مركز دراسات الأمن القومي
بقلم شي ليفي
90 ألف تغريده يومية على تويتر، العديد من الأفلام المرعبة وعدد لا نهائى من الصور المروعة، هذا ما أثبت به تنظيم داعش أنه يسيطر بشكل جيد على أحد أهم الأسلحة وأكثرها خطورة في جعبته: هذا السلاح هو الشبكة العنكبوتية.
“لن نتوقف! نحن نعلم عنكم كل شيء عن زوجاتكم وأولادكم”، هذه الكتابات سُطرت في يناير الماضي بواسطة مجموعة من الهاكرز (قراصنة الإنترنت) التابعين للدولة الإسلامية “داعش” بعدما إستطاعوا إختراق العديد من حسابات تويتر واليوتويب التابعة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، وقاموا في وقت لاحق بنشر قوائم كاملة بأسماء عناصر الجيش الأمريكي متضمنة صورهم، الإسم بالكامل وعناوين السكن، وهنا كانت الرسالة واضحة ” ها هم الكفار – إقضوا عليهم في منازلهم”. يبدو أن “سايبر الجهاد “حرب الفضاء الإلكتروني ” آخذ في التطور بمعدل سريع مثير للقلق وأصبح جزءاً عملياتياً من المعركة التي يخوضها أفراد تنظيم الدولة الإسلامية ضد أعدائهم.
هذا الأسبوع قام معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بنشر بحث متخصص في هذا الشأن عنوانه” جهاد السايبر في خدمة الدولة الإسلامية” داعش بقلم يورام شفيتسر وآدم هوفمان، من كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وقال شفيتسر في لقاء مع موقع “بيزم” أن أفراد الدولة الإسلامية قد صبوا جل اهتمامهم في المعركة لمجال السايبر وهذا يؤثر بشكل كبير على ساحة القتال، إنهم يستغلون التكنولوجيا جيداً لإخافة الناس ولتجنيد المزيد من المقاتلين.
إن مصطلح “السايبر جهاد” يتطرق إلي استخدام الأدوات التكنولوجية للقرن الـ 21 ويستغل فضاء الإنترنت وهو الإطار الذي تجري فيه كافة الاتصالات بين شبكات الحاسوب من أجل تعزيز الجهاد العسكري المسلح ضد الكفار ومن يتم تعريفهم على أنهم أعداء الإسلام، وقد أوضح شفيتسر وهوفمان في المقال الذي تم نشره ” أن عنصر الابتكار الأساسي الذي دخل على سايبر الجهاد هو إسهامه في تحويل داعش من منظمة إرهابية إسلامية أصولية إلي علامة تجارية دولية لا يمكن تجاهلها” .
90 ألف تغريدة يومياً
إن البيانات المنشورة مخيفة ومثيرة للقلق حيث يُنتج نشطاء التنظيم ومؤيديه حوالي 90 ألف تغريدة يومياً، وفي بحث شامل عن إستخدام المنظمة لتويتر سنعرف أن مؤيدي داعش يستخدمون ما لا يقل عن 46 ألف حساب تويتر مستقل، ويوجد ما بين 200 إلي 500 حساب نشطين بشكل يومي ويساعدون بشكل دائم في نشر برامج الدعاية الخاصة بالتنظيم.
بالإضافة إلي أن التنظيم قام بتطوير تطبيق باسم ” فجر البشائر” والذي كان متاحاً للتنزيل في كافة متاجر تطبيقات جوجل ولفترة محدودة مما أتاح لمؤيدي التنظيم متابعة أنشطته في التو واللحظة، وساعد تحميل التطبيق تنظيم داعش في أن يسيطر بشكل مؤقت على حسابات التويتر لكل من قام بتحميل التطبيق والقيام بنشر تغريدات باسم صاحب الحساب، كجزء من إستراتيجية الميديا الاجتماعية الخاصة بالتنظيم، وبذلك إستطاع داعش أن يحقق هامش ضخم من الإنتشار لنشاطاته وأن يستغل حسابات هؤلاء الأشخاص في توجيه وتسليط الضوء على التنظيم” .
ويشير شفيتسر إلي أن “جهاد السايبر” هو جزء لا يتجزأ من هجمات التنظيم مثل أي وحدة مقاتلة حيث أن هدفها هو بث الرعب في صفوف العدو وإجباره على الهرب من ميدان المعركه قبل إطلاق الرصاصه الأولى.
