إحتلت المعركة المؤثرة التي تديرها إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية في هضبة الكابيتول ضد الإتفاق النووي مع إيران، جدول الأعمال اليومي الإقليمي والعالمي وأزاح من هذا الجدول المواجهة “المملة” مع الفلسطينيين. فالقنبلة الذرية والصواريخ بعيدة المدى أهم بكثير من صواريخ القسام البدائية وبعض الأنفاق القصيرة. الصراع بين رئيس وزراء دولة صغيرة، والذي يقف وحده أمام الرجل الأقوى في العالم وخمس قوى عظمى أيضاً، يطلق العنان للخيال كثيراً حول تقارير عن الإتفاق الجديد لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. ولكن أيضاً للعرض الأفضل يجب ان تكون هناك نهاية. يبدو ان في العرض “بيبي رجل فى مانشا” وفي واشنطن لا يتوقع لإسرائيل نهاية سعيدة. فملخص السنة الأولى لإتفاق وقف إطلاق النار مع حماس (26 أغسطس 2014) يوضح أن في الساحة المحلية نتنياهو غير مصرح له بالتصفيق.
صفق نتنياهو لنفسه في ظل عدم تصفيق الجمهور فى نهاية عملية الجرف الصامد. تباهى رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد وقف إطلاق النار بعدة ساعات (27 أغسطس)، بانتصار الجيش الأكثر قوة في الشرق الأوسط على من يصفه هو نفسه “تنظيم إرهابي”. وبعد ذلك فصل نتنياهو مجموعة الطلبات الخاصة بحماس التى قوبلت بالرفض: طلبت حماس ميناء بحري ولم تحصل عليه، وطلبت مطار ولم تحصل عليه، وتم الرفض أيضاً فيما يتعلق بطلبات حماس بإطلاق سراح أسرى صفقة شاليط الذين تم اعتقالهم من جديد، والوساطة القطرية والتركية، لإعادة إعمار مؤسساتها في الضفة أو الأموال من إسرائيل.
هزيمة حماس حقاُ أمام إسرائيل. فلتصفقوا! هذا ليس كل شئ. واعترف نتنياهو بفضله ليس فقط إنتصار تكتيكي، بل إنجاز إستراتيجي بعيد المدى. “استوعبنا مسألة أن الهدف على المدى البعيد هو نزع سلاح حماس والتنظيمات الإرهابية، وإخلاء القطاع من السلاح”. حقاً؟ ماهو أكثر شئ تسمعونه وتقرأونه- إخلاء القطاع من السلاح أو إعادة إعمار القطاع؟ يبدو للحظات أن رئيس الوزراء لاحظ العلاقة بين الأزمة والعنف. في التصريحات الختامية لعملية الجرف الصامد وعد نتنياهو بالسماح بإعادة التأهيل الإنسانى لقطاع غزة. ربما استوعب التصريحات التى أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة السابق “بني جانتس” الذي حذر أن الحرب يمكن أن تتجدد إن رجحت كفة اليأس وليس الأمل.
بحسب بيانات منظمة حقوق الإنسان “جيشاه”، وهى مركز للحفاظ على حرية الحركة، فإن اليأس ضرب الأمل ضربة قاتلة. فقد وصلت نسبة البطالة في غزة في الربع الثاني من عام 2015 إلى ما يقرب من 41.5 %. ومنذ وقف إطلاق النار وحتى نهاية يونيو دخل فقط إلى القطاع حوالي 6.5 % من مواد البناء المطلوبة. وفي نفس الفترة وظفت شعبة البناء فقط 4.2 % من العمال في القطاع (أقل بكثير من 11 ألف شخص). يفيد تقرير حديث نشره معهد الأبحاث “انترناشيونال كريسيس جروب” أن دخل الفرد في القطاع أقل الآن بـ31 % مما كان عليه وقت دخول السلطة إلى المناطق المحتلة قبل حوالي عشرين عاماً.
يقدر معدى التقرير الذي أجروا لقاءات مع مسئولين كبار في إسرائيل وفي حماس وفي السلطة الفلسطينية في الدوحة والقاهرة والمجتمع الدولي، أنه على الرغم من أنه لا أحد يهتم بذلك، أن الحصار الذي يؤدي إلى الأزمة الإقتصادية والمالية – الأسباب التي أدت إلى الأزمة السابقة – يمكن أن تؤدي إلى تجديد الحرب بين إسرائيل وحماس. والعلاقات العكرة بين حماس وفتح، وعدم القدرة أو الرغبة في التفاوض، تدعم شعور الفلسطينيين أن قطاع غزة هو طريق مسدود.
تفاخر نتنياهو على مسامع المراسلين قائلاً “استوعبنا في المجتمع الدولي حقيقة ان حماس وداعش والقاعدة والتنظيمات الإرهابية الإسلامية الأخرى تعود إلى نفس العائلة”. هل خالد مشعل، هذا الذي التقى مؤخراً في قطر رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير” (بعد أن إلتقى بلير نتنياهو)، هو رئيس المكتب السياسي لداعش؟ وهل قررت المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا التصالح مع القاعدة؟
بالفعل، في يوم 27 أغسطس عام 2014، ومثلما قال نتنياهو تلقت حماس هزيمة، فى حين تلقت إسرائيل معارضة دولية. ولكن صحيح في يوم 27 أغسطس عام 2015 لم يبقى الكثير من هذا الرصيد الأجنبي. أضاعه نتنياهو ولازال يفرط فيه. ومد نتنياهو خط مستقيم بين “الإنجازات الهامة” التي جمعتها إسرائيل في الحرب، وبين ما وصفه بــ” إعادة تنظيم القوى الإقليمية في الشرق الأوسط”. ولكن ما نصيب إسرائيل في إعادة تنظيم القوات الإقليمية هذه منذ عملية الجرف الصامد؟ أوضح نتنياهو أن “التغيير الإقليمي للقوى المعتدلة في الشرق الأوسط يخلق أفق سياسي محتمل لدولة إسرائيل” وأيضاً “يحمل فى طياته فرص جديدة لدولتنا”. تلك القرارات أصدرتها حكومته من أجل التقرب من هذا الأفق السياسي (مكان لا يصلون إليه أبداً)؟ فهو وعد أن “نحن بالطبع سنحاول دفع هذه الإحتمالات بصورة مسئولة ومتزنة، كما تعودنا حتى الآن”. ماذا فعل في العام الأخير من أجل دفع تلك الفرص الجديدة؟ نشر بشكل مسئول مركز آخر لبناء حي في الإستيطان المنعزل؟ اتصل بشكل متزن بأبو مازن من أجل ان يتمنى “عيد سعيد” للرئيس الفلسطيني المُستضعف؟
فيما يتعلق بالحرب في غزة -مثل القرار بمهاجمة إيران- يؤكد نتنياهو على تشخيص رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق “أيهود باراك” أن ما يهمه هو الصورة التي ستبث في نفس اليوم في التلفزيون والخبر الذي سينشر باكراً في “إسرائيل هايوم” هو يفضل أيضاً وقف إطلاق النار المؤقت مع حماس، والتي ترفض الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود، على الإتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية التى اعترفت بإسرائيل في حدود 1967. ولحسن حظ نتنياهو عملت القوى العظمى الست على إنهاء أزمة النووي الإيراني، ولم تحرك ساكناً لإنهاء أزمة الإحتلال.
عقيفا ألدر- هارتس