معهد دراسات الأمن القومى
أبريل 2015
يوئيل جوزنسكي
المقدمة
بدأ عدد من الدول العربية في السنوات الأخيرة في تطوير بنية تحتية نووية مدنية على أراضيها. الأردن يريد التحرك – على الرغم من الصعوبات الإقتصادية والتكنولوحية والسياسية الدائمة – مشروع نووي من أجل تلبية الطلب المتزايد باستمرار في اقتصاده المحلى فى مجال الطاقة، وهو يرفض كما هو معلوم حتى الآن أن يتخلى بشكل رسمي عن حقه في تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم على أراضيها.
بدأت دول الخليج وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة أيضاً بإجراء إتصالات مع عناصر خارجية من أجل تطوير برامج نووية على أراضيهم بل وبدأت بعضها في إقامة بنية تحتية تكنولوجية وعلمية مطلوبة لهذا الغرض.
مصر
لا يوجد لدى مصر برنامج نووي فعال في هذه المرحلة والذي يمكن أن يتحول في فترة زمنية قصيرة إلى برنامج نووي عسكري. وقد قرر الرئيسان “أنور السادات” و”حسني مبارك” ألا يقودوا مصر إلى طريق التطوير النووي العسكري، على الرغم من أن أغلب المسئولين في مصر لم يكونوا متفقين مع هذا القرار. ومصر موقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) وبمرور السنين كان مصر داعمة بصوتها لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وإتضح في السنوات القليلة الماضية أن هناك في مصر تسود حالة من الإحباط لعدم حدوث أي تقدم في تطبيق فكرة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي. وقد أصبح تطبيق هذه الفكرة بعيداً أكثر، عقب التوترات التي تحدث في العالم العربي والتي تستمر لأكثر من أربع سنوات.
أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة في مصر في عام 2012 أنه تم إصدار قرار بالبدء في مشروع هدفه إستكمال إقامة أربع محطات قوى نووية في عام 2025، وأن المفاعل النووي الأول يمكن أن يكون متصلاَ بالشبكة الكهربائية في عام 2019. أعربت مؤسسات وشركات عالمية من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وكوريا الجنوبية عن رغبتها في تقديم اقتراحات لإقامة المشروع. وحتى الآن لم يشق البرنامج النووى المدنى طريقه – بسبب الأزمة الإقتصادية الطاحنة في مصر – وبالتأكيد تبتعد مصر سنوات كثيرة عن إنتاج سلاح نووي بنفسها. وهذا على الرغم من أن لديها عدد غير قليل من العلماء والمهندسين في المجال النووي. ويعمل في مصر الآن مفاعلين صغيرين لأغراض البحث، وكل محاولاتها لإمتلاك مفاعلات القوى باءت بالفشل. لم تبدأ أعمال البناء في الموقع المخصص لإقامة محطة القوى النووية الأولى في مصر “الضبعة” والذي يقع غرب الإسكندرية. في يناير عام 2012 توقف الإعداد لأعمال البناء بعد أن سيطر مواطنين مسلحين على الموقع مدعين أن حقوقهم أُنتهكت. وفي أكتوبر 2013 بعد أن أحكمت قوات الأمن سيطرتها مرة أخرى على الموقع، أعلن الرئيس المؤقت “عدلي منصور” عن إعادة إطلاق مشروع بناء محطة القوى النووية من جديد والتي ستساعد مصر في التغلب على العجز في الكهرباء. وتم تحديد موعد تشغيل المحطة في عام 2020. وفي فبراير 2015 وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أثناء زيارته لمصر، مع رئيس مصر “عبد الفتاح السيسي” على مذكرة تفاهم للتعاون النووي بين روسيا ومصر، وتحدد في هذه المذكرة أن تبنى روسيا لمصر مفاعل الطاقة في منطقة الضبعة.
تؤكد مصر بالفعل أن أساس سعيها نحو المشروع النووي لأغراض الطاقة ولكن ثقلها الإقليمي وحقيقة أنها ترى نفسها بشكل تقليدي على رأس العالم العربي يمكن أن يدفع زعمائها لإختيار – وإن لم يكن هذا الآن – خيار تطوير السلاح النووي. ومصر لديها القدرة – سواء من ناحية البنية التحتية التكنولوجية أو من ناحية القوة البشرية – على عمل مشروع كهذا، وتوجهها نحو المسار النووي مشروط بالخصوص بقرار سياسي والإستعداد لتخصيص الموارد لذلك. وحتى اليوم، وعلى الرغم من تصريحات زعمائها فقد تم تحقيق القليل جداً من التطويرات في المجال النووي في مصر، وعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي في الدولة من المتوقع أن يعرقل تطويرات أخرى.
