قبل إبرام “اتفاق ڤيينا” بين إيران والدول العظمى دعا كاتب هذا المقال قادة إسرائيل والولايات المتحدة إلى إدارة حوار بناء حيال المخاطر المحتملة الكامنة فيه والاستعداد سوياً للحد منها وتقليصها. نحن أمام اتفاق إشكالي بالنسبة لإسرائيل وأغلب الشعب الأمريكي ومفوضيه في الكونجرس معارضون له، على الرغم من أن التقديرات في الوقت الراهن تفيد بأنه لن يكون في الكونجرس الأغلبية اللازمة للتغلب على الڤيتو الرئاسي، المتوقع أن يُستخدم في حالة عدم التصديق على الاتفاق. ولكوني أنا من أوصى الحكومة الإسرائيلية بتجنب التدخل في التباحث الداخلي الجاري في الولايات المتحدة حول قضية كهذه لها وزنها وأهميتها، وأنني مقتنع أيضا بأنه اتفاق يتضمن مخاطر عدة محتملة لدولة إسرائيل، لذلك أتوجه بإعادة الدعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بأن يدفع، وبأسرع وقت ممكن، العملية قدماً نحو تشكيل “الاتفاق الموازي” بين إسرائيل والولايات المتحدة.
على الرغم من أن اتفاق الدول العظمى مع إيران اتفاق إشكالي للغاية بالنسبة لإسرائيل، فإن دولة إسرائيل هي دولة قوية وقادرة على مواجهة المخاطر المتوقعة المترتبة على تطبيقه. ومع ذلك، الطريقة المثلى للاستعداد إزاء المخاطر تأتي عبر واشنطن، وذلك عن طريق تعاون إسرائيلي – أمريكي لإدارة المخاطر وكذلك استنزاف الفرص الاستراتيجية، التي ستتطور في فترة ما بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
هذا التعاون يمكنه ترسيخ اتفاق رسمي وليس بتبادل الخطابات أو “التفاهمات” في مستويات العمل. يشير تاريخ العِقد الأخير إلى أن الخطابات والتفاهمات، مثل الخطاب الذي أرسله الرئيس “جورج بوش الأبن” إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق “أريئيل شارون” في عام 2004 (والذي بمقتضاه سيتم تحديد الحدود في تسوية إسرائيلية-فلسطينية وفقاً للواقع الذي نشأ في المنطقة على مدار السنين) لم يُعترف به فعلياً من قبل الإدارات أمريكية المتعاقبة. وبالتالي، هناك حاجة لإبرام اتفاق رسمي بين البلدين. خاصة لأن اتفاق الدول العظمى مع إيران هو اتفاق شديد الإشكالية، والحاجة إلى إبرام “اتفاق موازٍ” بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، التي لم توقع على الاتفاق مع إيران، هي حاجة ملحة وهامة.
في المجال النووي، الخطر الرئيسي، الكامن في الاتفاق، هو أنه مع انقضاء مدته (بعد مرور العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة)، ستؤسس إيران بنية تحتية شبه نووية موسعة، شرعية وغير محدودة. هذه النية ستتمثل في اكتساب قدرة صناعية واسعة، ستتضمن عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة ومواد مخصّبة بنسبة 20% بلا حدود، والتي ستضع إيران على مسافة صفر من القنبلة النووية. وفى المقابل، على الأرجح أن إيران ستخرق الاتفاق قبل وصولها بشكل مشروع إلى حافة العتبة النووية وتمضي قدماً نحو قدرة عسكرية نووية في طرق بديلة عن القنوات الخاضعة للرقابة. إن ضعف الرقابة في المواقع غير الرئيسية تستلزم تكوين الصورة بوسائل استخباراتية. علينا أن نكون منتبهين أيضا لخيار أن إيران قد تدفع بمجهودات نووية-عسكرية بواسطة شراء أو تطوير خارج أراضيها، في دولة ثالثة. إلى جانب ذلك، ينبغي التصدي لخيار أن تسعى دول أخرى في الشرق الأوسط إلى تطوير بنى تحتية نووية – كما تسعى إيران. لذا، ينبغي الاستعداد أيضاً للتصدي للمخاطر الناجمة عن الانتشار النووي الإقليمي المتمدد.
على المستوى التقليدى، إن تدفق المساندة المالية المرتقبة إلى إيران عقب التعهد برفع العقوبات، المُدرج في الاتفاق، سيخلق تهديدات جديدة وسيزيد من تهديدات قائمة. إن سباق التسلح التقليدي مرتقب في السنوات المقبلة، سواء في إيران نفسها أو في دول الخليج الثرية، التي تواجه وتشعر بالتهديد من تعاظم قواها. في الواقع، هناك مؤشرات أولية لتنامى القوة الإيرانة في هذه الأيام، مع إبرام صفقة شراء إيرانية-روسية لتزويد منظومات دفاعية جوية، وكذلك اتصالات لصفقة شراء إيرانية لطائرات حربية من الصين.
