على الرغم من أن التوقيت يبدو أنه جيداً جداً ولو على سبيل الصدفة فإن المناورة التي بدأت يوم الإثنين الماضي ليست لها علاقة على الإطلاق بالنقاش المستعر على نتائج لجنة لوكِر. فقد تم تحديد موعد المناورة سلفاً وظل ذلك بصورة سرية بإستثناء عدد قليل من أمناء سر من ضباط القيادة العامة في رئاسة الأركان- وكان هذا يسبق الجدل الذي يدور حول تضخم ميزانية الأمن . لقد كانت المناورة المفاجئة هي الثالثة خلال خمسة أشهر ونصف الشهر في ولاية رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد جادي أيزنكوت الأمر الذي يعكس سلم أولوياته وهو الحفاظ على أعلى مستوى من الجاهزية والتأهب لدى الوحدات النظامية ووحدات الإحتياط.

في الماضي كان الجيش الإسرائيلي يقوم بعقد مناورة مفاجأة ضخمة مرة واحدة سنوياً على الساحة الشمالية، وبوجه عام في أشهر الربيع كجزء من الدروس المستفادة من حرب يوم كيبور (حرب يوم الغفران 1973). بينما كانت المناورة الأساسية تهدف إلي قياس مدى السرعة التي سيتعامل بها الجيش الإسرائيلي مع المواقف الطارئة، على سبيل المثال الصدمة القديمة بوجود سوريين على الحدود أو حدوث هجمات مفاجئة على الجولان وجبل الشيخ والتي يجب على الجيش الإسرائيلي بمقتضاها أن يعيد تنظيم صفوفه والرد بسرعة، لذا يتطلب من كل قائد كتيبة مدرعة أن يكون متآلف مع القطاع العملياتي الذي سيتمركز به  في أوقات الطواريء.

ولكن في مثل هذا السيناريو وفي ظل الملابسات التي تتواجد فيها أغلبية فرق الجيش السوري فقط على الورق أكثر من وجودها في الواقع، حيث تقوم التنظيمات السنية بالسيطرة على أكثر من 90% من الحدود مع إسرائيل في الجولان أصبح الأمر غير مناسب.

لذا أصبح الجيش الإسرائيلي يتدرب على مسار جديد أكثر إتساعاً والذي يتضمن قصف للصواريخ والقذائف على الجبهة الداخلية وهجمات السايبر وإشتعال جبهات القتال بشكل مفاجيء على الحدود المختلفة بشكل متزامن.

وعلى الرغم من أن المتحدثين الإسرائيليين حريصون تمام الحرص على قول ذلك علانية وبصراحة أن سيناريو المواجهة مع إيران – على خلفية هجوم إسرائيلي على مواقع التهديد النووي الإيراني ضد إسرائيل- يتم التعامل معه حالياً على أنه أكثر السيناريوهات قرباً للواقع، حيث غير الإتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى صورة المخاطر على الأقل في السنوات القليلة المقبلة لذا أصبحت أكثر المخاوف في الجيش الإسرائيلي في عهد أيزنكوت هي إندلاع مخاطر غير متوقعة وليس بالضرورة أن يحدث ذلك على الحدود والتي قد تحدث بسبب تبادل الضربات نتيجة لواقعة صغيرة.

ولكن في الإسبوع الذي يقوم فيه الجيش الإسرائيلي بمناوراته في الجنوب والشمال ويتعامل في المناورة فقط مع إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية وهجمات قراصنة الإنترنت التي تمس بالبنى التحتية فإن هناك أموراً تجري بالفعل على أرض الواقع ، ففي هذا الإسبوع على الأقل أكثر الجبهات إلتهاباً هي الضفة الغربية والقدس الشرقية التي كان لها نصيباً في المناورة، وجاء هذا التوتر نتيجة إمتزاج بعض الأحداث غير المرتبطة بالضرورة ببعضها البعض ولكن هناك العديد من المحرضين في الجانب الفلسطيني وكذلك في جانب اليمين الإسرائيلي المتطرف.

فعلى خلفية ما وقع في 9 أغسطس قام الطرفان بعمل عرض مغرض في الحرم القدسي وهو الأمر الذى لم يتطور بفضل تعامل الشرطة الحذر معه،  والذي كان سيحدث يوم الأربعاء العديد من الإصابات وحول هذه الجذوة تجمع عدد ليس بالقليل من هواة إشعال الحرائق : رجال الحرس الإسلامي المنتشرين في المكان يصاحبهم مجموعة من المستوطنيين المتعصبين الذين يقومون بتصوير أنفسهم رافعين لافتات (محمد خنزير) في الساحات بجوار المساجد وأحد وزراء الحكومة. والذي يصر على العودة إلي باحة المسجد بعد أكثر من نصف عام من الهدوء الذى فرضه على اليمين، رئيس الوزراء ورئيس الدولة بعد موجة العنف السابقة والتي طالت القدس .

وفي وقت لاحق هذا الإسبوع فإن الدولة من المنتظر أن تقوم بتدمير هياكل مباني “درينوف” والتي تم بنائها بشكل غير قانوني في مستوطنات بيت إيل. الأمر الذي لم تلق المحكمة الإسرائيلية العليا له بالاً عندما أمرت بالتنفيذ في هذا التوقيت، هو التقويم اليهودي حيث يتزامن ذلك مع عطلة “ما بين الفصول” في يشيفات (المدرسة الدينية) تكهيل حيث يتنزه مئات الشباب دون عمل حقيقي ويبحثون عن الأكشن (إشعال الأحداث) (ففي المساء إستطاع الجيش الإسرائيلي وقوات حرس الحدود السيطرة على المبنى)، وإذا لم يكن هذا كافياً فإنه من المتوقع أن يتم غداً تقديم لوائح إتهام ضد الموقوفين في قضية إشعال الكنائس في طبرية، حيث لا يعد القسم الإيدولوجي لمعارضي الإخلاء غريباً عنهم.

هذا وتستعر الأجواء أيضاً على الجانب الفلسطيني ليس فقط بسبب المواجهة المتوقعة ولكن أيضاً بسبب إخلاء سكان قرية سوسيا جنوب جبل الخليل.

وفي ثلاثة وقائع  مختلفة في أنحاء الضفة الغربية قام الجنود خلال إسبوع بقتل ثلاثة فلسطينيين. وفي الأيام الأخيرة تسرى شائعات في الضفة الغربية أن الرئيس عباس (أبومازن) ينوى الإستقالة من منصبه.

إلا أن هذه التقارير التي تطل برأسها كل عام، تبدو جدية هذه المرة أكثر من ذي قبل ووفقاً لذلك إشتعلت مجدداً معارك الوراثة، حيث تراكمت فيما يبدو أسباب للتوتر وهي التي ستدور في ظلالها الضفة في الأسابيع القادمة.

بقلم عاموس هرئيل