قاد المخربون اليهود الذين اغتالوا قبل شروق الشمس (يوم الجمعة) الطفل الفلسطيني “علي دوابشة” وحاولوا أن يقتلوا أيضاً أبناء أسرته، قادوا الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أسوأ نقطة مُقلقة على الإطلاق منذ انتهاء الحرب في غزة في قبل عام واحد. في الأيام المقبلة ستبذل كل من أجهزة الأمن الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية جهوداً كبيرة لتهدئة الساحة ومنع الانحدار إلى عنف موسّع، مثل هذا العنف الذي اجتاح الضفة بعد عملية اختطاف وقتل الثلاثة شبان الإسرائيليين في “جوش عتسيون” والصبي الفلسطيني في “شعفاط” العام الماضي.

وقعت عمليات اعتداء عنيفة ضد اليهود، إلى جانبها مقتل فلسطينيين بأيدي الجيش الإسرائيلي إبان تظاهرات أو خلال محاولات اعتقال، طوال العام الماضي، في الضفة الغربية ولاسيما في القدس الشرقية. لكن تراكم الأحداث في الأسبوع الماضي – المواجهة العنيفة حول هدم هياكل المباني في بيت إيل، وتقديم لائحة اتهام ضد صبية جڤعوت بسبب إضرام النار فى كنيسة على ساحل بحيرة طبريا، والتوترات في الحرم القدسي أثناء أداء الصلوات في التاسع من آب، ومقتل ثلاثة فلسطينيين برصاص الجنود خلال الأسبوع، و”يوم الغضب”، الذي أعلنته حماس احتجاجاً على ذلك – يمثل وصفة محتملة لاشتعال موجة غضب أكبر.

يدرك الجيش الإسرائيلي ذلك. ولهذا السبب تم على الفور تحريك أربعة كتائب ولواءين آخرين وقفوا على أهبة الاستعداد في قواعدهم. من اكتوى في الماضي بماء مغلي، مثلما كان بعد زيارة “أريئيل شارون” للحرم القدسي في سبتمبر 2000، يتوخى الحذر حتى عندما تكون درجات الحرارة منخفضة. يصرح الجيش الإسرائيلي بأن السلطة الفلسطينية تستنكر الإرهاب وليست معنية بالدخول في مواجهة عنيفة، لكن على الأقل في الوقت القريب، التوجه هو أخذ كل وسائل الحذر.

غير أن هناك جماعة صغيرة نسبياً مسئولة عن الاغتيال، وأيضاً عن اعتداءات إرهابية سابقة ضد مساجد، وكنائس ومنازل فلسطينية، على الهوامش أيديولوجية الإستيطان، يجدر بنا ألا نتأثر كثيراً بقدر الاستنكارات وتعابير الصدمة التي أبدتها قيادة الدولة وكبار رجال الضفة الغربية وغزة هذا الصباح. التسامح الذي تبديه الدولة منذ سنوات طوال مع عنف اليمين المتطرف، والذي لوحظ أيضاً هذا الأسبوع في الحرم القدسي ( حيث لم يتم اعتقال أياً من رجال الشرطة الذين اعتدوا هناك)، هو الذي يتيح نهاية الأمر أيضاً جرائم الكراهية القاتلة مثلما حدث في قرية دوما. هناك ثمن دائماً للتراخى معهم.

الصراع السياسي، حتى عندما يسير ضد تطبيق حكم قضائي، يعتبر جزء من الخطاب الشرعي. لكن، عندما توافق القيادة المنتخبة ( غير القادرة على أن تكن مخيفة) الخاصة بالمستوطنات بصمت على أعمال الشغب، في الوقت الذي يتنافس فيه وزراء وأعضاء كنيست هذا الأسبوع بالتطاول على المحكمة العليا ووزير الدفاع، من الصعب التطرق إلى عملية الاغتيال في دوما على أنها صاعقة في وضح النهار، حتى وإن كان السواد الأعظم من المستوطنين يعارض أفعال شرذمة الإرهابيين اليهود.

إن القتلة الذي أضرموا النيران في بيتين بدوما سيتم القبض عليهم في نهاية المطاف. صحيح أن الوحدة الشرطية لمكافحة جرائم التعصب قد أقيمت في وقت متأخر جداً، لكنها تعلمت في تلك الأثناء العمل، مثلما أثبتت مؤخراً عملية اعتقال المتهمين في حرق الكنيسة في طبرية، بعد سلسلة طويلة من الإخفاقات في الماضي. كذلك اللواء اليهودي في الشاباك يخصص اليوم موارد لمواجهة الإرهاب اليهودي أكثر مما قام به الشاباك حتى قبل بضع سنوات. لكن محاربة المخربين اليهود لا يمكن أن تتلخص بإجراءات أجهزة الأمن. إنها سلسلة طويلة، من المتوقع أن تبدأ برفض متواصل ومؤكد لحاخامات وسياسيين في اليمين وأن تنتهي بصرامة المحاكم، التي تميل إلى إبداء اعتبار مبالغ فيه للظروف الشخصية للمتعصبين اليهود.

من كان يُطلق عليهم في السابق، بنبرة منبوذة، “مجرمي جماعة تاج محير”، تطوروا، إزاء عجز السلطات، لتنظيم إرهابي حقيقي. أُدرج إلى لائحة الاتهام المقدمة ضد من قاموا بإحراق الكنيسة في طبرية، الذين يبدون كتابعين لفرع منفصل عن عصابة متخصصة في الاعتداءات على المنشآت الدينية المسيحية، وثيقة لافتة للنظر صادرتها الحكومة لدى أحد المتهمين. إنها دليل مُفصّل للإرهابي المبتدئ – بداية من توجيهات دقيقة لأمن الميدان وحتى توصيات لتنفيذ عمليات تخريبية على مستوى عالٍ من التصعيد، بما فيها إلحاق الأذى النفسي.

الأخطاء الإملائية واللغة المتلعثمة لا يمكن أن تضلل: لقد نبتت هنا بذرة صلبة وعنيدة، لا تتأثر باستنكارات الوزراء أو جهود الشاباك والشرطة في التعرف على أثارهم وتعقبها. هؤلاء الأشخاص يسعون إلى إشعال حرب دينية، لا تختلف كثيراً عن تلك التي يراها الجهاديون أمام أعينهم في الجانب الفلسطيني. وإن لم تتصدى لهم كامل منظومات الحكم، في معركة منسقة ورئيسية، وإن لم يتم حفظ التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية التي يشيد بها الجيش الإسرائيلي بشدة، فمن شأنهم أن ينالوا مبتغاهم.

عاموس هرئيل