لقد وضعت نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت مارس 2015 القائمة العربية تحت توتر شديد بين قطبين. فمن ناحية، لم تتعزز سياسة أعضاء الكنيست العرب، رغم الاتحاد بين القوائم، وبقيت قلة التمثيل العربية على حالها. ومن ناحية أخرى، فإن التوقعات التي أثارها تشكيل القائمة المشتركة ظلت دون تغيير في الرأي العام العربي ولم يتم تنفيذها. ومن أجل جسر الفجوة تكوّنت استراتيجية جديدة للقائمة المشتركة -استراتيجية اجتماعية – والتي تعتبر تقييماً هاماً لأكبر تصوّرين انتشرا في السياسة العربية في العقود الأخيرة: الأول، هو التصور الوطني للمثقفين العرب وأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي، والثاني هو وجهة النظر الدينية، التي انتهجتها الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي). ومن أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية الاجتماعية ينبغي اتخاذ إجراء ذو مسارين – تقدم عربي في حوار اجتماعي بناء ومبادرة حكومية لتقليص الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأغلبية والأقلية. ولذا فإن الحكومة الحالية مُطالبة بتليين النشاط السياسي المعادي للعرب. وأما القيادة العربية من جانبها فهي مُطالبة أكثر من أي وقت مضى، بالحد من المبادرات والتصريحات، التي يظهر فيها البعد القومي الاستفزازي.
كان لحملة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تأثير كبير على السياسة العربية. فالحديث، الذي ساد دائماً بين الساسة العرب، حول الحاجة إلى توحيد الصفوف كي يُترجم إلى إمكانية ممارسة العملية الانتخابية من الناخبين العرب أصبحت حقيقة ملموسة. ولأول مرة شاركت في الانتخابات قائمة مشتركة تضم الأحزاب العربية الرئيسية. وأُجبر الساسة العرب على تشكيل القائمة العربية المشتركة نظراً لرفع نسبة الحسم لدخول الكنيست- وهي الخطوة التي كانت في الواقع نمط للتعبير عن السياسات المؤسسية غير المعلنة تجاه الأقلية العربية، والتي تهدف إلى ابعادهم عن الساحة السياسية الإسرائيلية، مع بذل جهد مواز لدمجهم في اقتصاد الدولة، كجزء من الجهود الحكومية لزيادة الناتج القومي. وقد اعتمدت مبادرة رفع نسبة الحسم لدخول الكنيست على تقديرات بأن السياسة العربية سوف تجد صعوبة في خلق تعاون ملموس فيما بينها. إلاّ أن الواقع كان مختلفاً، وحصدت القائمة العربية المشتركة 13 مقعداً في الانتخابات وباتت ثالث أكبر حزب في الكنيست. وعزز زعيمها أيمن عودة، عضو بحزب “حداش”، مكانته طول الحملة الانتخابية كنجم ساطع وأحد المتحدثين بطلاقة عن الشأن العربي. ومع ذلك، فكلما ثبت خطأ توقعات مبادري توحيد الأحزاب العربية، لم تتحقق التوقعات حول التحسّن المنشود لمكانة العرب في الكنيست، الذين توقعوا إعادة الواقع الذي كان في عهد حكومة رابين الثانية (في التسعينيات) حيث أضحى آنذاك العرب جزءاً من “كتلة الحسم” للحزب الحاكم. عملياً، بقى أعضاء الكنيست العرب مستبعدين سياساً، بسبب الإجراءات الاجتماعية العميقة التي مر بها الجمهور اليهودي في إسرائيل في العقود الأخيرة.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في مارس 2015 وضعت القائمة العربية تحت توتر شديد بين قطبين. فمن ناحية، سياسة أعضاء الكنيست العرب لم تعزز، على الرغم من الاتحاد بين القوائم، وبقيت قلة التمثيل العربي على حالها. من ناحية ثانية، فإن التوقعات التي أثارها تشكيل القائمة المشتركة بقيت على ما هى عليه في الرأي العام العربي ولم يتم تنفيذها. وبالتالي تمثل تطوراً هاماً في السياسة العربية في إسرائيل. الحديث يدور هنا عن محرك تكويني يعتبر الثاني في أهميته فقط في إنشاء الأحزاب العربية والهيئات الممثلة للمجتمع العربي، بما في ذلك “لجنة المتابعة العليا”. ولذلك، فإن اليوم التالي للانتخابات يضع السياسة العربية أمام تحدي جديد، ينبع من الفجوة بين غياب التغيير السياسي المنشود وبين أمل الجمهور العربي في رؤية تغيير في قدرة القادة العرب على دفع موضوعات اقتصادية واجتماعية داخلية.
يتبيّن من دراسة مسيرة القائمة المشتركة منذ الانتخابات، أن قادتها يدركون جيداً مدى تعقيدات الوضع السياسي الناجم عن الانتخابات. وحاول أيمن عودة، بناء استراتيجية سياسية جديدة، تستند إلى الخطاب الاجتماعي، كان من المفترض أن تخترق عمق السياسة الإسرائيلية وتكون مستوحاه من “الربيع العربي” والاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل في صيف عام 2011. ويهدف التوجه إلى إجراء حوار مجتمعي لإتاحة الفرصة لرئيس القائمة العربية الموحدة للتأكيد على القاسم المشترك بين الوسط العربي وبين نفس الشرائح في المجتمع اليهودي، والتي تعطى أولوية لجدول أعمال اجتماعي، يستند إلى أزمات في مجالات الإسكان، وغلاء المعيشة وإدارة الاقتصاد في إسرائيل. وهذه الاستراتيجية من المنتظر أيضاً أن تساعد في دفع موضوعات تتواجد على رأس جدول أعمال المجتمع العربي، بما في ذلك تلك التي لها أهمية قومية، لكن بشكل يخفى الخطوط المتصدعة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية.
