مازال موعلام

“أُنتخبت حكومة لها أجندة واضحة وهي أمن المواطنين في كل أنحاء إسرائيل وأيضاً في الضفة. محظور على من يجلسون على المقاهي أن يحددوا جدول أعمال الدولة”. وهذا هو جزء الرد الذي أرسله عضو الكنيست الجديد التابع لحزب الليكود “أورن حزان” عقب قرار رئيس الوزراء ووزير الدفاع بتعليق نظام الفصل في الأوتوبيسات بين اليهود والفلسطينيين في الضفة.

وفقاً للخطة وعلى عكس الوضع الحالي الذي فيه الفلسطينيين دخلوا إلى إسرائيل من أجل العمل يستطيعون العودة في المواصلات العامة مباشرة إلى داخل مناطق الضفة، وسيكون عليهم النزول من الأوتوبيسات على مداخل المناطق لكي يمروا بالتفتيش الأمني. وبالفعل هذا النظام يخلق وضع بموجبه سيكون على الفلسطينيين مغادرة الأوتوبيس بينما سيظل المستوطنين اليهود في الأوتوبيس مستكملين طريقهم إلى بيوتهم.

فضلاً عن إدعاءات العنصرية (سواء كان هذا ظاهرياً أو كان فعلياً)، تشكل الخطة أيضاً إساءة مبالغ فيها للعمال الفلسطينيين العائدين من يوم عمل ويحتاجون الآن للإنتظار لساعات في نقاط التفتيش. هذا وبالأخذ في الإعتبار العمل الذي حسب موقف قائد قيادة المنطقة المركزية السابق “نيتسان ألون” لا توجد مشكلة أمنية في حركة العمال الفلسطينيين بالنسبة لإسرائيل، فأي شخص يدخل إلى إسرائيل يحتاج في كل الأحوال إلى تصريح من الشرطة وجهاز خدمات الأمن العام (الشاباك) وأيضاً يمر على التفتيش الذاتي.

كان عضو الكنيست حزان وهو من سكان منطقة أريئيل التي تقع في الضفة، ضمن مجموعة من نشطاء مجلس الضفة والذين قادوا في السنوات الأخيرة الكفاح من أجل عملية الفصل في الأوتوبيسات بين اليهود وبين الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم بعد العمل في إسرائيل. ولم يكن حزان هو عضو الليكود الوحيد في هذه المجموعة. كان إدعاء قادة الكفاح حول الرغبة في منع تضرر اليهود وزيادة أمنهم الشخصي، حيث أعتمدوا على شهادات ركاب إدعوا أنهم يقعون ضحايا مضايقات الفلسطينيين بشكل يومي.

تلك الإدعاءات قيلت مراراً وتكراراً لسنوات عدة، وتمت مناقشتها في منتديات أمنية كثيرة. ولكن منذ عام 2013 عندما آلت وزارة الدفاع إلى الوزير ورئيس هيئة الأركان العامة السابق “موشيه يعلون” من حزب الليكود – حظيت مجموعات الضغط من الضفة بإهتمام وقرب لمراكز السلطة الحكومية العليا. وأعتبر يعلون أحد الشخصيات المقربة للمستوطنين في الضفة، حيث يرى فيهم قاعدة للقوة السياسية كعضو في حزب الليكود. بالإضافة لذلك، إن تأرجح حزب “البيت اليهودي” في السنوات الأخيرة ودخوله إلى حكومات نتنياهو خلق محور آخر من الضغوطات من جهة مجلس الضفة على السلطة.

فعلى سبيل المثال، أدار عضو الكنيست “موتي يوجاف” من حزب البيت اليهودي عقيد إحتياط ويسكن في مستوطنة دوليف، صراعاً طويلاً لصالح الفصل كعضو اللجنة الخارجية والأمن في الكنيست. حين نُشر هذا الأسبوع (20 مايو) عن بداية نظام الفصل، أسرع يوجاف إلى مباركة القرار ورأى في ذلك إنجاز شخصي وسياسي له. وقال في الرد على النقد الذي وجه للقرار، أن كل منتقدي القرار “لا يعرفون الواقع وكلامهم منمق بالنفاق والكذب وعدم الشعور بالمسئولية. فالواقع الفعلي هو ان العرب من الضفة يعيشون هنا في مستوى جيد جداً أكثر من أي دولة عربية مجاورة”.

دافع يعلون أيضاً عن قراره وقال أن “لا يوجد فصل. الدولة المتقدمة يجب ان تتحقق من الداخل إليها والخارج منها وهذا هو ما يحدث فقط”. لكن محاولة إعطاء تفسير أمني للحماقة الأخلاقية المستنفرة للفصل في الأوتوبيسات لم تعد واقعية. لم تستغرق الإدعاءات أكثر من ساعات معدودة حتى أمر نتنياهو بوقف خطة نظام الفصل، ليس قبل أن يحدث الضرر الظاهري والدبلوماسي لإسرائيل على مستوى العالم، بما في ذلك الإستيطان في الضفة.

كان الفصل الأمني إثبات على وجود العنصرية في إسرائيل. وفهم نتنياهو على الفور الضرر المحتمل الذي يكمن في الإختلاط فى الأوتوبيسات والفصل فيها، في الحديث الدولي المتحضر، وخصوصاً في الذاكرة الجماعية الأمريكية وجنوب أفريقيا. ظهرت في السنوات الأخيرة كلمة “العنصرية” كثيراً مرتبطة بالإحتلال الإسرائيلي في الضفة. لذلك أدرك نتنياهو أن عليه إتخاذ إجراء سريع لتقليل الأضرار وأمر بالتجميد الفوري للخطة.

دليل آخر على التسرع والتهور الذي نُفذ به هذا الإجراء كان إرتباك نائب وزير الدفاع الجديد “إيلي بن دهان” من حزب البيت اليهودي والذي أراد الرد على تجميد نظام الفصل ولكن إضطر بشكل غريب الإعتراف بأنه لم يتم إبلاغه بما يحدث. وقال بن دهان “أقول صراحة لم اعلم بذلك، ولم يبلغوني. أنا أعتقد انه من غير المناسب إرسالي للرد دون أن أعرف عن ذلك”، وقال “انا أعترف أن هذا إجراء غير صحيح وغير مناسب، وأنا سأُعلمه”.

قال نائب الوزير في لقاء لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “كانت في نفس الوقت محادثات وإتصالات بينه (يعلون) وبين رئيس الوزراء، وعندما كنت على المنصة أصدروا القرار بتأجيل تطبيق نظام الفصل وعلمت بذلك متأخراً جداً”. يعترف مسئول رسمي من الحكومة الإسرائيلية صراحة أنه كان هناك حافز كبير لرئيس الوزراء لإبلاغ وسائل الإعلام والعالم بإلغاء القرار، قبل المسئولين الرسميين في الوزارة. ومع هذا، هو نفسه لا يرى أي مشاكل في المشروع. وقال “أنا لا أرى في ذلك عنصرية”.

هل هناك علاقة بين توقيت القرار وبين حقيقة أن في إسرائيل حلفت في الأسبوع السابق حكومة يمين متشددة اليمين بدون أي مسئول معتدل من اليسار-الوسط؟ يبدو أن الإجابة إبجابية. كان المشروع على جدول الأعمال قبل سنة او سنتين، وبدأ الضغط من المستوطنين آنذاك. لكن الآن حيث أن وزير الدفاع هو شخصية مقربة للمستوطنين، ونائبه من حزب البيت اليهودي، و”تسيفي ليفني” التي حاولت تقديم المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة السابقة، تجلس في المعارضة – فهذا طبيعي ألا نجد أي من يوقف هذا الإجراء باستثناء رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”.

أعرب هذا الأسبوع الكثير من المسئولين رفيعي المستوى من حزب الليكود ورجال اليمين بشكل قاطع عن وقوفه ضد الخطة ولكن لم يعد أياَ منهم في الكنيست او الحكومة – وهو دليل آخر لتطرف السلطة في إسرائيل. رحب الرئيس “رؤوبين (روبي) ريبلين” بتأجيل المشروع وقال “جدير بالذكر أن سيادتنا تلزمنا بأن نثبت أنه بمقدورنا العيش جنباً إلى جنب”. هاجم الوزير السابق من حزب الليكود “دان مريدور” هذا الإجراء بشدة: “كيف يستطيع إنسان أن يفكر فى أننا في دولتنا، الديمقراطية ولا نقول يهودية، سنقول ‘اليهود هنا والعرب هناك‘ – وهذا لا يوحي لهم بأي شئ؟ وحسب كلامه هذا قرار صادم يستحضر صوراً صعبة من ماضينا.

من الجيد أنه تم تأجيل نظام الفصل وسيكون أفضل كثيراً إذا تم إلغائه. لكن هذا الحدث يشكل تحذيراً لنتنياهو، وحتى إشعار جديد يقف على رأس حكومة يمين ضيقة. فيجب على نتنياهو ان يراقب ويكون حذراً من الإنتهازية السياسية من جانب وزراء آخرين. وإلا فإن سيحتاج كل أسبوع إلى معالجة أزمة سياسية من هذا النوع، وهذا في فترة سياسية متوترة جداً من ناحية السياسة الخارجية الإسرائيلية.