وستحصل الصناعة العسكرية الإيرانية هي أيضاً على دعم ملحوظ، سيتيح الدفع ببناء القوة العسكرية الإيرانية قدماً، والتي أصبح أكثر تقدماً في السنوات الأخيرة. هذا التسلح سيسحق تميز إسرائيل النوعي والكيفي في ميزان القوى الإقليمي وسيحدّد قدرة تحركها في الساحة. وفي موازاة ذلك، وبشكل لا يقل خطورة، ينبغي التوقع بأن تقوم إيران بتوسيع مساعيها للإضرار بإسرائيل عن طريق مبعوثين، مثل إطلاق القذائف الصاروخية من أراضى سوريا إلى هضبة الجولان (21 أغسطس)، وكذلك ستكثف نشاطها التخريبي في المنطقة عن طريق دعم التنظيمات الإرهابية الناشطة بالقرب من حدود إسرائيل وتسليحها – وعلى رأسها حزب الله، والجهاد الإسلامي وحماس، وعن طريق زعزعة الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة.
إزاء هذه التهديدات، النووية والتقليدية على حد سواء، على إسرائيل والولايات المتحدة الاستعداد في إطار ثنائي لـ “للاتفاق الموازي”. كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في 21 أغسطس أن الرئيس الأمريكي أرسل خطاباً إلى عضو الكونجرس الديموقراطي “چرولد نادلر”، وفيه فصّل قائمة الطرق التي بموجبها تنوي الإدارة الأمريكية تعزيز إسرائيل والتعاون معها. يمثل خطاب الرئيس أساساً جيداً للتباحث، لكن محتواه يستلزم استفاضة وتعمق.
تطرق الرئيس في خطابه إلى تعزيز إسرائيل بوسائل دفاع مكونة من صواريخ، والسعي إلى كشف الأنفاق، التي يتم حفرها من قبل حماس على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. لكن، يجدر بنا أن نفهم أنه بالمقارنة بالتهديد الاستراتيجي-النووي الصادر من إيران، فإن مسألة الأنفاق هذه ما هي إلا مسألة ثانوية. وبالطبع فإن الخطر المحتمل الكامن في الأنفاق على دولة إسرائيل هو أقل حجماً بعشرات المرات عن التهديد الذي تمثله إيران وأذنابها. الآن بات لزاماً على الحكومة الإسرائيلية أن تستجيب للتحدي وأن تُلحق إلى اتفاق رسمي قائمة واضحة من التفاهمات الاستراتيجية، والاتفاقات وأساليب العمل، التي حدّت من مخاطر الاتفاق.
في الواقع، ستكون للاتفاق الموازي أربعة قواعد، ستمثل سوياً رداً مناسباً للمخاطر الناجمة عنه وستدفع بالمصالح الحيوية لإسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط قدماً.
على الصعيد النووي:-
أولاً، على “الاتفاق الموازي” أن يستجلي سيناريوهات الانطلاق النووي إلى القنبلة قبل نهاية مدة الاتفاق بينها وبين الدول العظمى.
ثانياً، سيتعين عليه أن يفصّل ردّا على استقرار إيران المرتقب كدولة شبه نووية، بالتأكيد في حال ظل النظام الإيراني متطرفاً وواصل الدعوة إلى تدمير إسرائيل.
ثالثاً، في الاتفاق الموازي سيتم تعريف وتفصيل ما يمثل إخلالاً سافراً للاتفاق النووي، الذي سيستلزم رد فعل، وستتبلوّر اتفاقات حول طبيعة رد الفعل وحجمه.
رابعاً، سيتم تنسيق جهد استخباراتي، من شأنه أن يوفر رداً على الفجوات المتوقعة في نظام المراقبة الذي سيُفرض من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المواقع غير المعلنة في إيران. خامساً، سيتم تنسيق جهد استخباراتي، يتحقق من سدّ الطريق أمام سبل تطوير القنبلة النووية خارج أراضي إيران ومنع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط أجمع.
على الصعيد التقليدي العملياتي – على إسرائيل والولايات المتحدة بلورة خطة حرب منسقة ضد التأثير السلبي لإيران في المنطقة، مع التركيز على فيلق “القدس” الإيراني ونشاطه التخريبي ضد إسرائيل ودول أخرى. وعلى رأس هذا الجهد من المتوقع أن يكون هناك مناهضة للنظام الأسد السفّاح في سوريا، الذي يمثل مكسباً استراتيجياً ذو قيمة عظيمة لإيران، وجهد لإضعاف حزب الله عن طريق إفساد طرق تمويل التنظيم ونشاطه في المنطقة اللبنانية والسورية. 
