زاكى شالوم
سُئل الرئيس أوباما أثناء اللقاء الذي أجراه مع صحيفة “العربية” (15 مايو 2015) عن العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية وإمكانية التقدم نحو تحقيق رؤية الدولتين لشعبين، والتي سعى إليها بجهد كبير منذ دخوله إلي البيت الأبيض في بداية عام 2009. وأكد الرئيس أن هناك تحدٍ صعب وأنه يبحث إعتبارين، يوجهانه في هذا الشأن: من جهة، دعمه الحماسي –على حد وصفه- في إسرائيل، وعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية. قال أن لإسرائيل لديها مخاوف أمنية مشروعة، ومن ناحية أخرى أوضح أنه تمسك بفكرة إقامة دولة فلسطينية، كحل وحيد -في رأيه- لضمان مستقبل دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ومحنة الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق الضفة وقطاع غزة. أكد الرئيس مرة أخرة خلال التصريحات الأخرى في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2015، ومن ضمنها اللقاء الذي أجراه للصحفي “جفري جولدبرج” والخطاب الذي ألقاه في أحد المعابد في واشنطن، أكد فيه الرئيس أن هذا الحل هو الأفضل لتلبية الإحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل على المدى الطويل وأيضاً سيناسب القيم اليهودية التي قامت عليها دولة إسرائيل. أوضح الرئيس أنه يدرك أن هذا الحل سيلزم إسرائيل بالمخاطرة ولكن حسب كلامه المخاطر المرتبطة بإستمرار الوضع الحالي أكثر وأوقع منها. ومع هذا، على اساس وجهة نظره “للسياسة الداخلية” في إسرائيل وفى الأوساط الفلسطينية، قال الرئيس، أنه سيكون من الصعب جداً خلق الثقة بين الطرفين تتيح إنفراجة سياسية.
تطرق الرئيس في حديثه عن المنظومة السياسية في إسرائيل وتشكيل حكومة ضيقة عقب الإنتخابات الأخيرة، ذات تنوع يميني واضح. وبخصوص الشأن الفلسطيني يمكن التقدير بأنه تطرق إلى الإنقسام بين السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على الضفة وبين حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وقال الرئيس لدى كلا الطرفين هناك أناس لديهم رغبة طيبة ويفهمون الحاجة إلى الوصول إلى تسوية. ولكن للأسف الشديد، طغت في السنوات الأخيرة “سياسة الخوف” على “سياسة الأمل”، بسبب الأوضاع المتقلبة في الشرق الأوسط كله. ووفقاً لهذا خلٌص الرئيس إلى أن عملية بناء الثقة بين الأطراف ستستغرق وقتاً أطول.
تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الظروف الحالية محاولة بناء الثقة من جديد بين الأطراف ليس في إطار تسوية سياسية شاملة، والتي حسب كلام الرئيس ليست ممكنة خلال السنة القادمة. وذكر الرئيس في هذا الشأن بعض المشروعات المتفق عليها لإعادة إعمار قطاع غزة، وإتفاقيات ذات طابع إقتصادي إجتماعي إلخ… ويثق الرئيس أن تلك التنسويات المحدودة ستعزز من المنطق الذي يدعم في الأساس حل الدولتين.
بالإضافة لذلك، أكد الرئيس على المخاوف من استمرار الوضع السياسي الحالي، التي سمعت في قطاعات كبيرة في إسرائيل. وحسب كلامه، يجب على إسرائيل الإعتراف بأنها لن تستطيع أن تكون دولة يهودية ولا دولة ديمقراطية، إذا إستمر الوضع الحالي دون تغيير. ومن ناحية أخرى، لن يستطيع الفلسطينيين ذلك دون الإعتراف بدولة إسرائيل، حيث أن دولة إسرائيل هي حقيقة قائمة. ويعكس حديثه الوعي بأن المطالبة الإسرائيلية من الفلسطينيين لا تقتصر على الإعتراف بإسرائيل كدولة لها سيادتها فقط، لأن هذا أعطى لإسرائيل في إطار إتفاق أوسلو، بل الإعتراف بها كدولة قومية للشعب اليهودي – هذا المطلب ترفضه السلطة الفلسطينية. ولكن إمتنع الرئيس عن التطرق بوضوح ومباشرة لهذا الموضوع، ويمكن التقدير بأن هذا كان متعمداً. وأوضح وزير الخارجية “جون كيري” أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بالأساس بضرورة أن يعترف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، وفي وجهة نظره يجب أن يكون التساؤل متى وكيف سيتم هذا جزءاً من المفاوضات بين الأطراف وواضح أن هذه المرحلة لن تأتي مع بداية المحادثات بل في نهايتها.
