19-5-2015

بقلم: جلعاد تسڤيك

أبرز خبراء السياسة الخارجية الأمريكية يقول “مستشاري أوباما اليهود أضلّوه” ويوضح طرق التعامل الإسرائيلى مع أوروبا والولايات المتحدة وكيف تخرج من إطار المطالب الفلسطينية والدولية لها حول حقوق الفلسطينيين وحل الدولتين

صرح وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، يوم الجمعة الماضي لمجلة ” دير شبيجل” الألمانية قائلاً “إنه من المرجح جداً أن نوّقع قريباً على اتفاق نهائي مع الدول العظمي” بخصوص الملف النووي الإيراني. في يوم السبت، في بيانٍ لاحق، افترض وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” أن اتفاقاً مع الإيرانيين يكاد يكون أمراً واقعاً، ثم بالغ بقوله إن الصفقة المرتقبة مع النظام الآياتى قد تكون لها “انعكاسات إيجابية” أيضاً على النظام في كوريا الشمالية. فمن وجهة نظر “كيري”، زعيم كوريا الشمالية، “كيم كونج أون”، قد يشعر بالغيرة من الإيرانيين بسبب الرخاء الذي سيشهدونه بفضل الاتفاق – وسيقرر من تلقاء نفسه أن يتخلص من السلاح النووي في سبيل النهضة الاقتصادية والسياسية لدولة الرعب المنغلقة.

يصغي البروفيسور “وولتر راسل ميد”، أحد أبرز الخبراء في السياسة الخارجية في الولايات المتحدة وأستاذ جامعي في جامعة ييل وكلية بارد الأمريكية، باهتمام كبير للتفاؤل العالمي الذي ينشره “كيري” و”ظريف” في الفضاء الدبلوماسي – ويمتلئ قلقاً. يؤكد “ميد” الذي زار مؤخراً إسرائيل كضيف على مركز “بيجين – السادات” للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان قائلاً: “في الوقت الراهن، هناك رابح واحد فقط من المحادثات النووية وهو إيران”.

إن رؤى البروفيسور “ميد” يُمكن العثور عليها حالياً في أبرز الصحف في العالم: “وول ستريت جورنال”، “واشنطن بوست”، “النيويوركر”، و” Foreign Affairsالشؤون الخارجية” فقط حتى ندرك مدى أهميتها في نظر صانعي القرار، ويجدر بنا أن نعرف حقيقة أن كتابه (“إشراف خاص”: سياسات الخارجية الأمريكية وكيف غيّرت العالم (2001) قد حصل على جائزة “ليونيل جلبر” لأفضل كتاب بالإنجليزية في مجال العلاقات الدولية. وقد أشاد قسم الكتب الخاص بصحيفة “نيويورك تايمز” بكتاب آخر أصدره “ميد” في عام 2005، (“السلطة، والإرهاب، والسلم والحرب”: الاستراتيجية الأمريكية في عالم معرض للخطر”. وفي أكتوبر 2007 أصدر كتاب (“الإله والذهب”: بريطانيا، وأمريكا، ونشأة العالم الحديث”، الذي وصفته “ذي إيكونومست”، و”فايننشال تايمز”، و”واشنطن بوست” بأنه واحد من أفضل الكتب المرجعية في ذلك العام.

والآن، في حوار حصري لموقع “ميدا” يوضح “ميد” كيف لا يفوّت الرئيس الأمريكي فرصة إعطاء مزايا للعناصر المتطرفة والخطرة في الشرق الأوسط حيث قال “إنني لا اتفق مع نظرية المؤامرة التي تشير إلى أن “أوباما” رجل اشتراكي – مسلم كاره لإسرائيل. فطوال مشواره المهني السياسي، منذ أيامه في شيكاغو، كان “أوباما” محاط بدوائر يهود أمريكان ليبراليين على قناعة شديدة بأنهم يعرفون مصلحتهم أكثر من الإسرائيليين. إنهم يشجعونه فيما يخص إسرائيل، لكنهم في الحقيقة يضلّلونه”.

