إذا نجح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” في التغلب على معارضي الإتفاق النووي من بين أعضاء الكونجرس، ستُسجل إسرائيل في التاريخ على أنها الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي حاولت إلغاء إتفاق دولي تم التصديق عليه بالإجماع في مجلس الأمن. وإذا تغلب المعارضون، ستتحمل إسرائيل وحدها مسئولية المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والمساس الخطير بهيبة القوى العظمى الهامة في العالم – الهامة بالأخص لأمن إسرائيل. قال أوباما في الخطاب الذي ألقاه للأمة في 5 أغسطس بثقة أن “كل أمم العالم التي ألقت تصريحات في هذا الشأن، باستثناء حكومة إسرائيل، أعربت عن تأييدها لإتفاق النووي”. وقال لاحقاً “ستكون هذه خيانة لمنصبى إذا عملت على عكس وجهة نظرى (حيال الإتفاق) فقط بسبب أنه عامل ضرر مؤقت للعلاقات مع صديق وحليف غالي”. حليف  واحد. وليس “حلفاء”.

كيف حدث أن بقت إسرائيل الولد السئ الوحيد في المعركة ضد الإتفاق؟ إلى أين إختفت المملكة العربية السعودية وباقي الدول السنية في المحيط، الذين يثير النووي الشيعي الخوف فيهم؟ بالفعل منذ بداية المفاوضات المستمرة بين القوى العظمى الست وبين إيران، قرأنا في الصحف أن كل دول الخليج تسير بجوار إٍسرائيل ضد التيار. وأيضا بعد أن بدا الإتفاق حقيقة واقعة، قال موظفين كبار في القدس ومتخصصين معروفين أن “المملكة العربية السعودية معنا”، فى جهود لإيقاف أوباما عن التوقيع على “الإتفاق السئ” مع طهران.

أعلن نتنياهو في 7 مايو أن التهديد الإيراني “يشكل مصالح مشتركة…والفرص لعمل تحالفات وربما حتى إقامة السلام” حتى أنه وعد بالتفكير فى الأمر. تحطم وهم “شراكة المصالح” مع الجبهة السنية المعتدلة في قمة كامب ديفيد في15 مايو بين أوباما وبين زعماء دول الخليج. وقيل في البيان الختامى في القمة أن “اللقاء أوضح أن صفقة “مع إيران” يمكن تنفيذها بشكل كامل وأنها ستعالج كل المخاوف الإقليمية والدولية حيال برنامج النووي الإيراني، وان الأمر هو لصالح أمن دول مجلس التعاون في الخليج وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي”. وبعد القمة أيضاً، أضاف نتنياهو بإظهار العكس تماماً فيما يخص مواقف دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

سُئل نتنياهو في حوار مع المراسلين السياسيين في 28 مايو عن موقفه حيال مبادرة السلام العربية التى تعود إلى عام 2002 والتي إنطلقت من المملكة العريبة السعودية، والتي أصبحت مبادرة الجامعة العربية وتبنتها منظمة الدول الإسلامية. وبعد أن رفض أجزاء اساسية من المبادرة بحجة ان “الكثير من الأمور تغيرت منذ ذلك الحين في الشرق الأوسط”، أشار نتنياهو أن “الفكرة العامة لمحاولة التوصل إلى تفاهمات مع الدول الرائدة في العالم العربي هي فكرة جيدة”. حقاً، تغيرت الكثير من الأمور في الشرق الأوسط. منذ ربيع 2015 تغيرت أيضاً بضعة أمور في الشرق الأوسط، مثل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وباقي العالم، حيث تغيرت إلى الأفضل، وقريباً ربما أيضاً العلاقات بين طهران والرياض. وتغيرت العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وباقي العالم. إلى الأسوأ.