إن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة، هو بلوّرة سياسة مزدوجة، تتعاون مع إيران لتطبيق الاتفاق النووي من ناحية، وتحدد أسس التصدي للسلوك التخريبي الذي تتبعه إيران في المنطقة.
على الصعيد الأمني الثنائي – ينبغي في نفس الوقت تشكيل إطار مُحدّث لاستراتيجية حفظ وتعظيم التميز النوعي والكيفي لإسرائيل في الميزان العسكري الإقليمي. وينبغي تفصيل المبادئ التي سيتم تطويرها في حوار لخطة بناء قوة مفصلّة وتحديد في مذكرة تفاهم لعشر سنوات جديدة. ينبغي تعزيز التعاون على جوانب بناء القوة مع التركيز على تشكيلة دفاع مكونة من صواريخ، وقدرات سيبرانية واستخبارات، وتعزيز قدرات شن الهجوم التي من شأنها أن تخلق حالة من الردع في إيران. إضافة إلى ذلك، ينبغي التأكيد في التعاون الإسرائيلي-الأمريكي على تعزيز الشركاء المعتدلين في المنطقة، مثل النظام الهاشمي في الأردن، ونظام السيسي في مصر، وعناصر معتدلة في سوريا ولبنان.
على المستوى السياسي – على القيادة الإسرائيلية والقيادة الأمريكية أن تبعث للعالم الشعور بصلابة التحالف بين البلدين وقوة التأييد الجارف، الذي تحظى به إسرائيل وسط الشعب الأمريكي وممثليه في الكونجرس. هذا يمكن تنفيذه عن طريق خطوات سياسية جوهرية، مثل الاعتراف الأمريكي الرسمي بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى غربي المدينة – من دون الانتظار حتى حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. كذلك يمكن ترسيخ اعتراف أمريكي في الواقع الجديد في الضفة الغربية والقدس، الواقع الذي يخلق تمييزاً جلياً بين القدس والكتل الاستيطانية وبين المستوطنات المنعزلة. بمقدور خطوات أخرى أن تتضمن الدفع بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان على خلفية تمزق سوريا و/أو ضم إسرائيل بشكل رسمي إلى تحالف ” العيون الخمسة”، الذي يتمتع باتصال استخباراتي متبادل على نحو متكامل.
كذلك ينبغي تأسيس منتدى تقييم سنوي مشترك في إطار الاتفاق الموازي ، يتم فيه بحث حالة التهديد الصادر من إيران. وسيتم تقدير أرجحية سيناريو الانطلاق الإيراني إلى النووي وخيار “التسلل” الإيراني نحوه، وتغيير طبيعة النظام في طهران وحجم النشاط التخريبي والإرهاب الإيراني في الشرق الأوسط وما وراءه. سينسق المنتدى أساليب الرد على تلك السيناريوهات، وتتخللها استراتيجية لصد الانتشار النووي في باقي بلدان الشرق الأوسط و/أو النشاط النووي الإيراني خارج أراضيها.
هذه السياسة المطروحة لتشكيل اتفاق مواز بين إسرائيل والولايات المتحدة تلبي مطالب أنصار الاتفاق، وكذلك أيضا معارضيه. كما أن الكثيرين ممن يعتقدون أن الاتفاق المبرم بين إيران والدول العظمى أنه جيد يقرون بأنه يتضمن بنود، تحمل في طياتها مخاطر؛ والاتفاق الموازي سيوفر لهذه المخاطر رداً مقبولاً.
علاوة على ذلك، المعارضون للاتفاق – انطلاقا من تقديرات تفيد بأنها تجسد مخاطر جسيمة على إسرائيل، والولايات المتحدة وحلفائها – سيجدون في الاتفاق الموازي رداً عملياً وملموساً على مخاوفهم. في الواقع، إن وجود قيادة جديرة بالمسئولية بوسعها أن تواصل اعتبارها لـ “اتفاق ڤيينا” اتفاقاً سيئاً، ولكن في نفس الوقت عليها أن تُحدِّث الاستراتيجية القومية الإسرائيلية وأن تستعد على النحو الأمثل، يدا بيد مع الولايات المتحدة، حليفتها الكبرى العظيمة، لتحقيق أقصى حدّ من تقليص، منسق وحذر، تكمن فيه المخاطر.
عاموس يدلين INSS-