هذه الاستراتيجية تم التعبير عنها في الخطوة التي اتخذها أيمن عودة، لدفع الاعتراف الحكومي بالقرى غير المعترف بها في النقب، وخير دليل على ذلك المسيرة التى نظمها وانطلقت من النقب إلى بيت الرئيس الإسرائيلي في القدس. في الواقع، فإنه يصعب جداً حجب حقيقة، أن المبادرة السياسية الأولى للقائمة المشتركة لامست أحد بؤر السجال المركزية بين الحكومة والسكان العرب، في ضوء المحاولات الفاشلة حتى الآن لدفع “خطة برافر”، لتنظم توطين البدو في النقب. ومع ذلك، فإن الحديث يدور عن خيار سياسي مثير للاهتمام، يُشير إلى اختيار أيمن عودة لحافز الحوار الاجتماعي من أجل دفع أهداف السكان العرب.
تعتبر الاستراتيجية الاجتماعية للقائمة المشتركة تقييماً هاماً لأكبر تصوّرين، سادا في السياسة العربية خلال العقود الأخيرة وأخفقا إخفاقاً كبيراً في دفع جدول أعمال الجمهور. الأول، هو التصوّر الوطني للمثقفين العرب وأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي “بلد”. والثاني، التصوّر الديني، الذي قاد الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي). هذان التصوّران أثرا تأثيراً كبيراً على تصرف القيادة العربية في محاولة لتغيير الوضع الراهن المستبعد، والذي يُميّز العلاقات العامة العربية مع المؤسسة والأغلبية اليهودية. وقد مثّل التيار الديني تحدياً للمؤسسة الإسرائيلية عبر وضع القدس والحرم القدسي على رأس جدول الأعمال اليومي، بينما التيار القومي سعى لتغيير أسس النظام في إسرائيل من خلال مشروع “وثائق الرؤية”. هذان الاتجاهان نظرت إليهما المؤسسة الإسرائيلية باعتبارها استفزازاً لمحددي هوية الدولة، لذلك قامت بتحييدهما. وقد تم تمديد الحكم الصادر على زعيم الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح بالسجن لفترة أخرى بسبب قيامه بالتحريض في القدس، وتم تحييد “الرؤية العربية” لعدم وجود استعداد من جانب المؤسسة والجمهور اليهودي لإقامة حوار شعبي.
ما بدا على أنه بُرعم استراتيجية جديدة بدا كإمكانية لتغيّر مفهومي من جانب القيادة العربية الجديدة، والتي تقوم على استخلاص العبر من الماضي. من وجهة نظر الحكومة، فإن هذا يكفي لإيجاد فرصة هامة لإعادة صياغة السياسات المؤسسية تجاه الجمهور العربي وبعد ذلك تحريك الحوار بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية. ويكمن مفتاح ذلك في قدرة الحكومة على كبح جماح الاستراتيجية الاجتماعية للقائمة المشتركة بهدف تغذية الحوار بمحتويات تتماشى مع أهدافها لدفع الاندماج العريض للعرب في اقتصاد إسرائيل. وهذا الإجراء يتطلب اعتماد مبادرة حكومية لتحديد موضوعات تحتاج للمعالجة وجدول أعمال اجتماعي يتعلق بالأقلية العربية، بشرط أن يدفع جدول الأعمال مبادرات وبرامج للحد من التمييز الاجتماعي والاقتصادي للأقلية العربية.
ومن أجل تمكين هذا الإجراء الثنائي – التركيز العربي على حوار اجتماعي بناء ومبادرة الحكومة لتقليص الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأغلبية والأقلية – ينبغي على الحكومة الحالية تغيير الاتجاه الحالي، بما في ذلك تليين النشاط السياسي المناوئ للعرب، الذي ينظر إليه الجمهور العربي على أنه يزيد من مفهوم الاقصاء المتعمد ويعمق عملياً خطوط التصدعات القومية بين الطرفين. مثل هذه السياسة أيضاً توقف القيادة العربية عن إخفاء المصالح القومية لصالح ابراز الموضوعات المدنية والاجتماعية، حيث أن قدرة ضبط النفس وكبح الجماح مطلوبة الآن من كلا الجانبين. ولذا فإن القيادة العربية مُطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى، بكبح المبادرات والتصريحات، التي تُجسد بعد قومي استفزازي. هذا الكبح ربما يُمكّن الحكومة من دفع برامج اقتصادية واجتماعية، تكون اسهاماتها فى مفهوم الاندماج واضحة وضرورية. من المهم أن يُعقد على هذا الأساس حوار بين القيادة العربية والحكومة، قد تظهر نتائجه في جدول أعمال قومي/ اجتماعي، والتي ينبغي أن تكون الشغل الشاغل للأغلبية والأقلية على حد سواء.
مركز ابحاث الامن القومي- دورون متسا