” لقد إستفادوا من ذلك بالطبع في المعركة العسكرية، ففي العراق على سبيل المثال، وقبل أن يصلوا إلي مكان معين، يقومون بنشر العديد من الأفلام ويروون بكل دقة ماذا سيفعلون وينشرون العديد من الصور، ويستغلون ذلك جيداً بشكل عملياتي لبث الرعب في قلوب الناس. حيث ينشرون عمليات القتل وقطع الرؤس على اليوتويب وتويتر قبل وصولهم إلي الأماكن التي ينوون غزوها، لذا يعرف الناس مصيرهم المنتظر عندما تصل قوات داعش، فكأنهم يقولون أترون ماذا فعلنا هذا هو المصير الذي ينتظركم عندما نصل. إن هذا جزء من الإرهاب ذاته”.
إن العديد من الأمثلة على روايات شفيتسر قد رأيناها في العراق. إن الحديث يجرى هنا عن جيش ذو قدرة متجددة دوماً بعتاد نوعي وأسلحة أمريكية، حيث نلاحظ أنه في العديد من المعارك يفر الجنود قبل أن يطلقوا رصاصة واحدة فقد رأوا العديد من عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس لذا هربوا وخلفوا ورائهم عتاد حربي ثمين يضمن دبابات الـ M-1 والتي تُعد أكثر الدبابات تطوراً في العالم ومركبات الهامر المصفحة. لقد تم إعداد فيديو حرق الطيار الأردني حتى الموت كي يردع طيارو التحالف، هذا وتجدر الإشارة إلي أن شفيتسر يعرض لأسباب أخرى لهرب جنود الجيش العراقي من ميدان القتال على سبيل المثال ولائهم للنظام في بغداد، ولكن بالتأكيد توجد علاقة بين هذه الأمور.
وكما ذكرنا سلفاً فإن حرب السايبر التي يشنها التنظيم الإرهابي القاتل يمكن تقسيمها إلي عدة فئات: الحرب النفسية، وتجنيد المقاتلين وتعطيل وإختراق المواقع، مثل نشر أسماء الجنود الأمريكيين وطياري التحالف.” وبقدر ما يمكننا أن نرى فليس لديهم في الوقت الحالي على الأقل الخبرة الكافية في إختراق المواقع، فكل قصة السايبر بوجه عام، بما في ذلك جهاد السايبر، مركز في الأساس على السيطرة على المواقع ووضع علم داعش أو رسائل على هذه المواقع وهذا ليس إرهاباً كما نعرف ذلك من أماكن أخرى، إلا أن هذا يتضمن قدراً من مكونات مفهوم الإرهاب، إن إختراق المواقع يعطل الحياة اليومية ولكنه ليس بمفهوم الإرهاب الكلاسيكي، فنحن لم نراهم يهاجمون دول بنفس مستوى التهديد الحقيقي الذي يمارسونه”.
وقد أوضح شفيتسر أن الغرض الرئيس من إستخدام داعش للسايبر هو تجنيد المزيد من المؤيدين ونشر إيدلوجيتهم ” وهذا جزء واضح في إستراتيجيتهم، وجزء من هذه النشاطات يتم تنظيمها من قبل تنظيم داعش نفسه وجزء كبير يقوم به العديد من المستخدمين المؤيدين للتنظيم في جميع أنحاء العالم وذلك كي يحصلوا على البركة ويهاجروا إلي دولة الخلافة وكي يقوموا بإغراء المزيد من الأشخاص الذين يستخدمون وسائل الإعلام المختلفة وجزء كبير من قدرتهم على تجنيد وتحريك البشر من أنحاء الكرة الأرضية يرجع الفضل فيه إلي إستخدام هذه الأساسيات ” .
إن النجاح المتعلق بأقوال شفيتسر يمكننا أن نراه في جموع المواطنيين من جميع أنحاء العالم الذين يتركون كل شيء خلف ظهورهم كي يحملوا السلاح مناصرة للتنظيم ونرى ذلك في العديد من الهجمات الإرهابية على أراضي أوروبا، هذه التفجيرات متأثرة بشكل مباشر بأفلام تنظيم الدولة الإسلامية، فهم عملياً لا يحتاجون لإرسال عصابات إرهابية كي يخاطروا بعبور الحدود، وإنما ببساطة يدفعون مؤيديهم في كل الدول كي يحملوا السلاح أو يقوموا بصنع القنابل أو أن يحملوا سكيناً ويخرجون للقتل، وهذا ببساطة أكبر كابوس لأي وكالة مخابرات غربية.
