قدم ولي العهد السعودي “عبد الله بن عبد العزيز” مبادرة السلام العربية في شهر مارس عام 2002، وهو أحد الشهور الأكثر دموية في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي أدى إلى عملية “الدرع الواقي”. لقد تبنت قمة الجامعة العربية التي إجتمعت في بيروت هذا البرنامج السياسي كقرار رسمي لها. وتم التصديق على المبادرة الجديدة. في مؤتمر الجامعة العربية في الرياض في مارس عام 2007.

كان أساس هذه المبادرة هو إلتزام 22 دولة عربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل الإنسحاب الإسرائيلي من المناطق التي أحتلتها عام 1967، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كُتب في مبادرة السلام العربية “يدعو المجلس (مجلس جامعة الدول العربية) الحكومة الإسرائيلية وكل الإسرائيليين إلى قبول المبادرة من أجل ضمان فرص السلام ووقف سفك الدماء، وإتاحة الفرصة للدول العربية وإسرائيل للعيش في سلام وحُسن جوار ومنح الأجيال القادمة الأمن والإستقرار والرفاهية”.

يُلزم الوضع الجديد الذي نتج عن الإتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران ،المملكة العربية السعودية التي قدمت المبادرة في الأساس أن تقوم بتحديث مبادرة السلام التي تم تقديمها عام 2002 وملائمتها لكي تناسب الظروف الجديدة. إلا أنه قد تم تحديث المبادرة العربية قبل عامين بالإضافة إلي إتفاق لتبادل الأراضي عن طريق إضافة بند يتعلق بترسيم الحدود الدائمة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو ما إشتق من الصيغة الأصلية التي تحدثت عن حدود 1967 فقط.

للأسف الشديد، لم يتم التسويق للمبادرة العربية أبداً بطريقة مناسبة للشعب الإسرائيلي. فلا يعلم سوى القليل من الإسرائيليين ما هي مبادرة السلام العربية، بما فيها الإلتزام الإسرائيلي الشامل بحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. هذا الأمر متاح لكل الحكومات الإسرائيلية منذ عام 2002 وقاموا بتجاهل المبادرة، ولم يقوموا حتى بمناقشة الأمر مرة واحدة. ونتج عن كل هذا التصريح الذي أدلى به الرئيس الإسرائيلي “شمعون بيريز” في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2008.

لقد غيرت أحداث كبيرة الشرق الأوسط منذ عام 2002: وتم إسقاط زعماء محنكين بالقوة، ولم تعد بعض الدول التي شاركت في تلك القمة في بيروت قائمة بالفعل، وإنسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة ومن أربع مستوطنات منفصلة في شمال الضفة الغربية (2005)، سيطرت حماس بالإنقلاب الوحشي على قطاع غزة. وعلى الرغم من كل التغييرات التي حدثت – لازالت المبادرة على الطاولة.

يجب على دول المنطقة الآن التوحد أمام إيران الأكثر عنفاً والأكثر عدوانية والواثقة من نفسها والتي تتمتع بتعايش الدول الغربية مع عدوانها. فالتصدي الصارم لإيران القوية يحتاج إلى حليف إقليمي قوي. ويجب أن تكون إسرائيل جزء من الحلف الإقليمي الجديد، وباستطاعتها أن تدعمه دعما خاصاً له ثقله.

من ناحية أخرى، لا يمكن إبقاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدون حل. فلا يمكن إحتمال الوضع القائم. ولا توجد أي شرعية دولية للوضع الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني بدون إستقلالية ودولة. ومع هذا يجب أن يكون الشعب في إسرائيل واثق أن قيام دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل سيزيد أمنه ولن يزعزعه.

لذلك، على المملكة العربية السعودية إضافة “ملحق أمني” لمبادرة السلام العربية.

“سيضيف هذا “الملحق الأمني” أبعاد حيوية للمفاهيم الأساسية لمبادرة السلام. والذي سينشأ بواسطته إطار للتعاون في مسألة الدفاع بين إسرائيل وبين المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت.

سيشمل التعاون العناصر القادمة:-

– إقامة مركز مشترك لتنسيق الحرب على الإرهاب.

– القتال المشترك والمنسق ضد داعش والتنظيمات المشابهة له.

– نشاط مشترك ومنسق ضد التخريب الإيراني في المنطقة.

– إقامة مركز مراقبة بحري لإعتراض شحنات الأسلحة لعملاء إيران.

– الدفاع المشترك ضد الصواريخ الباليستية التي تعتمد على أنظمة الصناعة الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، الشروع في برنامج التعايش المشترك: وهو برنامج إقتصادي سياسي لإعادة إعمار وتطوير قطاع غزة، ونزع السلاح الهجومي منه وإعادة السيادة الفلسطينية عليه، ومشروع مشترك لحل مشاكل الطاقة والمياه في الأردن (من نوع إتفاق “قناة البحرين” بين الأردن وإسرائيل والذي تم التوقيع عليه في شهر فبراير من هذا العام، وأساسه هو إقامة منشأة تحلية في العقبة وتبادل المياه).

سيرد كل هذا في الإتفاق الإسرائيلي الفلسطيني الأول الذي يعتمد على مبدأ “دولتين لشعبين” وعلى مبدأ المفاوضات الجادة التي تهدف إلي إنهاء الإحتلال وصياغة تفاصيل التسوية النهائية.

تلك الخطوات، ستجعل الشرق الأوسط مكان أكثر أمناً. هذا الرد المناسب لسياسة السيطرة الإيرانية حيث يعتبر الحرس الثورى رأس الحربة لها. هذا البرنامج سيقابله الشعب الإسرائيلي بالترحاب. حيث أظهر إستطلاع للرأي نشر قبل حوالي سنة ونصف (فبراير عام 2014)، أن 76 % من الإسرائليين الذين علموا بشأن مبادرة السلام العربية يؤيدونها.

هذا تحدٍ للقيادة السعودية الجديدة للكشف مرة أخرى عن قوتها السياسية، وتحديث المبادرة بما يناسب الواقع الخطير الجديد وتسويقه – ليس فقط للمجتمع الدولي بل أيضاً للشعب الإسرائيلي. يستطيع الشعب الإسرائيلي حينها إختيار بديل للوضع القائم من الجمود السياسي، والذي سيتيح له السلام والأمن.

المونيتور- أفرايم سينيه