خمسون لوناً لليمين فى إسرائيل ولا وجود ليسار أو وسط

من الواضح أن فوز اليمين في الانتخابات الأخيرة كان حاسماً ومصيرياً أكثر مما كان يبدو عليه في البداية؛ لقد كان انتصاره عظيماً لدرجة أن الجميع يرغب في محاكاته. وهكذا ترتسم الخريطة السياسية المُحدثّة لإسرائيل بين الليكود والقائمة المشتركة: العمل – ليكود لليهود الأشكناز؛ يش عتيد – ليكود لسكان رامات هاشارون؛ كولانو – ليكود لليهود الشرقيين؛ وميرتس – في الطريق أيضاً.

وقد أفاد “يوسي ڤيرتر” أول أمس في صحيفة “هآرتس” أن “زهاڤا جلئون” تبحث انضمام حزبها إلى أحزاب “اليسار – الوسط”، التي تسلك مسار اليمين بأقصى سرعة في هذا الوقت. وبعبارة أخرى: “حتى أنتِ يا ميرتس؟!. فقد أوضحت “جلئون”، وبلغة بسيطة قائلة: “من المستحيل أن نظل غير واعين لمزيد من الوقت. إنني أنوي أن اتبني نهج الوسط، لأنني حصلت على عدد قليل من المقاعد وأصبحت غير ذات صلة بالأمر. الأمور صحيحة، بالتأكيد، لكن نظامها بالذات مقلوب: أولاً تبنت نهج الوسط، وبعد ذلك أصبحت غير ذات صلة بالأمر. والآن فقط عليّ أن تتحدّ مع حزب يميني متنكر وبعدها ستصبح ذات صلة بالأمر، وفقًا لمنطق قيادتها. “الهدف هو إعادة اليسار إلى الحكم. ربما سيعود إلى الحكم، ولكنه لن يكون يساراً بعد. لأي غرض سيعتلي الحكم؟ ما الذي سيفعله هذا اليسار بالتحديد مختلفاً؟ وما الفرق بينه وبين الحزب الأصلي، الذي سيطر على الخريطة الأيديولوجية؟

إن سباق الذيول المستعر في الطريق إلى تحويل البلاد بأسرها إلى ليكود واحد كبير يقوده زعيما الـ “المعارضة”، “يتسحاق هرتسوج”، و”يائير لابيد”. الأول قال: إنني لست يسارياً، والثاني اتشح بوشاح الصلاة (الطاليت)؛ وكان هناك البعض ممن أيّدوا تغليظ العقوبة على راشقي الحجارة، وحتى “لابيد” أيّد حكم الإعدام على راشق الحجارة (بأيدي قائد اللواء الذي قتله). سواء كان يسار – وسط أو وسط – يسار – فجميعهم يمين.

مؤتمر “إسرائيل الآن” الذي عقدته أول أمس حركة “السلام الآن” عكس جيداً هذا التغيير المصيري الذي يحدث أمام أعيننا. لقد كان منظماً جيداً، جاد، في صلب الموضوع، وبحضور حاشد. وبدقة شديدة تمكن من التعبير عن خطورة الوضع. في الوقت الذي لا يوجد عضو كنيست يهودي واحد تأتي مقاومة الاحتلال على رأس أولوياته؛ وفي الوقت الذي تصرح المعارضة بأنه “ليس هناك معارضة وائتلاف” في كافة القضايا الهامة المطروحة على جدول الاعمال؛ وعندما يتطلع الجميع إلى اليمين، فقط إلى اليمين، تنكشف الصورة الحقيقية بالأخص في مؤتمر اليسار. فعلى سبيل المثال في الجلسة الجريئة في حد ذاتها، التي ناقشت المقاطعة الدولية على إسرائيل. وجدوا أن ذلك ليس أمراً عجيباً: لم يكن هناك عضو كنيست يهودي واحد، سواء من العمل أو من ميرتس، أيّد المقاطعة. ففي الوقت الذي يؤيد فيه العالم أجمع واليسار كله المقاطعة، كان اليسار لدينا ضد المقاطعة. فقد قال “إيتسيك شمولي” إن هدف المقاطعة هو تسويد صورة إسرائيل، وقالت “ميخال روزن” إن النضال يجب أن يكون من الداخل، وقال “ميكي روزنتل” إن المقاطعة سلاح مرفوض. جميعهم أجمعوا على أنه يجب الوصول إلى حل الدولتين.

الوصول إلى ماذا؟ وكيف الوصول؟ عن طريق الرأي العام في إسرائيل، الذي يزداد تعصباً أكثر وأكثر؟ عن طريق اليسار – الوسط الذي لم يعد يتحدث حتى عن تجميد المستوطنات؟ عن طريق جولة أخرى من إراقة الدماء، والتى ربما ستغير مواقف إسرائيل؟ مؤتمر “إسرائيل الآن” الذي نظمته حركة “السلام الآن” اتضح أول أمس كيسار بلا برنامج، كإسرائيل بلا بديل، كمعسكر سلام من دون فكرة. جميعهم أشخاص طيبون، مشبعون بحسن النوايا. لكن ما الذي يريدونه؟ وكيف بالضبط سيحققون هدفهم؟ يجوز بالطبع ترديد رفض المقاطعة، التي قال عنها بجرأة “تسالي ريشيف”، أحد مؤسسي “السلام الآن”، إنه ليس له تأثير. لكن يجب أن نطرح بديلاً: هذا بالتأكيد ليس لدى اليسار الإسرائيلي ليطرحه، خلال انسياقه وراء اليمين.

خاتمة: أثناء خروجي من المؤتمر صادفت “ياعيل ديان”، مثيرة للإعجاب. من كرسيها المتحرك، الذي تستخدمه أحيانا بسبب مرضها، أوضحت أن عليها أن تسرع للعودة إلى منزلها – فقد نفذ الأوكسجين من الأنبوب الخاص بها.

جدعون ليڤي