معهد دراسات الامن القومي
عاموس يدلين ويوئيل جوزنسكي
الهدف من مؤتمر القمة الذي عقده رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” نهاية الأسبوع الماضي مع ممثلي دول الخليج، كان مخصصاً لتهدئة مخاوفهم من الإتفاق النووي مع إيران، “وتعويضهم” – عن طريق تزويدهم بأنظمة تسليح – على تشكيل هذه التهديدات، التي تتجسد في إيران “كـدولة على أعتاب القدرة النووية” معروفة، وذلك للحصول على تأييدهم للإتفاق. وقد تم تحقيق تلك الأهداف حتى وإن كان هذا بشكل جزئي ومؤقت.
الحلف غير المكتوب والذي بربط بين الديمقراطية الليبرالية الأمريكية والملكيات المطلقة في الخليج، على المبدأ الذي وفقاً له تقلق الملكيات حيال إستقرار سوق الطاقة العالمي وسيدعمون مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وفى المقابل تحميهم الولايات المتحدة من أي تهديدات خارجية – في الغالب، تتجاهل غياب الحرية السياسية ووضع حقوق الإنسان المنطوى على إشكاليات في تلك الدول. وكانت هذه “عقيدة كارتر” التي تعتبر أساس الإطار الأمني للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج. وفي أساسها كان التهديد بإستخدام القوة، أيضاً العسكرية، إذا أرادت أي قوة خارجية السيطرة على الخليج. الجانب البحري الذي يبدأ من خليج عمان مروراً بمضيق هرمز وحتى شاطئ العرب كان كان منذ ذلك الحين “بحيرة أمريكية”. ولكن في السنوات القليلة الماضية ثار تساؤل حول إستمرارية الإلتزام الأمريكي حيال منطقة الخليج، فمصدر التهديد الأكثر خطورة على التوازن الإستراتيجي في الخليج ليس خارجي، بل في الخليج نفسه.
يضع السعي الأمريكي للإتفاق مع إيران بشأن المشروع النووي بالإضافة إلى تقليص إعتمادها على النفط الخليجي، يجعل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج في إختبار. تخاف العائلات المالكة من إحتمالية وجود “صفقة” إيرانية غربية، تتيح لإيران الخروج من العزلة التي فرضت عليها عقب أزمة مشروعها النووي وفي نفس الوقت تحتفظ بقدراتها النووية، بمعنى، أن التصالح بين إيران والغرب يمنح إيران وضع دولة شرعية وسط دول العالم، ويسمح لها بتعزيز تأثيرها في الشرق الأوسط، ولذلك سيكون بالضرورة على حساب دول الخليج. وبالإضافة لذلك، الإنفراجة التدريجية في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والتي من المحتمل أن تتطور بعد التوقيع على الإتفاقية النووية، يعنى بالفعل ضربة قاسية للعلاقات المميزة بين دول الخليج وبين الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه في الرياض وأبو ظبي والدوحة يخافون أنه عندما تحظى الولايات المتحدة الأمريكية بـ”الإستقلال في مجال الطاقة” بشكل كامل، لن تحتاج مجدداً لحلفائها العرب وستقلل بصورة واضحة من تدخلها في الشرق الأوسط. ويقلق قادة الملكيات في الخليج حيال تغير الوجهة الإستراتيجية (pivot) الأمريكية، وذلك مع إعلان الإدارة الأمريكية ان شرق آسيا من المفترض أن يكون في مقدمة أوليات جدول الأعمال الأمريكي، بل يبدو ان القلق السائد في الخليج خصوصاً من التقارب الأمريكي نحو إيران.
قال أوباما في اللقاء الذي أجراه لصحيفة نيويورك تايمز قبل القمة – لأول مرة – أن التهديدات الداخلية التي تواجهها دول الخليج تكون أخطر أحياناً من التهديد الذي تشكله إيران. وهكذا قلل من توقعات قادة الملكيات وربما أدى إلى أن بعضهم لم يأت إلى اللقاء (في المجمل أتى إثنين من ستة من رؤساء الدول). إلغاء الحضور المخطط لملك السعودية “سلمان” إلى القمة، والذي عُرف عشية اللقاء ربما كان بسبب حالة الصحية السيئة – لكنه ليس من المستبعد – أن يكون تعبيراً عن عدم الرضى والإحباط المتزايد بسبب ما رأته الرياض أنه سياسة أمريكية خاطئة تجاه إيران. غضت واشنطن الطرف -هكذا يعتقدون في الرياض- عن التآمر الإيراني في المنطقة وما له من تأثير سلبي مباشر على الأمن القومي السعودي.