تتضمن تصريحات الرئيس بعض النقاط المثيرة للإهتمام والجديدة. أولاً، أبدى الرئيس رغبته في الحفاظ على التوازن بين إسرائيل والفلسطينيين. وحتى الآن، وخلال فترة ولاية الرئيس أوباما، كانت تهمة غياب أي تقدم في عملية السلام ملقاة على دولة إسرائيل بشكل عام، وعلى رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” بشكل خاص. وكان العنصر الأساسي الذي ذُكر في هذا الشأن هو عملية بناء المستوطنات في الضفة، والتي تم التأكيد على أنها العائق الأساسي للتقدم في العملية السياسية. وألقى وزير الخارجية كيري من جانبه اللوم بالفشل في المحادثات التى تمت بقيادته بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على إسرائيل. ويمكن أن نفهم مما قال في 8 أبريل 2014 أن الإعلان عن بناء 700 وحدة سكنية في القدس، هو ما أدى إلى وقف مجيئه مبعوثاً إلى المنطقة. ولكن امتنع الرئيس في لقاءاته وحديثه الذي ألقاه مؤخراً عن إلقاء اللوم مباشرة على إسرائيل وعلى رئيس الوزراء نتنياهو، وأكثر من ذلك ظهرت حقيقة ان موضوع المستوطنات لم يُذكر بتاتاً في حديث الرئيس. وإذا كان الأمر كذلك فإن تطرقه لـ “ثقافة الخوف” المسيطرة على “ثقافة الأمل” كان يقصد به نفسه.
أظهر حديث الرئيس أوباما ميله إلى الإبتعاد عن التمسك بالتوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية شاملة – وهو الهدف الذي سعى إليه منذ تولى هذا المنصب. ومن ناحية أخرى، أظهر دعم واضح لإتخاذ خطوات محسوبة ومحدودة، خصوصا ذات طابع إقتصادي هدفها خلق حالة من الثقة والتعاون، حتى في ظل غياب التسوية السياسية. من قبيل الثقة بأن التعاون الذى سينشأ سيسهل على مدى السنوات القادمة بلورة تسوية. طرحت مقترحات من هذا النوع في الماضي عن طريق مسئولين حكوميين وأكاديميين في إسرائيل، ولكن لم يتم تبنيها بواسطة إدارة أوباما. ويبدو الآن أن الرئيس أيضاً مستعد لمتابعة تطبيقها بجدية.
هناك تغير آخر في وجهة نظر الإدارة للعملية السياسية، وهو أن الرئيس لم يضع جدول أعمال محدد للوصول إلى التسوية. ومعنى هذا التغيير، هو إعتراف من جانب الإدارة أنه يجب إعطاء الوقت اللازم لإجراءات إعادة بناء الثقة وللمفاوضات، بدون تحديد جداول زمنية صارمة وغير واقعية. وأوضح الرئيس علناً أن الحديث يجرى عن عملية بطيئة لإعادة بناء الثقة. وبإستثناء ذلك، وافق الرئيس على القول الشائع في إسرائيل أن عدم الإستقرار في الشرق الأوسط يمكن أن يزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية، والتي يمكن أن تضمن إستقراره لسنوات عدة.
قال الرئيس في لقائه لقناة العربية تلك الأقوال، بعد عدة أسابيع من توضيح البيت الأبيض أنه لا يدعم نية فرنسا في طرح القضية الفلسطينية على مائدة النقاش في مؤسسات الأمم المتحدة على المدى القريب. وأوضح رجال الإدارة الأمريكية أن الإدارة تهتم بشدة بالمفاوضات النووية مع إيران وبضرورة إنهائها بتسوية حتى نهاية شهر يونيو، وأنه سيتم تأجيل القضية الفلسطينية حتى الإنتهاء من الشأن الإيراني.
وفي ترتيب هذه القضايا هناك تجديد. نادت إدارة أوباما على مدار سنوات بنظرية “الربط”، والتي وفقاً لها لا يمكن عرقلة معالجة العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين عقب القضاء على التهديد الإيراني، مثلما تطالب إسرائيل، وأنه سيكون للتنسيق الإسرائيلي الفلسطيني نتائج إيجابية على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الإسلامية، وبالتالى- على قدرتها على التوصل إلى تسوية أيضاً، إيجابية من جانبها مع إيران. تثبت التصريحات التي قيلت في هذا الشأن مؤخراً بواسطة رجال الإدارة الأمريكية البعد عن هذه النظرية، كدليل على الإعتراف بأن التسوية الإسرائيلية الفلسطينية قاب قوسين أو أدنى.
وتثبت التصريحات الأخيرة للرئيس أوباما صراحة أنه يولي أهمية كبيرة للتقدم في رؤية الدولتين. وعلى ذلك، يجب الإفتراضب أن هذه القضية ستعاود الظهور مرة أخرى على جدول الأعمال اليومي للإدارة الأمريكية حتى نهاية المفاوضات بين إيران والقوى العظمى الغربية بشأن النووي. واوضح الرئيس أنه يعتقد أن حل الدولتين يناسب قيم ومصالح دولة إسرائيل وانه يعترف بالمتطلبات الأمنية لإسرائيل (أعطت الإدارة تعبير ملموس لذلك في المؤتمر الإستعراضي لـ NPT ( معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية) والذي أقيم مؤخراً عندما أوقف مشروع قرار مصري لعقد مؤتمر دولي في السنة القادمة لنزع الأسلحة النووية من الشرق الأوسط) ومع هذا، ربما يتوقع الرئيس أن إسرائيل ستعمل بمبدأ “ثقافة الأمل” وستقدم بمبادرة منها، تسوية سياسية. من الممكن أن يدل الإستعداد الذي أظهره رئيس الوزراء نتنياهو في لقائه مع وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي “فيدريكا مورجيني” لمناقشة موضوع الحدود ومستقبل الكتل الإسستيطانية في الضفة على الحاجة إلى بلورة رد لتوقعات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية – وإن كان من صعب الإفتراه بأن الحكومة الإسرائيلية بتشكيلها الحالي، سترغب أو ستستطيع العمل بشكل حقيقي في هذا الإتجاه.