جدعون ليفي
اليكم القضية التى لا يستطيع أي شخص أن يدعي أى من الإدعاءات الخمس التالية:
- أن إسرائيل هي دولة قانون.
- أن النظام في مناطق الإحتلال ليس ديكتاتورية عسكرية.
- أنه لا يوجد في إسرائيل إعتقالات سياسية.
- أن هناك أى صلة –ولو ضعيفة- للنظام القضائى العسكرى في المناطق المحتلة، بالقانون وللقضاء.
- على ضوء كل ما سبق – لا يمكن لأحد أن يدعى أن إسرائيل دولة ديمقراطية.
هل يبدو هذا انه مبالغ فيه؟ أحياناً تكفي حالة واحدة لإثبات ذلك.
عضوة البرلمان الفلسطيني “خالدة جرار” موجودة منذ شهرين رهن الإعتقال ولا أحد ينبس بكلمة. قالت إسرائيل في البداية سيتم نفيها لستة أشهر إلى اريحا – فرفضت جرار الإعتراف بصلاحية أمر النفى. فراوغ الجيش الإسرائيلي. وحينئذ أرسلت للإعتقال الإداري كإنتقام على رفضها النفى – وفزع الجيش الإسرائيلي من موجة الإحتجاج الدولية بسبب إعتقالها دون محاكمة قانونية. صدر قرار بتقديمها للمحاكمة. ويجب تدريس لائحة الإتهام التي بها أكثر من 12 بند، في كل كليات الحقوق: هكذا يلفقون التهم الباطلة ويفبركون لائحة الإتهام، هكذا تتعامل المنظومة التي تتجرأ على تسمية نفسها “بالمنظومة القضائية”، مع “قضاة” و”مدعين”، و”أحكام” و”مداولات”. فجميعهم يلعبون دوراً في حفل تنكري سخيف، يأخذون بجدية أدوارهم – والنتيحة أمامكم.
جرار ناشطة سياسية مخضرمة، وماضيها نظيف حتى في أعين سلطات الإحتلال، وتم إختيارها في إنتخابات ديمقراطية، وتقاتل من أجل حقوق النساء وتحرير الأسرى، وهي متهمة بمجموعة من الإتهامات يمكن وصفها بالمهزلة. بماذا لم تتهموها؟ على أن إعترضت على الإحتلال، وأنها زارت معتقل تم إطلاق سراحه، انها دعت لإطلاق سراح زعيم الحركة التي تنتمي إليها (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، أنها شاركت في معرض كتب وحتى “أنها سلمت على النشطاء وتمنت نجاح الكتب في المعرض”، أنها أجرت لقاء، وأنها ألقت خطاباً، وأنها شاركت في المعرض وربما لمرة واحدة، حتى في ظل الشك في لائحة الإتهام، حرضت على إختطاف جنود من أجل تحرير المعتقلين. 12 بند من العار لصائغى لائحة الإتهام – تعتبر من أكثر المستندات القضائية الساخرة التي كتبت هنا، حتى في القضاء العسكري. وهذه لا تفرق بين “الجبهة الشعبية” وبين “الجبهة الشعبية – القيادة العامة”، حيث فيه يرد القاضي التحية للمدعي الذي يعلوه في الدرجة العسكرية، وهما الإثنين يرتدون الكيبا وربما يكونون مستوطنين – مصادفة طبعاً، هذا لا يؤثر على وجهة نظرهم، وبالطبع لا يؤثر على تعاملهم. فى النظام القضائي الذي لم يجتهد ليترجم للمتهمة أقوال القاضي، وفيها قاضي يعرقل تنفيذ قرار الإفراج عنها لمدة 72 ساعة، والتى تحولت بطريقة ما إلى أسبوع من الإعتقال … ليس هناك من يحصى ذلك.
قضت جرار نهاية هذا الأسبوع في السجن. بعد أن عرف القاضي العسكري بأن لائحة الإتهام جوفاء أمر بإطلاق سراحها بكفالة، واستأنف المدعي العام. قبلت المحكمة الإستئناف وأمر بإبقائها رهن الإعتقال حتى نهاية الإجراءات. تعلم المحكمة لماذا تلغي قرار القاضي “حاييم بليلتي”، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه إذا أمرت المحكمة بإطلاق سراحها، سيتم إرسالها للإعتقال الإداري. سلطة القانون.
برلمانية نسائية، وتشريعية وطنية، ولديها إصرار وشجاعة، رهن إعتقال باطل – وكأنه لم يحدث شئ. إجتهد مجموعة من أعضاء الكنيست اليساريين الحقيقيين لزيارتها أو الحديث في موضوعها، وسواهم – صمت مطبق ولامبالاة تامة. لم يثير ذلك رئيس الكنيست، ولم تنبس رئيسة المحكمة العليا بكلمة، وصمت رئيس مكتب المحامين. ومثلهم منظمات نسائية وأغلبية وسائل الإعلام.
سيأتي اليوم وهم (ربما) ويُسألوا: أين كنتم عندما ألقيت جرار في السجن؟ ما فعلتم حينها؟ هل فهمتم أنه بصمتكم المخزي ساعدتم إسرائيل لكي تكون دولة إعتقالات سياسية – فاليوم جرار وأنتم غداً؟