السيناريو الأكثر خطورة على العائلات العربية المالكة هو، أنه في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تتغاضى عما يحدث في شرق آسيا، على سبيل المثال – إيران بفضل مكانتها الجديدة- تعمق من سيطرتها على منطقة الخليج. ستتمكن إيران كدولة على أعتاب القدرة النووية المعترف بها – نتيجة الإتفاق المعقود معها – من إملاء جدول الأعمال اليومي السياسي الأمني في منطقة الشرق الأوسط كله بكل بسهولة. ويرى الخليج الإدارة الأمريكية الحالية أنها على إستعداد لتسليم “مفاتيح” المنطقة لإيران. ستكون هناك تداعيات محتملة لهذا التطور أيضاً على مستقل التعاون العربي الدولي والأطر السياسية العربية. وفى مثل هذا الواقع، من المنطقى أن تسعى دولاً مختلفة وبالطبع بعض دول الخليج الأكثر تضرراً، للتقرب إلى إيران، بينما ستستمر دول أخرى في الإعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية. حقاً، الخيارات الأمنية القائمة أمام الملكيات العربية محدودة. وفى حين أن مستقبلها الإقتصادي مرتبط بالصين، نجد أن العبء الأمني المتعلق بالحفاظ على أمنهم لا يزال ملقى على عاتق الولايات المتحة الأمريكية. ولكن الصعوبات في العلاقات بين الأطراف مثلما برزت السنوات الأخيرة من المحتمل أن تحرك إجراءات على المدى البعيد، سلبية من ناحية الإستقرار الإقليمي عامة وأيضاً من ناحية المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية. ومن المحتمل في اليوم الذي يعقب التوقيع على الإتفاق مع إيران وفي ظل ضعف الثقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، أن تسعى المملكة إلى نشر المخاطر وبلورة شبكة من العلاقات الموازية – حتى لو كانت غير مكتملة – مع دول مختلفة، بهدف تحسين أمنها. في العلاقات العامة المحتملة يجب الأخذ في الإعتبار بعض التفاهمات مع باكستان بشأن النووي.
ليس لدول الخليج مصلحة لكي تسئ للعلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية والتي ستكون أول من يتضرر من ذلك. لذلك، خلال القمة بين ممثلي دول الخليج والرئيس أوباما أعربوا عن دعمهم العلني لتوجهات الإدارة الأمريكية أمام إيران. ولكن من المتوقع على المدى البعيد، أن يحاول زعماء دول الخليج تشكيل إطار جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي إطارها سُمنح تلك الدول إستقلالية أكبر مما هي عليه الآن في إدارة الأجندة الأمنية الخاصة بهم – وأيضاً بدون تنسيق كامل مع المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة. الآن وقبل التوقيع على الإتفاق مع إيران، تسعى بعض دول الخليج للعمل على تحقيق مصالحها الحيوية بدون الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من ذلك – على عكس توصية الولايات المتحدة. أسباب النزاع في تلك الأيام، هي السعي الأمريكي لإتفاق تسوية بين الأطراف المتحاربة في اليمن، والذي ليس من المشكوك فيه أن يتلاقى مع أهداف المملكة العربية السعودية في حربها ضد المتمردين الحوثيين، وكذلك الرغبة السعودية (والتركية) في تعميق التدخل العسكري في سوريا بهدف إسقاط نظام الأسد. هذا التوجه السعودي لا يتفق مع الرؤية الأمريكية (التى هناك تحفظات عليها، فى الحقيقة) لنظام الأسد بأنه جزء من الحل المستقبلي للنزاع بينه وبين المتمردين عامة و‘الدولة الإسلامية‘ خاصة.