“الطريق إلى وقف الاتفاق يمر من السعودية”

في نهاية مارس الأخير نشر “ميد، الذي هو بمثابة زميل وضيف في معهد “هودسون” وكاتب ومحرر في موقع ” American Interest”، مقال دعا فيه أنه على ضوء الاتفاق الجاري تشكيله بين الدول العظمى وإيران، “يتخلى الكونجرس عن أوباما”. في المقال رسم “ميد” أربعة سيناريوهات مختلفة بخصوص الاتفاق النووي. السيناريوهان الأكثر واقعية، بحسب “ميد”، لا يبشران بخير: توقيع الاتفاق الذي يمنحه الكونجرس تصديقاً نسبياً يمثل “انتصار باهظ الثمن” بالنسبة لـ”أوباما”؛ أو وقوع خيار أسوأ من ذلك ألا وهو سقوط الصفقة، وتخطي الدول العظمى لمسألة العقوبات، فيما تدفع إيران بالعملية صوب صناعة القنبلة النووية.

مضى نحو شهرين على نشر المقال، و”ميد” على قناعة بأنه منذ ذلك الحين ووضع الرئيس الأمريكي يزداد سوءاً. يقول “ميد”: “يبدو أن “أوباما” لا يستيقظ صباحاً ويشعر بالرضا لما بدا عليه حال الشرق الأوسط. الآن يكّلفه الأمر ثمناً سياسياً باهظاً أكثر مما خطط له – سواء من ناحية دبلوماسية – دولية أو من الداخل الأمريكي. إن الإيرانيين في حالة من الرضا الشديد عن المسار الذي تسير فيه الأمور لأنهم قبل أن يتنازلوا عن شيء، كانت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها – السعودية، وإسرائيل، ومصر والإمارات العربية المتحدة – في حالة صعبة للغاية بسبب الاتفاق الجاري تشكيله”.

في يوم الخميس الماضي وافق مجلس النواب الأمريكي على القانون الذي يسمح للكونجرس بالإشراف على الاتفاق النووي الجاري تشكيله مع إيران، بعد أسبوع من مصادقة مجلس الشيوخ عليه أيضاً. هذا القانون، الذي تم الموافقة عليه بغالبية ساحقة تصل إلى 400 مؤيد مقابل 24 معارض، سيمنح الكونجرس القدرة على مصادقة أو رفض أية صفقة بعد التوقيع عليها بشهر، في حين تبقى العقوبات كما هي سارية خلال تلك الفترة. بالرغم من أن الجمهوريين قد تمكنوا من تمرير القانون، إلا أن “ميد” لا يشعر بالتفاؤل حيال قدرة الكونجرس على تخطي ڤيتو الرئيس. قال “ميد” “حالياً، لا يبدو أن هذا سيحدث” ولكنه سرعان ما أوضح أن “أوباما” من المتوقع أن يمر عبر طريق مليئة بالعقبات، حتى في حالة حدوث التوقيع. “أولاً، الأمر مرهون بما سيحتويه الاتفاق. فإن قدّم “أوباما” تنازلات أكثر مما قدّم حتى الآن، ستزداد حدة الصراع مع الكونجرس”.

ما رأيك في تصرف “نتنياهو” بخصوص محاولته لوقف الاتفاق النووي؟

“لا يمكن أن نصف سياسة “نتنياهو” بأنها سياسة ناجحة. إنني لا يمكنني أن أشير إلى خطأ بعينه، لكن من الواضح جداً أن خطاب “نتنياهو” في الكونجرس قبل الانتخابات في مطلع مارس الماضي لم يؤثر على الأحداث”.

كيف ينبغي أن تتصرف إسرائيل في حالة التوقيع على اتفاق مع إيران؟

“يبقى الأمر مرهون بما سيتضمنه الاتفاق. من الواضح جداً أن إسرائيل لا تعلم حقاً بتفاصيل الاتفاق، بل إنها تحيط فقط بالإطار العام. إنها في الحقيقة لا تعرف ما هي الشروط التي وضعتها الدول العظمى أمام إيران بشأن إزالة العقوبات”.