الأردن
يهتم الأردن، الذى يواجه طلباً متزايداً على الطاقة ووجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بإقامة محطة طاقة نووية على أراضيه. في الاردن – مثلما في مصر – هناك نشاط مكثف للغاية للحكومة الروسية. في سبتمبر عام 2014 وقع الأردن على إتفاق مع شركة روساتوم (الشركة الروسية الحكومية للطاقة الذرية) لبناء محطة الطاقة النووية في منطقة الرزقا بتكلفة حوالي 10 مليار دولار، وفي مارس 2015 قال الملك عبد الله في لقاء مع “سيرجي كيريانكو” رئيس روساتوم، أن الأردن يهتم بتوسيع نطاق التعاون مع روسيا في المجال النووي بشكل أكبر. وتعهد كيريانكو أن بلده سيزيد من عدد الطلاب الأردنيين الذين يتعلمون في المؤسسات الخاصة بالفيزياء النووية.
تم دفع التعاون بين روسيا والأردن عقب الصعوبات التي واجهت المفاوضات بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية بشأن بناء مفاعل نووي في الأردن. وكان التحدي الأكبر هو إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على أنه في مقابل التعاون النووي معها يلتزم الأردن بعدم تخصيب اليورانيوم على أراضيه. رفض الأردن هذا الشرط – وتوجه إلى روسيا. ومن المفترض أن ينتهي بناء مفاعل الطاقة في الزرقا في عام 2023. وسيساعد المملكة عند إستكماله في سد العجز في الطاقة الذي تعاني منه.
ومع هذا، تبقى هناك أسئلة كثيرة مثارة بشأن تنفيذ الإتفاق- أولا وقبل أي شئ السؤال هو كيف سيتم التمويل. وأمر آخر أكثر أهمية هو الخطر الجيولوجي المتعلق بإقامة محطة طاقة نووية في الأردن: فالزلازل تضرب المملكة بشكل دائم. الأردن يدرك ذلك، بل طلب (وحصل) من إسرائيل بيانات علمية في هذا الموضوع.
وقع الأردن في عام 2010 – قبل التوقيع على الإتفاق مع روسيا – على إتفاق مع شركة من كوريا الجنوبية لإنشاء مفاعل صغير لأغراض البحث بتكلفة 130 مليون دولار. ويؤكد الأردن دائماً أن مشروعاته في المجال النووي مخصصة لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة وأن على رأس إهتماماته إنتاج الكهرباء وتحلية المياه. وبالفعل، الزيادة في إستهلاك الطاقة في الأردن والذي يتعلق بإستيراد النفط والإستهداف المستمر لعملية تزويد الغاز من مصر بسبب الأعمال التخريبية في خط الغاز يضع الأردن أمام تحدٍ صعب.
دول الخليج
هناك حديث أخذ فى التزايد في دول الخليج بشأن الطاقة النووية، قبل الفترة التي سينفذ فيها النفط – ولكن هناك دافع آخر لذلك – وهو أمر أكثر إلحاحاً ألا وهو المشروع النووي الإيراني. وترغب إمارات الخليج فى تحقيق هدفين ضد إيران عن طريق الدخول إلى المجال النووي وهما:-
1- إيجاد حل نووي – ولو بصورة رمزية – عن طريق تطوير نووي مستقل.
2- زيادة الضغط على المجتمع الدولي عامة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة لوقف البرنامج النووي الإيراني بواسطة عقد إتفاق جيد ومرضي مع إيران.
ولأن الضغط الذى يمارس على إيران في هذه المرحلة لم يحقق هدفه، وهي مستمرة في مشروعها النووي، بدأت إمارات الخليج في تقديم مشاريع – مشتركة أو منفصلة – في المجال النووي.
المملكة العربية السعودية
ترغب المملكة العربية السعودية في تلبية حاجاتها المستقبلية من الطاقة عن طريق برنامج نووي مدنى، لتقليل إعتمادها على النفط وزيادة كميات النفط التي تقوم بتصديرها. وستتيح البنية التحتية النووية للملكة العربية السعودية توسيع القاعدة الصناعية الخاصة بها وتوفير أماكن عمل كثيرة للشباب السعودي.