الذئاب المنفردة منتشرة حول العالم
وفي المقال يشير الباحثان إلي أن منظومة السايبر الجهادية التابعة لداعش تؤيد ظاهرة الذئاب المنفردة، وهي أولئك الأشخاص الذين يقومون بتنفيذ الهجمات الإرهابية بواعز من التنظيم دون أن يكون لهم أي صلة رسمية به. وبهذه الطريقة تم تنفيذ التفجيرات في سيدني وباريس وكوبنهاجن حيث قام بها أشخاص منفردين متأثرين بفكر داعش مستخدمين رايته ولكنهم لا ينتمون إليه بشكل رسمي. وقد رأى داعش في هذه الهجمات إنتصاراً له ونسبه لنفسه، علاوة على ذلك نشر التنظيم تسجيلات فيديو يُثني فيها على مرتكب تفجيرات كوبنهاجن عمر الحسين ودعا إلي تنفيذ المزيد من تفجيرات “الذئاب المنفردة” من هذا النوع والتي يتم تنفيذها في الأغلب دون سابق إنذار مما يسمح لداعش بالعمل خارج نطاق الشرق الأوسط وذلك بواسطة شخصيات ونشطاء مناصرين لأفكاره.
هذه الفكرة ليست بالجديدة فقد قام كلاً من حزب الله وحماس والقاعدة بتنفيذ أحكام الإعدام أمام الكاميرا وإستخدموا هذه الأدوات فهم -داعش- لم يخترعوا ذلك وإنما زادوا من إستخدام الظاهرة إلي مستويات كبيرة وأكثر ذكاء ويقومون بإستخدامها بأفضل شكل تتيحه لهم الوسائل الإعلامية، قطع الرؤوس، عمليات القتل الجماعي، قتل أو حرق الطيار، يتم بثها بشكل مباشر دون أي نوع من الرقابة، لقد فعلت القاعدة هذا في الماضي ولكنهم كانوا يعتمدون على وسائل إعلام تقليدية وكان عليهم الإنتظار حتى يتم البث والذي كان يتم مونتاجه في أغلب الأحيان بينما لا تسرى هذه القواعد على تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي المقال الذي نشره شفيتسر وهوفمان يشيران إلي أنه من غير المعروف أعداد المقاتلين الأجانب في داعش ولكن وفقاً لتقديرات مختلفة فقد بلغ 20 ألف شخص منهم 4000 متطوع من الدول الغربية ” هذه الأرقام تزيد عن عدد المتطوعين الذين إنضموا للحرب ضد الجيش الأحمر الذي قام بغزو أفغانستان في العقد الزمني بين أواخر السبعينيات وأواخر الثمانينيات من القرن الـ 20 .
وحتى عهد قريب تُعتبر هذه النقطة أكبر بؤرة إستقطبت النصيب الأكبر على الإطلاق من المقاتلين الأجانب في النصف الثاني من القرن العشرين، لذا فإن نشاطات داعش التي يتم الإهتمام بها بشكل كبير في وسائل الإعلام تولى أهمية كبيرة لهذا الإتجاه .
ويجري الحديث هنا عن تحدى كبير للدول الغربية ووكالاتها الإستخبارية والذي لا يستطيعون في الوقت الحالي السيطرة بشكل ناجع على جهاد السايبر. ” إننا نعلم أنه يوجد العديد من وكالات الإستخبارات في الدول الغربية تراقب مواقع التنظيم بل يقومون بالتدخل أحياناً وإسقاط تلك المواقع أو العمل على تخريبها من الداخل قدر الإمكان، ولكن المشكلة تتمثل فى أنه عندما يتم إسقاط موقع واحد يطفو على السطح مكانه العديد من المواقع الآخرى، إن هذا يستهلك وقتاً كبيراً كي يتم إعتياد هذا وليسوا بالقليلين الذين يشغلون أنفسهم بإيجاد الحل وكيفية مكافحة هذا” .
إن ما أثاره إدوارد سنودن الموظف السابق في NSA الذي قام بتسريب كمية كبيرة من الوثائق إلي ويكليكس وأضر بشكل حقيقي بالقدرة على التعامل مع هذا التحدي. ووفقاً لما يقوله شفيتسر ” إنه بسبب ما فعله سنودن فإن هؤلاء الذين يسيطرون على مفاتيح تلك المواقع لا يريدون التعاون مع هذه الحكومات وذلك لأن الوثائق التي كشف عنها سنودن توضح ما فعلوه في السابق من أشياء، لذا أصبح الصراع أكثر صعوبة ولكن هذا لا يمنع من محاربة الظاهرة .
وفي المقال الذي تم نشره أشاروا إلي أنه يتم تفعيل الرقابة لحذف المشاهد العنيفة ولكن هذا يتم بوجه عام بعد إذاعة المحتوى وقيام العديد بمشاهدته.
هذا وقد رفض شفيتسر التنبؤ كيف سيبدو المستقبل وإلي أي مدى ستتطور قدراتهم ولكنه قال ” إنني أعتقد أنه كلما تحسنت الوسائل التكنولوجية بوتيرة أسرع، كلما خدم ذلك المنظمات الإرهابية بأنواعها المختلفة” .