في الوقت الذي لاتنجح فيه إسرائيل، بحسب “ميد”، في التأثير على جدول أعمال البيت الأبيض في السياق الإيراني، يلتفت الخبير الأمريكي إلى شبه الجزيرة العربية كمنطقة سيأتي منها الخلاص. يقول “ميد”: “تتمتع المملكة العربية السعودية بوفرة من الموارد البشرية والاقتصادية وهو ما يمكنها من محاربة الاتفاق حتى داخل الولايات المتحدة. في الوضع الراهن يبدو أننا نسير نحو عاصفة دبلوماسية. لقد اعتقد “أوباما” أن المحادثات مع إيران تدور فقط مع مجموعة الدول 5+1 (الولايات المتحدة، الصين، بريطانيا، روسيا، فرنسا + ألمانيا)، لكن في الحقيقة إنها خمس دول إضافة إلى أربعة آخرين، بما فيها الكونجرس الأمريكي، وإسرائيل والدول السنية التي على رأسها السعودية. لم تأخذ الإدارة الأمريكية الدول السنية في الحسبان عندما سعت إلى بلورة اتفاق مع إيران، والآن يدرك “أوباما” أن عليه أن يكسب دعمها أو على الأقل يضمن عدم معارضتها حتى يحظى الاتفاق بالشرعية. وإنني أشك في أنه سيفلح في ذلك”.

قاطع ملوك السعودية والبحرين والإمارات مؤتمر دول الخليج الذي عقده “أوباما” الأسبوع الماضي في كامب ديفيد. هل هذه وسائل ضغط أخرى تخدم السعوديين والدول السنية؟

“سيقوم أفراد من جماعات ضغط سياسية من قبل السعودية، ومصر، وتركيا، ودول سنية أخرى بالتوضيح لأعضاء الكونجرس الديموقراطيين أنه في حالة امتلاك إيران لأسلحة نووية، سيبدأ سباق تسلح نووي عام في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيشكل سيناريو مرعب جداً للأمريكان”.

“أوباما فوّت فرصة إضعاف إيران”

إضافة إلى نشاط جماعات الضغط السياسي في الولايات المتحدة، ستستغل الدول السنية أيضاً الحرب الأهلية في سوريا لمحاربة الإيرانيين، على هيئة مدّ مساعدات إلى أفراد “جبهة النصرة” التابعة للقاعدة، الذين يحاربون نظام “الأسد” وحزب الله – اللذان تدعمهما إيران. قال “ميد” على قناعة من أمره: “لقد كانت لـ”أوباما” فرصة لإحراز انتصار استراتيجي على إيران، لو قام بمساعدة الثوار من قبل في المرحلة الأولى من الحرب وأسقط “الأسد”، لكانت هذه هي الضربة الأشد ألماً على الإيرانيين. نصر الله وحزب الله كانوا منفصلين وربما محطمين، وكانت حماس وقتها بمعزل عن إيران، وحتى لو أصبحت سوريا فوضوية بعد ذلك، فهي كذلك على كل حال اليوم، على الأقل كان سيصبح الإيرانيون ضعفاء وكان “أوباما” سيدخل المحادثات النووية مع الإيرانيين بموقف أقوى”.

وجهة النظر التي تفيد بأن الولايات المتحدة كان عليها أن تتدخل وتقف في صف الثوار من بداية الحرب في سوريا لا يتبناها “ميد” وحده، بل يشاركه فيها رئيس الـ CIA ووزير الدفاع السابق في عهد “أوباما”، “ليون بانيتا”، الذي اتهم الرئيس الأمريكي بعد استقالته من منصبه بأن ضعفه أدى إلى تقوية داعش والإسلام المتطرف. يؤمن “ميد” بأنه على الرغم من عجز “أوباما”، إلا أنه لم يفت الأوان بعد للتدخل لصالح الثوار في سوريا، بما في ذلك غزو بري للدولة، مثلما قامت قوة دلتا التابعة للجيش الأمريكي بتصفية قيادي في داعش، ” أبوسياف” في “حقل العمر”، بدير الزور شرق سوريا. “إن وصل “أوباما” إلى اتفاق مع الإيرانيين وتم رفع العقوبات عنها، سيكون لدى إيران سيولة من الأموال لتضخها لقوات “الأسد” وحزب الله – خطوة من شأنها أن تغير من وجه المعركة في سوريا. ليس هناك أسوأ انتصار “الأسد” بالنسبة لإسرائيل، حتى لو وصل الأمر إلى أن تسيطر القاعدة على سوريا”.

