بقلم بوعز ليفي

في إحدى ليالي الإحتياط التي قضيتها في قطاع الخليل، تم إستدعاؤنا لحادث إلقاء عبوة ناسفة على إحدى المركبات الإسرائيلية، وعندما وصلنا إلي مكان الحادث إنضم إلينا إثنين من قصاصي الأثر وقوة أخرى وخرجنا لتمشيط المنطقة بحثاً عن المخربين بإحدى مزارع الزيتون بالقرب من المحور. لقد كان حقل الزيتون كبيراً ومظلماً، وإنتقل قصاصي الآثر بسرعة بين الشجيرات بينما كنا نحن من ورائهم نحاول اللحاق بهم مثل الفئران العمياء محاولين فهم ما يحدث. وقلت في نفسي أنه من المؤكد أنهم لايرون اي آثار في هذا الظلام الدامس وكل هذا درب من الهراء.

ولكن بعد عدة دقائق من الجري المتعرج إتضح أنهم يعرفون جيدأً ما يفعلونه فقد صاحوا علينا كي نتوقف وأن نعود أدراجنا إلي الخلف فوراً لقد كانت هناك عبوة متفجرة أخرى تنتظرنا على الطريق إكتشفها قصاصى الأثر في الوقت المناسب وأنقذوا حياتنا.

لقد كان هذا هو اللقاء الشخصي الأبرز مع إخواننا في الخدمة من أبناء الطائفة الدرزية، والتي لدى كل جندى في الجيش الإسرائيلي رواية مشابهة لها.

إن عهد الدم الإسرائيلي الذي عقده الدروز مع اليهود كان في العقد الأول منذ قيام دولة إسرائيل. فمنذ 59 عام في مايو 1956، تجند 30 من الدروز الأوائل لصفوف الجيش الإسرائيلي ورافق هذه المسيرة العديد من الشكوك والمخاوف ولكنها سرعان ما تبددت وتحولت إلي قصة نجاح مبهرة، مع معدلات تجنيد مثيرة للإعجاب وصلت إلي 83% في مقابل 75% عند اليهود. فقد قدم الدروز لخدمة الدولة طيارين مقاتلين ومقاتلين في وحدات النخبة كما دفعوا ثمناً باهظاً من دماء مئات من جنود الطائفة. مثل أبطال دافيد من غير اليهود في الزمن البعيد فنحن نمتلك حالياً أبطالنا من الدروز.

والآن ومع إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي جادي أيزنكوت أمس أن الكتيبة “السيف” الدرزية سيتم حلها تم إختتام فصل هاماً جداً في القصة الإسرائيلية، إن تراث القتال الدرزي سيبقى للأبد ولكن لن يكون لديهم كتيبة خاصة بهم بعد الآن إنهم لا يحتاجون لها. كما أن صغار الجنود الدروز لا يكترثون لذلك، فهم يريدون الخدمة في الجيش الإسرائيلي الكبير وليس في كتيبة خاصة بهم فقط.

يجب أن نتوقف لحظة لنفهم إن إعلان رئيس الأركان ليس إعلاناً لوجيستياً مجرداً. فنحن لا نتحدث هنا عن طائفة من ضمن طوائف كثيرة يضمها الجيش الإسرائيلي. إن لهذا الإعلان دلالة تاريخية فقد إندمجت الطائفة الدرزية بشكل تام في المجتمع الإسرائيلي إن الدروز هم حلفاء وشركاء للشعب اليهودي في مصيره.

هناك أقليات تختلف عن أقليات آخرى

ولكن قصة نجاح الطائف الدرزية لها معنى أوسع من ذلك بكثير، فقد أثبت الدروز أن التجريد العالمي الذى يطلق عليه “أقليات”، وكأن كل الأقليات فى العالم مشتركون فى الدوافع والأيدلوجية والفن والثقافة هو تشبيه خاطيء وهدام. إلا أنه ليس هناك قالب عام من الأقليات. وليس من الصحيح دوماً إلقاء المسئولية واللوم على الأغلبية الساحقة.

ولأن هناك أقليات تختلف عن الآخرى

فإن هناك أقليات قد إختارت قواعد العمل المدني، وأن تندمج في النسيج الإجتماعي وأن تقدم إسهامات خاصة للمجتمع، بينما توجد أقليات أخرى إختارت الإنعزال وموقف الندية بل وأظهرت العداء وفي نهاية المطاف فإن هذا الأمر ما هو إلا مسألة إختيار.

وعلى الرغم من التصور الذي يرى في النظام الديمقراطي أنه غير مهتم بالتوترات الإجتماعية وذو توجه عالمي بينما الحقيقة عكس ذلك. فالديمقراطية ما هي إلا منظومة هشة من الموافقات والتسويات المتعلقة بالتعاون من جانب المواطنين. وهي لا تستطيع أن تؤدي دورها عندما لا يريد المواطنين أن تقوم بذلك الدور، لذا فالمسئولية عن الإندماج ملقاة في المقام الأول على عاتق المواطنين.

إن الأقلية المدنية التي سترفض بشدة الإندماج في المجتمع الديمقراطي ستضر بشدة بقدرة الأغلبية التي تمد يدها لمساعدتها على العمل، ليست هناك حلول سحرية لصراع كهذا ومن المستحيل أن نفرض بالقوة على أي شخص أن يندمج في المجتمع المدني.

قد لا يكون صحيحاً من الناحية السياسية أن نقول هذا ولكن المعالجة الفورية للقضايا المتعلقة بإندماج الأقليات ليست بالضرورة مشكلة الأغلبية، فليست الأغلبية ملامة دائماً على هذا، فهي لم تمارس الظلم بشكل دائم أو التمييز والتدمير، وأحياناً تكون هذه هي الرواية التي تعتمدها أي أقلية لا تريد الإندماج .

حقاً يوجد هناك دوماً مجال للتحسين والإصلاح، وتُلقي على الأغلبية مسئولية ثقيلة للمساعدة، ولكن لابد أن يجرى هذا من خلال روح تبادلية وتوافقية. وهذا ما نجح فيه الدروز بشكل كبير. لقد وضعوا معيار كبير ولكنه إجباري للأقلية العربية في إسرائيل كي تتبعه، والتي لازال بعض منها يرفض قواعد اللعبة، وأثبتوا لمواطني الدولة أنه من الممكن أن نعيش سوياً ونبني تحالفات حقيقية.