فشل إدارة الصراع فى القدس يثبت عدم وجود استشراف للمستقبل لدى الحكومة وعلى إسرائيل أن تفتح آفاقاً أمام الشباب الفلسطينى كى تحل مشكلة الهجوم المتكرر على اليهود
تبدأ نهاية الأسبوع فى القدس بجنازة للزوجين هينكين الذان قتلا فى هجوم فى الضفة الغربية عشية يوم الخميس، وتنتهى بموت اثنين من اليهود الذين هوجموا فى البلدة القديمة عشية يوم السبت. أطلقت رصاصة نحو مستوطنة نوف تسيون الواقعة فى جبل المكبر، وهناك زجاجة حارقة تم إلقاؤها من العيساوية باتجاه مستشفى هداسا، وزجاجتان حارقتان تم إلقاؤهما باتجاه يهود فى البلدة القديمة وتلقى شاب فلسطينى رصاصة فى قدمه حينما كان يستعد لإلقاء زجاجة حارقة أخرى على رجال شرطة فى العيساوية. كما أصيب هناك أيضاً حوالى 2 فلسطينى أثناء تظاهرة عنيفة من إطلاق الرصاص المطاطى والغاز بواسطة الشرطة.
الواقع فى القدس يثبت مرة أخرى غياب الترقب والتوقع فى توجه إدارة الصراع وعجز المنظومة الأمنية أمام العنف الشعبى وحالات الإرهاب الفردية. وقع هجوم ليلة أمس فى شارع الواد وهو الشارع الرئيسى للمنطقة الإسلامية فى القدس، والتى تعتبر أيضاً محوراً هاماً إلى حائط المبكى بالنسبة لليهود والحرم القدسى بالنسبة للمسلمين. كما تسكن هذا الشارع عشرات العائلات اليهودية أغلبها ذات صلة بجمعية “تاج الكهنة”.
شارع الواد هو على مايبدو أكثر الشوارع أمناً فى إسرائيل، وربما فى العالم كله. فهناك بشكل متتابع يقوم العشرات من رجال الشرطة ومقاتلى حرس الحدود بتأمين الشارع، وكاميرات المراقبة توثق كل كبيرة وصغيرة فى الشارع. وبمناسبة العيد والتوتر الأمنى تم تشديد عملية التأمين فى الشارع وتم نشر أعداد أخرى من رجال الشرطة. وقد اعترف رئيس المدينة نير بركات بعد الهجوم قائلاً ” وكأنه ليس هناك رجال شرطة فى دولة إسرائيل، جميعهم فى القدس”. وعلى الرغم من ذلك نجح المخرب فى أن يجد مساحة بين خليتين من رجال الشرطة لكى يقوم بتنفيذ الهجوم.
كما فى الصيف الماضى، وعمليات الدهس والطعن التى وقعت به، يبدو فى هذا الخريف أن العمليات الهجومية تأتى من عامل واحد وهو الدافع والإستعداد لدى الشباب الفلسطينيين للموت من أجل قتل اليهود. الحماية عن طريق نشر رجال الشرطة بشكل موسع مفيد بالطبع فى أن ينتهى الهجوم بسرعة بموت المخرب، لكن ليس فى منعه. إحدى المصابات جرت حوالى 50 متراً حتى دورية الشرطة التابعة لحرس الحدود، الذين قتل رجالها المخرب بإطلاق النار عليه.
التصريحات الكلاسيكية من قبل المتحدثين باسم اليمين بدءاً من ليبرمان وحتى بركات، حول التعسير على الفلسطينيين وهدم المنازل الخاصة بالمخربين، وبناء أحياء يهودية، والعقاب الجماعى، والقبض على المحرضين، وتغيير إجراءات إطلاق النار والجلسات الطارئة للمجلس الوزارى السياسى الأمنى، كل هذا تملق. وتأثر كل هذه الأمور على ظاهرة المخربين الفرديين هامشية بل منعدمة. وإذا كان لكل هذه الإجراءات تأثير فإن هذا التأثير لن يكون إيجابياً أبداً.
أثير سؤال حول مدى تأثير ذلك على هذا الدافع. يعتقد مسئولى الأمن جميعاً أن مشكلة الحرم القدسى والإيمان بأن إسرائيل تخطط لتغيير الوضع الراهن فى الحرم القدسى هى العنصر الحاسم والأمر يتم إثباته مراراً وتكراراً على صفحات الفيس بوك الخاصة بالمخربين. هذا الإيمان الإسلامى ليس له أساس فى الواقع، فرئيس الوزراء لايفكر فى تغيير الوضع الراهن، الذى لايسمح لليهود الصلاة فى الحرم القدسى، لكن هذا الإيمان له جذور عميقة فى توجه الجمهور الفلسطينى. المخربون لايحتاجون إلى أبومازن الذى سيقول لهم ذلك على المسرح فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، يكفى أنهم يرون صور رجال الشرطة فى الحرم القدىسى.
إذن ماذا يمكن أن نفعل؟ فى واقع آخر، غير مثالى، وفى وجود حكومة أخرى كان من الممكن أن نقترح اقتراحات بعيدة المدى، على سبيل المثال، السماح بالحضور العربى الرمزى (بالزى العسكرى مثلا) فى الحرم القدسى لكى نثبت جدية إسرائيل فى الحفاظ على الوضع الراهن. وفى واقع أفضل كان من الممكن أن نقترح العودة إلى المفاوضات السياسية ولو لكى نبين للشباب الفلسطينيين أن هناك أفق آخر. لكن فى واقعنا هذا يبدو أننا نكتفى بالمزيد من الجلسات الطارئة فى المجلس الوزارى الأمنى ومزيد من رجال الشرطة فى شارع الواد.
نير حسون- هأرتس