وماذا عن سيطرة داعش على الحدود مع إسرائيل؟

“لا اعتقد أن هذا ما سيحدث لأن هناك مقاومة شديدة ضد داعش داخل سوريا”.

هل تؤيد أيضاً فكرة غزو أمريكي لليمن للتصدي للحوثيين المدعومين من قبل إيران؟

“كلا. سوريا في نظري، دولة أكثر تمزقاً من اليمن، حيث سيبدو غزوها مثل أفغانستان أو العراق. في سوريا أيضاً تمارس أعمال شنيعة يجب إيقافها”.

“إسرائيل لا يمكنها أن تتخلى عن فكرة الدولة الفلسطينية”

أدلى “ميد” بصوته لصالح “أوباما” في انتخابات 2008. وعلى حد أقواله، انتخاب “أوباما” لم يرجع إلى إيمان متقد بقدرات أول رئيس أسود للولايات المتحدة بل يرجع في الأساس إلى رؤية رصينة لأنه في ختام الثمان سنوات تحت حكم “جورج بوش”، لم تكن أمريكا معنية برئيس جمهوري. قال “ميد”: “لم يكن الجمهوريون قادرون على حكم البلاد، لو كان “ماكين” هو من فاز، لكان الكونجرس الديموقراطي قد فرض عليه الانسحاب من العراق وأفغانستان. كما لم أتصور كيف كان سيتمكن “ماكين” من أن يصبح فعّالاً أمام الانهيار الاقتصادي الذي اجتاح البلاد في ذلك الحين”.

متى أدركت أخيراً الأمر حول أوباما؟

“لم تكن هناك لحظة واحدة مماثلة. ببساطة لقد ازداد الأمر سوءاً. لم تكن الثلاث سنوات الأولى بهذا السوء من ناحية السياسات الخارجية، بما فيها تصفية “بن لادن” التي كانت خطوة إيجابية. بدأ يتغير الأمر بالانسحاب من أفغانستان والعراق”.

وماذا عن خطاب “أوباما” في القاهرة في يونيو 2009، الذي زرع في عقل “أبو مازن” فكرة أنه لا يجب إدارة مفاوضات مع إسرائيل طالما لا تجمد البناء في المستوطنات؟

“الخطاب في حد ذاته لم يكن خطأ. فرئيس أمريكي متضامن مع إرادة إسلامية تتوق للحرية ويريد تطهير الأجواء الملوّثة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي هي خطوة سديدة. المشكلة هي أنه كالعادة لدى “أوباما”، الأفكار الجيدة تُنفذ بطريقة سيئة أو لا تتم من خلال تفكير مسبق”.

كيف ترى المبررات التي تقف وراء أفعال أوباما، بالنسبة للصراع؟

“لقد كان له خطئان يتشارك فيهما أيضاً المفهوم الغربي الخاطئ حيال الصراع:

أ- أن حل الصراع مرهون بإسرائيل أكثر من الفلسطينيين.

ب- أن حل الصراع سيقود إلى سلام ثقافي بين الغرب والإسلام المتطرف.

 لقد اعتقد “أوباما” أنه إذا ضغط فقط على إسرائيل لتقدم تنازلات، يتم التوقيع على اتفاق.  لقد كان ذلك خطأ. كان من الممكن أن “أبو مازن”، شخصياً، كان مستعداً أن يذهب بعيداً مع التنازلات، لكن هو يعلم أنه لن يتمكن من أن يسحب الشعب الفلسطيني معه”.

