل الاستيطانية؟ كفوا عن التنكر في زي اليمين … إنها حكومة انتهازيين تعيش على ما تبقى من الوقت المستعار “.

يقول رجال حول “أڤيجادور ليبرمان”، إنه لم يتخل عن حلمه في قيادة اليمين وحلمه بأن يصبح رئيس للحكومة. ودلالة ذلك هي أن في المعارضة يعمل الآن ثلاث رؤساء حكومة محتملين. وذلك يصب في مصلحة “نتنياهو”، ويضر “خصومه”. عندما تكون المعارضة ذات الـ59 عضو، منهمكة في تنازعات داخلية، سيكون تحدي “هرتسوج” بصفته زعيم لها هو النجاح في تركيز المقاومة وتحدي “نتنياهو” و”الليكود”، في أي يوم وفي كل لحظة.