ها قد بدأ صباح آخر بنبأ حول حادثة طعن أخرى في القدس (7 أكتوبر). وقد تم إطلاق النار على المخربة وأصيبت إصابة بالغة. كما أغلقت الشرطة المنطقة. وبدأ الشاباك في التحقيق. غداً سيرسلون المسّاحين لتجهيز منزل المخربة للهدم. غداً سنسمع عن أسرة يهودية أخرى قُتِلت في طريقها إلى البيت الذي يقع في إحدى المستوطنات في الضفة الغربية. وسيصرخ الأصدقاء أمام منزل رئيس الحكومة الذي يحتاج “يد من حديد” ضد الفلسطينيين. وسيضع الجيران حجر تذكارى فى المستوطنة على اسم الضحايا، وفتية تأخذهم حمية الشباب يخرجون لإضرام النيران في حقول الغلة التابعة للعرب فالكلمة “فلسطينيين” غير معروفة في لغة المستوطنين) من القرية القريبة. قبل عدة أيام أذاع التلفزيون توثيقاً حصرياً لاقتحام قوات المستعربين مستشفى في نابلس والقبض على المشتبه به في مقتل الزوجان “هنكين” [1 أكتوبر]، الذي أصيب في الحادثة. على هامش الأخبار أفيد بأن الجيش الإسرائيلي يقرّ بأن الفتى الذي أُطلق عليه النار حتى الموت في بيت لحم تصادف وجوده في الحادثة في المكان غير الصحيح في الوقت غير المناسب. هل يتذكر أحد اسمه؟

في السنوات التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو، في سبتمبر 1993 وخلال الأشهر القليلة التي حكم فيها “شمعون بيريز” و”إيهود باراك”، هذه الطقوس أصبحت سيناريو معروف سلفاً: إرهابي فلسطيني يغتال مسافرين إسرائيليين في طريقهم إلى المستوطنة، تقوم قوات الأمن باقتحام القرية الفلسطينية المجاورة، ويؤخذ عشرات الرجال إلى التحقيق، ويُعتقل المشتبه فيهم، وتهدم المنازل، ويلقي “بنيامين نتنياهو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة خطاباً احتجاجياً ضد الحكومة؛ ويتهم اليمين “مجرمي أوسلو” بالعجز أمام الإرهاب وينادي بالرد بزخم في كل أرجاء المناطق المحتلة؛ وبصفته رئيس للمعارضة في تلك الأيام قام “نتنياهو” بالاحتجاج بشدة ضد الإفراج عن مخربين، كخطوة تمثل دافع للعملية السياسية. كما زعم أن الإفراج عن 400 معتقل فلسطيني، كبادرة كريمة من قبل حكومة “أولمرت” قبيل مؤتمر أنابوليس [2007]، “ليس سبيل للسلام بل للإرهاب”.

حقيقة أنه بعد مرور أربع سنوات [2011]، قررت حكومته أن تفرج عن 1.027 معتقل فلسطيني، من بينهم قتلة، مقابل إطلاق سراح “جلعاد شاليط”، ليست في حاجة إلى أن تنسب إلى “نتنياهو”. هذه هي قواعد اللعبة السياسية. كان الرئيس الأمريكي الأسبق “جيرالد فورد” قد أوضح لـ “يتسحاق رابين” سبب عدم الإيفاء بوعده، كعضو كونجرس، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بعبارة ” تبدو الحياة مغايرة فى المكتب البيضاوي”. إن الظاهرة التي تضايق أي إسرائيلي، أو صديق إسرائيلي هي أن قواعد اللعبة السياسية المألوفة في العالم الديموقراطي، هذه القواعد قد اندثرت. تجد ائتلاف يتصرف تصرف المعارضة وتجد معارضة تتصرف تصرف الائتلاف. وتشخيص الفيلسوف الفرنسي “رينيه ديكارت”، “أنا أفكر إذن أنا موجود”، مر بتحريف إلى “أنا أصرخ إذن أنا موجود”.