لقد كتبت مؤخراً أن الليبراليين في الولايات المتحدة يعيشون في وهم أن الإسلام المتطرف يمقت فقط المحافظين في أمريكا، في حين أن كراهيتهم متأصلة أكثر بكثير، ومتوجهة للثقافة الأمريكية كلية، وقيم الحرية التي تمثلها. أتعتقد بأن هذه الحجة تنطبق أيضاً على كراهية إسرائيل؟

“إن الرأي العام الفلسطيني هو رأي متنوع، وهناك أشخاص على استعداد بأن يفعلوا أي شيء حتى يتحقق السلام مع إسرائيل. لكن هناك كتلة حرجة من الفلسطينيين ليسوا على استعداد بأن يوافقوا أيضاً على المقترحات المبالغ فيها بشدة التي تقدمها إسرائيل، مقترحات مثل التي قدمتها إسرائيل في عهد أولمرت 2008. تاريخياً، الفلسطينيون في غزة أكثر تشدداً من الفلسطينيين في الضفة الغربية، لأن في غزة معظم السكان لاجئون. فإن قلت لهم ذات يوم أنهم مواطنون فلسطينيون أحرار، لكنهم سيستمرون في البقاء في معسكرات اللاجئين من دون أي أفق لتقدم اقتصادي، فلن يمثل السلام لهم أي شيء. لن يكون لديهم مصلحة في أن يضحوا بشيء في سبيل سلام مماثل”.

في أغسطس الماضي قالت “هيلاري كلينتون” للصحفي “چيفري جولدبيرج” أن الآن، على ضوء الفوضى المستشرية في الشرق الأوسط: “إن نتنياهو لن يستطيع أن ينسحب إلى حدود 67 بضمير صافٍ يحافظ على أمن مواطنيه”. وعلى عكس ذلك، إدارة “أوباما” هاجمت بشدة تصريح “نتنياهو” عشية الانتخابات الأخيرة حيث أكد حينها أنه لن تُقام دولة فلسطينية خلال فترة حكمه الحالية. بعد الإنتخابات، حينما أوضح “نتنياهو” أنه يقصد بأن دولة فلسطينية في تلك المرحلة بعيدة المنال، لكنه مبدئياً، يدعم حل الدولتين – أوضح “أوباما” أنه غير مقتنع بتصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي. قال “ميد”: “من المرجح جداً أن يكون “أوباما” والبيت الأبيض ربما قد وجدا فرصة لمناطحة “نتنياهو. لكن بنظرة أوسع، الجمهور الأمريكي يشعر بأن “نتنياهو” لم يبد ندماً حقيقياً على تصريحاته بشأن الدولة الفلسطينية”.

ألا تعتقد أنه مع تنظيمات مثل “داعش”، والقاعدة، وحماس وحزب الله، تكون فكرة الانسحاب الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية قد أفلست؟

“هناك أمران مختلفان. في أمريكا يسود فهماً بأن إسرائيلا الآن لا يمكنها أن تترك الضفة الغربية. حتى الانفصال بين غزة والضفة لا يسمح بإقامة اتفاق الآن، ناهيك عن وضع اللاجئين الصعب، خاصة في سوريا، حيث لم يتضح بعد كيف سيخدمهم اتفاق سلام أيضا. من جانب آخر، الجمهور الأمريكي، يضم مسئولون موالين لإسرائيل بشكل واضح، وسيتعذر بشدة قبول فكرة عدم إقامة دولة فلسطينية مطلقاً، حتى لو في المستقبل البعيد. أساس إعلان الاستقلال الأمريكي، وأحد الأركان المؤسسة لأمريكا هو حق تقرير المصير. من اللحظة التي عرّف الفلسطينيين فيها أنفسهم بأنهم شعب، لا يمكنك أن تقول إن ليس لهم حق في دولة.

