العام الفائت سيتم تسجيله فى التاريخ على أنه أحد أصعب الأعوام فى تاريخ دولة إسرائيل. فى هذا العام ترك العالم الشعب اليهودى لمصيره مرة أخرى. قادة الدول الست العظمى الأقوى فى العالم، وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقعوا على اتفاق يشق طريقهم نحو دولة معادية، الدولة التى تسعى لإبادة دولة اليهود، وتسعى أيضاً للحصول على أسلحة الدمار الشامل. هذه التنبؤات التشاؤمية موجودة فى رأس رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
هناك شك كبير فى أن يتيح الإتفاق النووى ورفع العقوبات إنتاج إيران لقنبلة نووية. لكن اتفاق فيينا، والذى تم التوقيع عليه فى الرابع عشر من يوليو، يعد فى التقويم المنصرم يوماً أسوداً للإستراتيجية السياسية الأمنية لإسرائيل بقيادة نتنياهو. كان هذا أحد الأعوام الأكثر سوءاً للردع الإسرائيلى ومكانة إسرائيل الدولية.
يبدو أن نتنياهو سيصمد أمام هذا الفشل المزدوج. بعد كل شئ دعم خصومه السياسيين يتسحاق هرتسوج ويائير لابيد صراعه ضد الإتفاق.وانخفض نقدهم إلى الطريقة التى اختارها هو لإحباط الإتفاق. ماحدث فى مشكلة النووى فى العام المنصرم، من خلال الإستراتيجيات الفاشلة، لايجب أن يتكرر. فى مطلع العام الجديد لم يبقى إلا إرسال مجموعة من الدروس المستفادة كهدية للعيد التى من الممكن -إذا أدركتها القيادة السياسية- أن تمنع أى سقوط آخر إلى الحفرة السوداء فى مجال التفكير الإستراتيجى لمحددى السياسات الإسرائيلية.
الدرس الأول هو أنه لايجب الخروج لمعركة سياسية دون استراتيجية خروج. ولذلك يجب على القيادة السياسية التفكير على الأقل فى خطوتين للأمام، وترتيب خطواتها بمساعدة المتخصصين ( على سبيل المثال، المتخصصين فى إدارة المخاطر وعلم الألعاب) ومعرفة الثمن السياسى والأمنى والإقتصادى فى حالة الخسارة.
البروفيسور يحزقيل درور، الحاصل على جائزة إسرائيل فى العلوم السياسية وعضو لجنة فينوجراد للتحقيق فى حرب لبنان الثانية، كتب فى وقتها أن ضبابية الرؤية على المدى البعيد، والتى تؤدى إلى خسائر لدول أخرى، من الممكن أن تلحق بدولة إسرائيل سبعة أضعاف هذا الضرر حيث قال آنذاك الخبير المشهور عالمياً ” إسرائيل لايمكن أن تسمح لنفسها بمثل هذه الحماقة”.
إذا كان نتنياهو قد خطط كالعادة خطواته لحالة أن يتم توقيع ” الإتفاق السئ” على غير رغبة إسرائيل، فقد كان من الممكن أن يتفادى، للأسف، مرحلة المواجهة اللفظية مع زعيم العالم الحر.
الدرس الثانى هو الحاجة إلى اختبار التداعيات الواسعة لكل خطوة سياسية أمنية حقيقية على الأهداف الأساسية للدولة. هذه الأهداف من الممكن أن نجدها ببساطة فى وثيقة استراتيجية الجيش الإسرائيلى الى نشرها مكتب رئيس هيئة الأركان العامة الشهر الماضى ( أغسطس 2015). اللواء جادى أيزنكوت كان منتبهاً إلى أن أى الاهتمام بالإستراتيجية فى إسرائيل يستلزم دخولاً إلى المنطقة الخطرة ” منطقة المسائل السياسية”. ولكى يتجاوز العائق أدرك رئيس هيئة الأركان العامة وثيقة “الأهداف القومية لدولة إسرائيل”. والتى أتمتها فى إبريل 2006 لجنة برئاسة دان مريدور الذى كان وزيراً للشئون الإستخباراتية بين عامى 2009-2013. وكان من بين أعضاء اللجنة خبراء فى الأمن القومى والإستخبارات.
الفقرة الأولى فى الوثيقة المفتاحية تلك كانت ” ضمان وجود دولة إسرائيل، والدفاع عن كامل إقليمها وأمن مواطنيها وسكانها”.
الفقرة التالية ” الحفاظ على قيم دولة إسرائيل وهويتها كدولة يهودية وديمقراطية وبيت للشعب اليهودى”.
الفقرة الثالثة ” ضمان السلامة الإجتماعية والإقتصادية لدولة إسرائيل”.
والفقرة الأخيرة ” تعزيز المكانة الدولية والإقليمية لدولة إسرائيل، من خلال السعى نحو السلام مع جيرانها” ( يجب أن نفترض أن معدى الوثيقة كانوا منتبهين لأن السعى نحو السلام لا يسير جنباً إلى جنب فى كامل مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية)، لو كانت هذه الأهداف – وخاصة الفقرة التى تتعلق بمكانة إسرائيل الدولية والإقليمية- تقع نصب أعين القادة، لم تكن إسرائيل لتنزوى فى هذا العام إلى العزلة الخطيرة.
الدرس الثالث هو حاجة القادة إلى التخلص من المفاهيم القديمة، أو بكلمات أخرى للبروفيسور درور” التفكير المؤله – وهو التفكير الذى يستند إلى عبر من الماضى، الذى لن يعود مجدداً” التخلص من المصطلحات القديمة مثل ” الإنتصار” ” الحسم” وأوهام ” الإنتصار السهل عن بعد” شرط مسبق للإبداع والمرونة، الضرورية لإيجاد بدائل سياسية وأمنية، تأخذ فى الإعتبار الواقع المتغير.
الدرس الرابع طبيعة قرارات القائد لايتم اختبارها عن طريق المدى الزمنى والعملى الذى يبذله فى الدبلوماسية العلنية والعلاقات العامة. حتى اللحظة الأخيرة وأيضاً بعدها حاول نتنياهو إزالة الإتفاق مع إيران. وقد سافر إلى نيويورك (سبتمبر 2014) ليعرض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رسماً للقنبلة النووية الإيرانية مع الخط الأحمر. وقد حشد رئيس الوزراء الحزب الجمهورى لمساعدته من قبيل وجوده فى خطر فى صراعه مع الرئيس الديمقراطى.
لكن سمة القائد تتحدد عن طريق اختبار النجاح فى تحقيق المهام الأساسية التى وضعها لنفسه ويعرضها أمام الجمهور. الإضطرابات فى الكونجرس الأمريكى كانت موقئة حيث أخفق القائد فى إحباط الضرر الكبير، على أمن دولته -على حد زعمه-.
عملية اتخاذ القرار فى مسألة النووى الإيرانى ليست منفصلة، فالسطحية كانت سمة أيضاً فى معالجة مسألة الغاز الطبيعى. وتتـــنصل القيادة السياسية من مسئولية الضرر الذى وقع على مصالح الشعب. وبدلاً من فحص الأضرار واستخلاص العبر، اتهمت القيادة السياسية المعارضة والإعلام. ويمكن أن نلحق بذلك الفشل الذريع فى مسألة قائد عام الشرطة والفوضى التى تتعلق بإصلاح البث الجماهيرى.
عقيفا ألدر- المونيتور