نُشر في بداية يونيو بصوت مدوي أن الدكتور “دوري جولد” كان حينها مستشار نتنياهو والآن سكرتير عام وزارة الخارجية إلتقى في مؤتمر لمجلس الأمن حول العلاقات الخارجية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية مع الدكتور “أنور عشقى” الذي كان مستشاراً كبيراً للحكومة السعودية. وافاد تقرير إسرائيل هايوم أن الإثنين “ناقشا صراع إسرائيل والسعودية مع إيران”. حقاً هي رواية إسرائيلية سعودية. قال رئيس مكتب وزير الخارجية العميد (إحتياط) “شمعون شابيرا” الذي شارك في اللقاء لوكالة بلومبرج: “إكتشفنا ان لدينا (إسرائيل والسعودية) نفس المشاكل ونفس التحديات والحلول مشتركة لجزء من المشاكل”. “نسي” الإثنين القول بأن عشقى قال لهم أنه إذا أصرت إسرائيل على رفضها في إدارة المفاوضات على أساس المبادرة العربية، تستطيع نسيان تقدم العلاقات مع المملكة العربية السعودية والتعاون معها علناً.

ليس فقط أن المملكة العربية السعودية تراقب من المقصورة الملاكمة بين نتنياهو وأوباما، بل أرسلت الرياض رسائل متسامحة تجاه إيران. قال “عادل الجبير” وزير الخارجية السعودي الأسبوع الماضى (10 أغسطس) في مؤتمر صحفي في برلين، أن بلاده ستكون مستعد لإقامة علاقات دبلوماسية مع إيران، بشرط أن تتوقف طهران عن التدخل في شئونها الداخلية. ولم يقل السياسي السعودي كلمة عن ضرورة إلغاء الإتفاق النووي. ومصادفة وربما ليس مصادفة، أعلنت قيادة القوات الشيعية في اليمن، الحوثيين، في الأسبوع الماضى إستعدادها للإنسحاب من صنعاء. بحسب تقرير للشرق الأوسط، يدرس الحوثيون نقل صلاحيات السلطة الرئيس المعزول، “عبد الربه منصور هادي” المُؤيد من جانب الإئتلاف برئاسة المملكة العربية السعودية.

افاد تقرير في نفس الأسبوع عن مجهودات محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، لتسوية النزاعات فى طريق الإنتخابات الرئاسية اللبنانية وأيضاً التعاون مع سوريا فى محاولة لإنهاء الحرب في سوريا. بسبب ذلك زار ظريف بيروت ودمشق وإلتقى مع زعيم حزب الله “حسن نصر الله” ومع الرئيس “بشار الأسد”. وللمرة الأولى منذ قتل المسئول الكبير عن الذراع العسكري لحزب الله “عماد مغنية” ويتردد ضيف إيراني كبير على موقع النصب التذكاري الخاص به.

فتحت إيران ابوابها أمام الصحيفة اليهودية العتيقة والمنتشرة في قارة أمريكا في حين كان نتنياهو منشغلاً بحشد يهود الولايات المتحدة الأمريكية لمهاجمة البيت الأبيض. وسُمح فجأة لمساعد رئيس تحرير الجريدة الإسبوعية فوروارد “لاري كوهلر إسس” الذي إنتظر لمدة عامين للتصديق على الدخول إلى إيران لزيارة الجمهورية الإسلامية. بينما يريد متحدثين إسرائيليين ورجال أعمال يهودي إلغاء الإتفاق يجتهدون لتصوير إيران كدولة ظلامية ومعادية للسامية وعنيفة، ولم يجد الصحفي اليهودي دلائل بأن إيران تسعى لتدمير إسرائيل. وجد كوهلر لدى بعض من رجال الدين الموقف الإيراني التقليدى، بدعم حل الدولتين، أو  أى تسوية يتبناها الفلسطينيون.

أشرت هنا في الأسبوع الماضي إلى الإنجازات السياسية التي تحققها حماس منذ الضربة العسكرية القوية التي تلقتها في الصيف الماضي في عملية “الجرف الصامد”، مقابل الثبات في الجانب الإسرائيلي، الذي أنتصر في القتال العسكري ويخسر على الساحة السياسية. وأيضاً في معركتها ضد البرنامج النووي الإيراني حققت إسرائيل الكثير من الإنجازات، ولكن بينما بقيت هى في عزلة، وتحقق إيران إنجازات في الساحات الدولية. هذا هو مصير دولة زعمائها أسرى خطاب الخوف والتخويف ويرفضون تجربة سياسة التفاوض والأمل.

المونيتور- عقيفا ألدار