في مساء يوم الإثنين (5 أكتوبر)، عشية عيد التوراة، شاهد مواطني إسرائيل، البالغون منهم والأطفال، التلاميذ والطلاب، ثلاثة أعضاء من الحكومة – “حاييم كاتس”، “ياريڤ لڤين” و”زئيڤ ألكين” – يتظاهرون في القدس ضد سياسة حكومتهم. ليس وزراء “البيت اليهودي” الذين حولوا الاحتجاج ضد الحكومة التي يعملون فيها إلى أمر معتاد؛ هؤلاء الثلاثة هم أعضاء كبار في الليكود، الحزب الحاكم، الذي يترأسه رئيس الحكومة. وبتصنع قال وزير الرفاه الاجتماعي “كاتس”: “إنني لم أحضر للاحتجاج ضد الحكومة. لقد حضرت احتفالاً بالعيد”. ومباشرة بعد ذلك صرخ في الميكروفون إلى الجمهور: “جئت لأطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تغلظ العقوبة. وأن تحمل أولياء أمور الأطفال مسئوليتهم”. لا داعي للقول بإن هذه القاعدة سارية من جانبه فقط على الأطفال الفلسطينيين. لقد أجزم أيضاً بأن تجميد البناء في المستوطنات “يشجع أبناء الشر”. في الواقع، إن الوزير يتهم الحكومة، بما فيها شخصه، بمسئولية تشجيع الإرهاب ضد أبناء شعبه. من الممكن أن نجد لتلك التصريحات صدى أيضاً في تصريحات الوزير “لڤين”، الذي صرح بأنه “يأمل ويرجو بأن يسمع في تلك الليلة نبأ التصديق على تقسيم المدينة إلى مناطق وتصاريح البناء، التي ستسمح لنا بدحر الإرهاب بشكل أكثر يهودية”.

كتبت رئيسة حزب “ميرتس”، “زهاڤا جلئون”، عن ذلك على صفحة الفيسبوك الخاصة بها: “يا للعار. كيف تجرؤون على الإنضمام إلى المتظاهرين وكأنه ليس ثمة مسئولية ملقاة عليكم على هذا الوضع؟ سنوات وأنتم في الحكم، والشيء الوحيد الذي لديكم لتقديمه هو السير في تظاهرات والصراخ بأنه يجب ممارسة المزيد من القوة؟ أنتم الحكومة، من الذي يقف أمامكم؟” وبالتوازي مع ذلك، قام “يتسحاق هرتسوج” بالهجوم على رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” (أبو مازن). لقد اتهم الزعيم الفلسطيني الذي تجرأ على مهاجمة الاحتلال، بأن تصريحاته في الأمم المتحدة حول نظام التفرقة العنصرية في الأراضي المحتلة “يخدم المتطرفين من الشعبين”. كما جعل زعيم “ييش عتيد”، “يائير لابيد”، من “أبو مازن” شريكاً مباشراً في مقتل الزوجين “هانكين”. وعلى حد زعمه، فهذا القتل “هو استمرار مباشر لسياسة التحريض والأكاذيب التي يتبعها أبو مازن”. لقد نسوا حرق عائلة الدوابشة حتى الموت في قرية دوما قبل شهرين [31 يوليو]، وانتقلوا إلى جدول الأعمال حول بيان وزير الدفاع “موشيه يعالون”، بأننا نعلم من المسئول، لكن لا نكشف ذلك حتى لا نكشف مصادر استخباراتية”. ليس من الصعب بمكان تخمين ما كان سيقولوه اليمين لو أن تصريحات كهذه خرجت من وزير دفاع يساري إن كان الأمر متعلق بحرق يهودي حتى الموت.

كتب رئيس الحكومة الأول، “داڤيد بن جوريون”، الذي سنحتفل في الأسبوع القادم (16 أكتوبر) بذكرى مولده الـ 129، في كتابه “نصر إسرائيل”، أن “الرؤية هي سر وجودنا، سر نهضتنا”. وقد دعّم كلامه باقتباس من سفر الأمثال، الإصحاح الـ 29، الفقرة 18: “بلا رؤيا يجمح الشعب”. لقد رأى بن جورين أكثر من خطوة للأمام بخصوص مسائل متى نناضل وكيف نتصالح. كما خاطر ولم يكن خالياً من الأخطاء. في القاموس السياسي للشخص الذي يجلس على كرسيه، “بنيامين نتنياهو”، كلمة “رؤية” لا تظهر. يا للمأساة، الشعب لا يريد زعيماً برؤية. إنه يريد “زعيماً قوياً”. فقط بالكلام.

 عقيڤا إلدار-هارتس