لقد بدأ في المملكة تدشين عدد من المشروعات في المجال النووي حتى الآن، وتم التوقيع على إتفاقات تعاون في المجال النووي مع عدد من الدول الصناعية الرائدة، ومن بينها كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا والصين وأيضاً مع دول عربية مثل الأردن. وافادت تقارير في وسائل الإعلام السعودية أنه قد بدأت بالفعل عملية إختيار المواقع التي من المفترض أن تُقام فيها المفاعلات النووية وأن بناء المفاعل الأول من المفترض أن ينتهي عام 2020.
صرحت المملكة العربية السعودية أنها تنوى إقامة 16 مفاعل طاقة نووية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه – وسيكون أحد المشاريع العملاقة والطموحة في تاريخ المملكة – بتكلفة أكثر من 100 مليار دولار خلال عقدين من الزمان. وأحد المخاوف التي تثيرها تلك المشاريع المدنية هو إمكانية استخدمها كقاعدة لتطوير برامج عسكرية عقب التغييرات التي يمكن أن تحدث في المملكة: فالسلطة في المملكة من المتوقع أن تتغير، ويمكن أن يتغير لديها مفهوم التهديد (حيث ان الدول التى تصنف اليوم على أنها حليفاتها من الممكلن أن تصبح عدوة لها)، والتزام حليفها الأساسي – الولايات المتحدة الأمريكية – يمكن أن يقل (وهو ما سيجعل المملكة العربية السعودية تعتمد فقط على نفسها في المجال النووي أيضاً).
من المفترض أن يبدأ بناء المفاعلات فقط في عام 2017، لكن في الرياض بدأت بالفعل مدينة للأبحاث النووية وأبحاث الطاقة المتجددة العمل في عام 2010 وتحمل اسم الملك الراحل سعبد الله. وهدف هذه المدينة هو تأهيل الطاقة البشرية المطلوبة للمشاريع النووية الكثيرة. وتريد المملكة العربية السعودية مع إنهاء كل المشروعات المخطط لها أن تتمكن من تلبية حوالي نصف إحتياجاتها من الطاقة من مفاعلات الطاقة النووية ومن مشروعات الطاقة المتجددة.
تدير الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات مع السعوديين حول إتفاق من شأنه أن يمنعهم من إستغلال تلك المشروعات النووية لأغراض عسكرية، وفي المقابل يتلقون من واشنطن المعرفة والتأهيل والمواد النووية. لا تتعجل المملكة العربية السعودية في التوقيع على إتفاق كهذا، وأشارت في بعض المناسبات إلى عدم تخليها عن حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها. واثارت تلك التلميحات مخاوف من أن يكون لديها نوايا أخرى بخلاف التطوير النووي للأغراض المدنية.
لا يوجد ما يؤكد أن المملكة في نهاية الأمر ستتخلى عن مشروعها لتخصيب اليورانيوم والتوقيع على البروتوكول الإضافى للوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل المعونات الدولية، كالدعم الذي تتلقاه الإمارات العربية المتحدة مقابل تنازلات مشابهة. أوضح بعض أعضاء الكونجرس الأمريكيين بعض الشكوك حيال إستعداد المملكة العربية السعودية لقبول تلك القيود في مجال تخصيب اليورانيوم وأعربوا عن قلقهم من التداعيات الإقليمية التي يمكن أن تحدث بسبب ذلك.
بالإضافة إلى المخاوف من البرنامج النووي السعودي هناك خوف من أن تختصر السعودية الطريق وتحصل على سلاح نووي مباشرة من باكستان. يبحث السعودين إمكانية تطوير سلاح نووي في باكستان عن طريق منشآتها النووية، وهذا بحسب أخبار عديدة تم نشرها. ويدرس السعوديين إمكانية أخرى لشراء سلاح نووي بطريقة مباشرة تصنعه باكستان. وتأتى رغبة السعوديين في الحصول على سلاح نووي سريعاً بسبب خوفهم من أن إيران بالفعل أصبحت دولة على أعتاب القدرة النووية معترف بها ومقبولة برعاية الإتفاق النووى الذى توشك على التوقيع عليه مع الغرب والذى سيتم بعده رفع العقوبات الدولية عنها.