“إن الموافقة المنطقية للصهيونية على تقسيم أرض إسرائيل، في مقابل الرفض العربي، تمثل حجة رئيسية من جانب أولئك المؤيدين في الجانب اليهودي للصراع. على إسرائيل أن تذكر تلك الحقائق عندما ترغب في التبرؤ من فكرة الدولة الفلسطينية، خاصة عندما تبني مستوطنات. في الولايات المتحدة، مثلما في أوروبا أيضاً، يرون في الدفع بالبناء في المستوطنات دليل على أن إسرائيل لا ترغب بصدق في تحقيق حل الدولتين. إنني لا أعتقد بأن كل ما يقع خلف حدود 67 سيبقى في يد إسرائيل، لكن ما يحدث في الخليل وفي أماكن أخرى في الضفة لا يصب في المصلحة الإسرائيلية، كما أن الحكومات الإسرائيلية ترتكب أخطاء فادحة من وجهة نظري في مستوطناتها في الضفة الغربية”.

“إسرائيل حظت بأرض، والفلسطينيون حظوا بسرد تاريخي”

ينتقد “ميد” سياسات البناء التي تتبعها إسرائيل في المستوطنات، ولكن لم يمنعه ذلك أيضاً من انتقاد نظرائه بشدة أيضاً في الغرب لعلاقاتهم المتلّونة والتقليدية بدولة اليهود. يقول “ميد” بنصف ابتسامة “هناك الكثيرون في الغرب يعتقدون بأن إسرائيل هي نسخة فاشلة من الدنمارك”. ثم يضيف قائلاً: “يطالبون إسرائيل أن تسير وفق معايير أخلاقية راقية، لا يضعها الغرب حتى لنفسه. يتساءل الغرب لماذا إسرائيل ليست كما الدنمارك، بدلاً من التعجب من حقيقة مدى اختلاف إسرائيل عن اليمن على سبيل المثال”.

في عملية الجرف الصامد غمرت شوارع مدن الغرب مظاهرات ضد إسرائيل تنديداً بالمذبحة على ما يبدو التي ترتكبها بحق الفلسطينيين. ومن جهة أخرى، عندما قطع داعش رؤوس الفلسطينيين في مخيم اللاجئين في اليرموك، لم يتفوهوا بكلمة. هل من الممكن أن يكون الغرب معنياً بمحو إسرائيل أكثر من الاهتمام برفاهية الفلسطينيين؟

“”يدّعي الغرب أن إسرائيل لا تكترث كفاية بشأن الفلسطينيين، ولكن بحسب رأيي، من لا يأبه لأمر الفلسطينيين هي تلك الدول الغربية. يقول الناس في الغرب لأنفسهم “إنني لست مع إدخال اليهود لمعسكرات تركيز، وبالتالي فأنا لست معادٍ للسامية”. لقد حوّلنا النازيين إلى رمز للاسامية، من دون أن نفهم أن الكثير من أولئك الذين حاولوا اغتيال “هتلر” لم يفعلوا ذلك حباً في اليهود، بل لأنهم اعتقدوا بأن “هتلر” مخطئ من ناحية استراتيجية. هناك عامل لكراهية غير منطقية لليهود راسخة في الثقافة الغربية، وتتجلى مراراً وتكراراً على هيئة ترديد لآراء مسبقة، أحيانا بلا وعي، عندما يهاجمون إسرائيل. لكن هناك عاملاً آخر، من تجريد وتسطيح للواقع”.

كيف تجلى هذا التجريد؟

“على نطاق واسع، حظيت إسرائيل بأرض، بينما حظي الفلسطينيون بسرد تاريخي. إن الصراع منحصر في إلقاء اللوم على إسرائيل، لكنهم نسوا أن الانتداب البريطاني، الذي استند بقدر كبير إلى وعد بلفور، قد تحقق بموجب قرار عصبة الأمم. لقد تخلى المجتمع الدولي عن التزامه بالجماعتين في فلسطين، ومن هنا اندلعت حرب 48”.