لا تستطيع دول الخليج وحدها خلق توازن إستراتيجي والذي يعتبر من اهم العوامل لتحقيق الإزدهار الإقتصادي أمام إيران. ولكن، هناك شك فى أن تقوم عملية تزويد جيوش دول الخليج بالأسلحة من جانب أمريكا، بخلق هذا التوازن الحيوي. وأكثر من ذلك، على خليفة بيع الوسائل القتالية المتقدمة لدول الخليج سيصعب على الأمريكيين الإستمرار في انتقاد غياب الحرية السياسية والإضرار المستمر بحقوق الإنسان في تلك الدول، خوفاً من أن يؤثر النقد على المبيعات التي يحتاجها الإقتصاد الأمريكي المحلى. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بالتعاون الإستراتيجي مع دول الخليج سيكون عليها إثبات ذلك، وهل هي مهتمة بالإتفاق النووي مع إيران، فهي ليست مستعدة لأن يمنح الإتفاق إيران الصلاحية لتفعل في المنطقة ما يحلو لها. ومن جانب آخر، من المتوقع أن يكون أمراَ صعباً على الإدارة الأمريكية إثبات ذلك، لأن إيران سترى إيران فيها حجة لعدم تنفيذ أى اتفاق. إيران لديها ورق ضغط حقيقى متمثل في قدرتها على التهديد بالإنسحاب من الإتفاق. وبالفعل، في الخاتمة التي قالها الرئيس في نهاية القمة أكد على ان التعاون العسكري مع دول الخليج لن يكون على حساب إيران.
تواجه إسرائيل مشكلة كبيرة تتعلق بهذا الشأن، إسرائيل من جهتها لها مصلحة فى أن تواصل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق وجودها العسكري، خلق التوازن الإستراتيجي الذي تحتاجه منطقة الخليج أمام قوة إيران. لكن بيع الوسائل القتالية االمتطورة لدول الخليج من المتوقع أنه يضعف التفوق النوعى العسكرى الإسرائيلي في المنطقة.
من المتوقع أن تكون السنوات القليلة القادمة فترة إختبار للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج. فقد مرت العلاقات في الماضي بأزمات، وعلى رأسها الأزمة الشديدة التي حدثت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وعلى الرغم من ذلك هناك شك فى أن تقوم التصريحات التى تهدف إلى الإرضاء وبيع الوسائل القتالية المتطورة على إعادة العلاقات إلى مسارها وتبديد مخاوف الملكيات حيال الإتجاه الإستراتيجي الخاطئ -من وجهة نظرهم الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران وسوريا ومصر وبشأن القضية الفلسطينية. بالفعل ذهب ممثلو تلك الدول إلى القمة وإبتسموا أمام الكاميرا وقرأوا على مسامعنا من النص المتفق عليه، ومن غير المتوقع يُظهروا عدم رضاهم عن السياسة الأمريكية بشكل علنى، لكن لم يلقى أى ممثل من قبلهم خطاب أمام غرفتى مجلس النواب، ويمكن التقدير بأنهم سيستمرون في العمل على تحقيق أهدافهم – حتى لو كانت على عكس السياسة الأمريكية.
كانت التوقعات قبل القمة قليلة بوجود شك أن تتحقق: لم يخرج ممثلي دول الخليج من القمة بكل ما يرغبون فيه. بعضهم تمنى أن يحصل على تعهدات أمنية رسمية من الإدارة الأمريكية، كمعاهدة دفاع كلاسيكية. لكنهم حصلوا على “شئ من هذا القبيل”: تصريحات بالدعم ووسائل قتالية متطورة والتي في نظرهم ليست متطورة بشكل كافي. طالبت بعض الدول تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز F-35 ولكن رُفضت طلباتهم من جانب الإدارة الأمريكية. وعلى الرغم من هذا، ليس المقصود من الأمر هو الإشارة إلى أنه لم يكن للقمة فائدة. فهى خطوات لم تكن القمة إلا مرحلة فيها فقط. من المتوقع أن تكون القمة ساهمت فى فهم الإدارة الأمريكية ان عليها تشكيل سياسة يكون هدفها تقليل التدخل الإيراني في الشرق الأوسط. هذه السياسة، إذا نفذت بشكل فعّال، ستتيح لدول الخليج النجاح بكل سهولة في اجتياز فترة ولاية أوباما، الذي تختلف معه تقريباً فى كل القضايا والتحديات في الشرق الأوسط بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص.