شاؤول منشيه

 

صدرت أحكام بحق الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي” وبحق عدد من قادة “الإخوان المسلمين”، منهم “محمد بديع” و”خيرت الشاطر”. هناك دوائر عربية ودولية منشغلة بالقضية ويتساءلون هل حقاً ستُنفذ الأحكام.

وكعادتها، أحالت المحكمة أوراق الحكم إلى فصل المفتي في القضية، حيث يتطلب إبداء الرأي في تنفيذ أحكام الإعدام بحق زعيم بارز، تروٍ وتأنٍ في إعمال الفكر بدرجة كبيرة للغاية.

هناك عدة عناصر على القيادة المصرية أن تنظر فيها:

  • إن تنفيذ حكم الإعدام بحق من انتُخب في انتخابات رئاسية ديموقراطية سيثير اعتراض وستعقبه احتجاجات على الساحة الدولية، وبالفعل بدأ يزيد الضغط الدولي على الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في هذه القضية.
  • إن تنفيذ الحكم قد يُصَّعد موجة الاحتجاجات وأعمال العنف المنتشرة في كل أرجاء مصر. ينبغي الأخذ في الحسبان أن “الإخوان المسلمين” مازالوا يحظون بتأييد واسع.
    لقد تبع تنفيذ حكم الإعدام بحق إرهابيين عاديين قبل بضعة أيام بحق مخربين ينتمون إلى جماعة “أنصار بيت المقدس” احتجاجات أقل شدة من تنفيذ حكم مماثل بحق زعيم ورمز جماعة “الإخوان المسلمين”.
  • مجرد إحالة القضية إلى سلطة دينية مثل المفتي للفصل النهائي فيها تُعتبر خطوة تشير إلى احترام النظام للدين والشريعة، خلافاً لما يدّعي “الإخوان المسلمين”.
  • هناك احتمالاً مرجحاً بأن يُعلّق الرئيس “السيسي” الحكم بناء على نصيحة المحلل السعودي الشهير “طارق الحميد”، وفي نهاية الأمر سيلغي عقوبة إعدام “مرسي” ويغيّرها بالسجن. وبذلك تتعاظم صلاحية “السيسي” ونظامه ويحظون برصيد من الاحترام والاعتدال.

غيرها تسقط أما هي فلا

ينشغل المحللون البارزون في العالم العربي في الفترة الحالية بتحليل هذه الظاهرة العجيبة بأن أنظمة جمهورية وثورية سقطت أو تزعزعت واهتّزت من جراء “الربيع العربي”، في حين تبقى الأنظمة الملكية على حالها بل وأثبتت استقرارها. فمثلاً، الأنظمة في تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا قد سقطت أو على وشك السقوط، بينما الممالك والإمارات مثل الأردن، والمغرب، والسعودية، والبحرين، والإمارات الخليجية الست مازالت قائمة، وأنظمتها آخذة في تدعيم سلطانها واستقرارها.

كتب الكتاب “أحمد الدويس” في صحيفة “السياسة” الكويتية يوم الإثنين الموافق 27 أبريل 2015 أن:

“العالم المعاصر كله مضطرب تقريباً ماعدا الأنظمة الملكية. فأنظمة الخليج مستقرة وكذلك الأنظمة الملكية في هولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج. أما معظم الدول فتعاني من الاضطرابات الداخلية سواء في آسيا أو حتى دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا. فرغم ثروات أمريكا الجنوبية والوسطى وجذبها السياحي إلا أنها تعيش معاناة يومية من جراء تدهور الأمن والإنسان فيها لا يأمن على حياته”.

“لم يسقط النظام الملكي لأنه نظام مستقر، بل سقطت أفكار من حرض على الانقلاب. لقد كان بعض العرب يراهن على سقوط أنظمة دول الخليج، ولم يحدث ذلك، بل سقطت دولهم”.

كتب الكاتب الفرنسي “جون مارتينز” في كتابه الجديد “محمد السادس – ملك الاستقرار”:
“لم تتأثر المغرب من الاضطرابات التي اجتاحت سائر الدول العربية، لأن النظام الملكي في عيون الشعب يتميز ببعد روحاني تقليدي – لم يتواجد في الأنظمة التي سقطت”.

فضلاً عن أنه لا يوجد تناحر بين الأحزاب في المغرب على الزعامة الدينية، نظراً لأن الملك يحمل لقب “أمير المؤمنين” بفضل النسب النبوي لعائلته الملكية“.

“إن المغرب هي الجدار الذي تبقى خارج حدود تمدد الجماعات المتطرفة العاملة على حافة شاطئ أفريقيا الشمالي، بالرغم من النشاط المكثف لجماعة “بوكو حرام” والقاعدة”.
ينبغي أن نضيف أن الأسرة الهاشمية الأردنية يرجع نسبها إلى عائلة النبي “محمد”، وينادي الشعب الأردني الملك الأردني بلقب: “سيدنا”.

تتمتع الأنظمة الملكية بشرعية داخلية، في حين يجب على الأنظمة التي قامت بعد انقلابات عسكرية أن تُظهر ولاءات لأفكار ومشروعات كبرى، مثل الازدهار الاقتصادي، الذي لا تفلح غالباً في تحقيقه، ومن ثم تتوجه إلى ممارسة العنف لوقف احتجاج رعاياها.
تنبأ اللواء (احتياط) “عاموس يدلين”، رئيس معهد دراسات الأمن القومي من الأشهر الأولى لاندلاع “الربيع العربي”، بالاستقرار والصمود الراسخ الذي تحلت به الأنظمة الملكية أمام الموجات الهدّامة، في توضيحه أن:

  • الأنظمة الملكية التقليدية رمز للشعب وتمثيل مبجل له.
  • الأنظمة الملكية لا تتعهد بوعود كثيرة ومبالغ فيها، وبالتالي لا يصاب الشعب بخيبة أمل عندما لا تتحقق الآمال.
  • القانون والنظام يتم تنفيذهما منذ عشرات السنوات.
    إلى هذه الحجج يجدر بنا أن نضيف أيضاً ثراء بعض الأنظمة الملكية، مثل السعودية ودول الخليج، ما سمح لها بأن تتخذ خطوات قاسية من أجل التصدي لهذه الموجة، عن طريق الإنفاق والاهتمام برفاهية شعوبها. فمثلاً، خصصت العائلة المالكة السعودية من المال الاحتياطي 135 مليار دولار للإسكان والخدمات الاجتماعية. ومع ذلك، يجدر التوضيح أنه حتى الأنظمة الملكية غير الثرية، مثل الأردن والمغرب، أثبتت استقرارها.
    فضلاً عن أن ثروات “الربيع العربي”، وتغيير الأنظمة الذي تبعها لم تأت بالخير. بل على العكس، تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول التي انجرفت للموجة الثورية وزاد سوءا. حتى وضع حقوق المواطن فيها انحدر بشدة. لذا، الشعوب في الدول التي لم تصاب بالعلة الثورية ورأت ما يجري في دول “الربيع العربي” – توخت حذرها. لقد تعلمت الدرس وارتدعت، وكتأثير الدومينو، فشل “الإخوان المسلمين” في مصر أصاب جماعات مشابهة في دول عربية أخرى.
    وهكذا أصبحت الممالك والإمارات محور الحسد لباقي الدول في العالم العربي.