“اليوم، ينجح الفلسطينيون بشدة في إخفاء ممارستهم المنظمة للإرهاب أمام الغرب، لذا الفكر التجريدي السائد في عواصم أوروبا هو أنه لو لوَيْنا للإسرائيليين ذراعهم، فسيتنازلون للفلسطينيين وحينها بأعجوبة سيتحقق السلام. وهناك البعض في الغرب مقتنع بأن اليهود ما هم إلا غزاة أوروبيين لأرض كانت ملكاً للفلسطينيين، فيما يغفلون حقيقة أن نصف مواطني إسرائيل اليهود قد جاءوا من الدول العربية، معظمهم أُخرجوا من ديارهم، مثل اللاجئين الفلسطينيين في 48. إنني أتساءل لماذا لا تنفذ هذه الحقيقة البسيطة إلى الناس، لكن خلاصة القول أن إسرائيل فشلت في توضيحها”.

كيف يُمكن للغرب أن يتكاتف من أجل تحقيق تسوية؟

“أولاً، إقامة صناديق تمويل دولية بغرض عمل تعويضات شاملة لكافة اللاجئين من جراء الصراع – الفلسطينيون الذين أخرجوا من أراضي دولة إسرائيل اليوم، واليهود الذين أخرجوا من الدول العربية. من وجهة نظري، اللاجئون الفلسطينيون “الأصليون” فقط الذين أخرجوا من ديارهم بمقدورهم أن يعودوا إلى أرض إسرائيل. حتى هؤلاء لم يتبقى منهم الكثيرون”.

نسمع زعيم حماس، “إسماعيل هنية”، لا يتوقف عن الحديث عن تدمير إسرائيل، وفي جامعة بير زيت فازت حماس لأول مرة منذ 2007. ربما ترغب في مساعدة الفلسطينيين في إقامة دولة بجوار إسرائيل، لكن كل مبتغاهم في الحقيقة هو أن يحلوا محل إسرائيل؟

“إنني حقاً لا أعرف إن كان الفلسطينيين سيستجيبون للمقترحات التي أطرحها هنا أم لا. لكن يجب أن نذكر أيضاً أنه مثلما فازت حماس في جامعة بير زيت، وربما تفوز في الانتخابات العامة في الضفة، إلا أنها على ما يبدو تخسر إن كانت تلك الانتخابات قد أجريت في غزة. الخلاصة هي أنه لا أحد من الفلسطينيين، سواء في غزة أو في الضفة، راضٍ عن حكوماتهم. الآن، بالنسبة للإسرائيليين اتفاق سلام مستقر وآمن يحل الكثير من المشكلات، أما بالنسبة للفلسطينيين فلا يحل إلا القليل”.

المشكلة أن العالم يعرّف طفل في الثامنة من عمره، هرب جده أو طُرد في 48 على أنه لاجئ أيضاً. ليس لمثل هذا مثيل في العالم أجمع. تبقى منظمة الاونروا جزءاً من المشكلة، ولا تمثل الحل. ألم يحن الوقت لحلّ هذه المنظمة؟

“من دون مساعدة الأونروا، اللاجئون، أو كيفما تسميهم، سينهارون. الأونروا على ما يبدو لن تختفي وكذلك أيضاً وصف اللجوء اللازم للفلسطينيين. ما يجدر القيام به هو إخراج إسرائيل من خط الجبهة، خاصة على المستوى التوعوي، وتحويل حل الضائقة الفلسطينية إلى قضية دولية. الآن تمتلك السلطة الفلسطينية قبعتين: من ناحية، هي جهة من المفترض أن تؤسس يوما ما دولة فلسطينية صغيرة تقوم على أراضي الضفة الغربية؛ ومن جانب آخر، حركة قومية تمثل مئات الآلاف من الفلسطينيين في سائر أرجاء العالم. هذا النشاز هو من وجهة نظري السبب الذي لم يجعل أي زعيم فلسطيني يستجيب حتى اليوم أيضاً للمقترحات المبالغ فيها بشدة التي قدمها الإسرائيليين. هناك أناس كثر في الولايات المتحدة وفي الغرب لا يدركون أنه من الصعب بالنسبة للفلسطينيين أن يصنعوا السلام أكثر من الإسرائيليين”.