أعلنت المملكة العربية السعودية التي تتابع بخوف المفاوضات بين القوى العظمى وبين إيران، صراحةً في مارس عام 2015 ان “ما ستحظى به إيران في المحادثات – سنطلبه نحن أيضاً”. ومعنى هذا الأمر ان المملكة العربية السعودية يمكن أن تطالب بالإعتراف بـ”حقها” في ان تكون دولة ذات قدرة نووية مثل إيران. ومن هنا فإن الوصول لإتفاق مع إيران – الموجود على رأس الأولويات بالنسبة للإدارة الأمريكية – يمكن وبشكل مناقض أن يدفع سباق التسلح النووي ولا يبطئه، كما يتمنى الأمريكيين. وكما تم التوضيح عاليه فإنه بدون التطرق إلى مسألة هل سيتم في نهاية الأمر الوصول لإتفاق مع إيران أم لا، بدأت المملكة العربية السعودية فى إتخاذ خطوات فعلية لإقامة محطات قوى نووية.
إذا قررت الرياض بالفعل الحصول على سلاح نووي من المنطقى جداً الإفتراض بأن هناك دول أخرى في المنطقة ستتبعها فى ذلك. ولذلك يجب أن نفرض أن الولايات المتحدة الأمريكية ستمارس الضغط الشديد على المملكة العربية السعودية كي لا تسير فى هذا المسار. لكن النظام السعودي الذي يرى فى الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً غير جدير بالثقة ويشعر أن بقائه في خطر، من الممكن أن يصل إلى إستنتاج مفاده أنه من الأفضل له السعي لتحقيق ردع نووي مستقل حتى لو كلفهم الأمر المواجهة الشديدة مع الأمريكيين.
الأمارات المتحدة
حققت الأمارات العربية المتحدة التقدم الأكبر والأسرع في الطريق نحو إقامة مفاعلات طاقة نووية. من المتوقع ان تصل الحاجة للكهرباء في الإمارات في عام 2020 إلى حوالي 40 جيجاوات، بينما تنتج اليوم حوالي نصف هذه الكمية. والإعتماد الحصري على مصادر الطاقة المتجددة – مثل الشمس والرياح – غير ممكن، وذلك يمكن أن يزودها بحوالي 7 % فقط من إحتياجاتها. وقد وقعت الإمارات في عام 2009 على إتفاق مع شركة من كوريا الجنوبية (بمبلغ 20 مليار دولار) لبناء وتشغيل أربع مفاعلات طاقة نووية في برقة بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية.
إنصبت قبة المفاعل الأول في بداية عام 2015 والعمل على بناء المفاعل الثاني والثالث في ذروته. إن لم تحدث أي عراقيل فإن توقيت الإنتهاء من المفاعلات كالتالي: المفاعل الأول من المتوقع أن يكون متصلاً بشبكة الكهرباء في عام 2017، والمفاعل الثاني في عام 2018، والثالث في عام 2019 والأخير في عام 2020.
جدير بالذكر أن المشروع النووي للإمارات المتحدة يتفق بمستوى عالي مع معدلات الأمان والشفافية مع هيئات الرقابة الدولية ومن بينهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد تخلت الإمارات بإرادتها عن تخصيب اليورانيوم على اراضيها وأعلنت أنه سيتم الإعتماد فقط على الوقود النووي الذي يتم إستيراده من دول أخرى، ومنها فرنسا وروسيا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك من المتوقع أن تكون الإمارات المتحدة أول دولة عربية تقوم على اراضيها بتشغيل برنامج نووى مدنى.
الخلاصة
هل المجهود الرائع في الدول العربية – وخاصة في الإمارات الخليجية – لأقامة محطات الطاقة النووية سيؤدي فى نهاية الأمر إلى سباق تسلح نووي؟
يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تتعلق بشكل كبير بما سيحدث في إيران. إذا حصلت إيران على تفويض من القوى العظمى بأن تصبح دولة نووية، ومن المنطقى أن نفترض أن تسعى دول أخرى في المنطقة للوصول إلى مكانة مماثلة – أيضاً إذا كان الثمن المواجهة مع الإدارة الأمريكية والتي تعمل بكل قوتها لمنع هذا التطور في الأحداث. وحقاً حتى اليوم لم تبدأ أي دولة عربية في العمل الفعلي فى منافسة المشروع النووي الإيراني، ولكن بعض الدول قالت على الأقل على المستوى التكنولوجي والعلمي أنه ليس في نيتها البقاء في المؤخرة وأشارت إلى نواياها في الحفاظ على خيار تخصيب النووي لأنفسهم. وبالإضافة لذلك مثلما تم التأكيد يبدو أن لدى المملكة العربية السعودية برنامج – وربما إتفاق مع باكستان – يتيح لها، هكذا هي تتمنى، في أن تتزود على وجه السرعة بالسلاح النووي إذا اقتضت الحاجة.