“هيلاري أكثر تشدداً من أوباما”

لقد صعقت نتائج الانتخابات في إسرائيل الكثيرين من رجال الإعلام الإسرائيليين، الذين اعترف بعضهم صراحة أنه على الرغم من أن “نتنياهو” قد اكتسح بما يقارب مليون صوت من مواطني إسرائيل، إلا أنهم لا يعرفوا شخص أدلى بصوته لصالح الليكود. “ميد” في الحقيقة ليس إسرائيلياً، كما أنه لا يعرف العبرية، لكن يفضل أن يكون على صلة أكثر بالواقع من المحررين والكتاب في دولة اليهود. زعم “ميد”: “إن فوز “ديفيد كاميرون” في بريطانيا أمر فاجئني أكثر من فوز “نتنياهو” في إسرائيل. ما فاجئني حقاً هو الائتلاف الصغير الذي شكّله “نتنياهو” بعد إنجاز مدهش أحرزه في الانتخابات”.

في الختام، هناك بضعة أسئلة قصيرة سأطرحها عليك ما رأيك حول الموقف الذي تبنّاه الإسرائيليين في انتخابهم لنتنياهو؟

“إن كنت إسرائيلياً أنظر إلى ما يجري من حولي في الشرق الأوسط، فلا بأس إن انتخبت شخص ما حتى وإن لم يكن مثالياً أو الأفضل على الإطلاق، لكنه الأكثر خبرة ومعروف”.

لم يحاول البيت الأبيض مطلقاً أن يخفي دعمه لـ”هرتسوج”. هل هذا تصرف لائق من وجهة نظرك؟

“هناك خصومة شخصية بين “أوباما” و”نتنياهو”، فمثلما حاول “نتنياهو” أن يختلق المشكلات لـ”أوباما” قبل الانتخابات الرئاسية في 2012 وفي خطابه الأخير في الكونجرس، يحاول “أوباما” أن يضر “نتنياهو”. يعتبر “أوباما” نفسه معاد لليكود، وليس معاد لإسرائيل، وهو حتماً يشعر بأن الفجوة بينه وبين “هرتسوج” ضئيلة جداً عنها بينه وبين “نتنياهو”.

هل تشعر بالقلق حيال العلاقات الإسرائيلية الأمريكية إثر تردي العلاقات بين “نتنياهو” و”أوباما”؟

“ما يزداد سوءاً حقاً في الفترة الحالية لـ”أوباما” هي علاقات الولايات المتحدة مع الدول السنية، خصوصاً السعودية وليس مع إسرائيل”.

هل ترى وجود فرق واضح بين “هيلاري كلينتون” و”أوباما” في أسلوب تعاملهما مع الشرق الأوسط وإسرائيل؟

“أجل. طبيعة “كلينتون” أكثر تشدداً من طبيعة “أوباما” فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، وهذا ينطبق أيضاً على أسلوب تعاملها مع إسرائيل”.

على افتراض أن تيد كروز سيكون المرشح الجمهوري للرئاسة لعام 2016، من سيكون الأفضل لليهود – هو أم كلينتون؟

“إن فاز الجمهوريون – ستعم البهجة ناخبي الليكود. وإن فاز الديموقراطيون – سيفرح ناخبي العمل. لا توجد هنا إجابة قاطعة”.

أيمكنك أن تتفهم خوف الإسرائيليين من أنه في العام ونصف الذي تبقوا على انتهاء فترة حكمه، سيقدم “أوباما” إسرائيل قرباناً على مذبح مكانته في كتب التاريخ، كمن وقّع على صفقة مع إيران؟

“إن كنت إسرائيلياً لشعرت بالقلق من الوضع الراهن، لكنني أرى أن اليهود في إسرائيل قلقون منذ نهاية القرن التاسع عشر. فطالما عاشوا فى محيط عدواني، وفي الماضي كانت الفرص ضد إسرائيل أكثر بكثير من اليوم. لقد واجهت إسرائيل رؤساء أمريكان لم يسيروا معها على نفس المسار ونجحت في أن تنتصر عليهم. إنني على قناعة بأنها هذه المرة ستعثر على حل أيضا”.