فى أوقات الأزمات كتلك التى نعيشها الآن. يكون الميل نحو التمسك بالمفاهيم القائمة. لكن الحقيقة هى أن حالات الأزمات يمكن أن توقظنا من المفاهيم الراسخة فينا، حيث أن الأزمات تولد بالفعل من خلال واقع ومعطيات تختفى وراء الوضع الروتينى العادى، لكن لم تجد لها حلاً.
المواجهات غير المتناهية بيننا وبين الفلسطينيين منذ بدأ النشاط الصهيونى، تثبت أن اليمين على اختلاف أجياله محق فى تقديراته التشاؤمية الأساسية؛ فالعرب لم يقبلوا بوجود دولة يهودية بينهم، بأى حدود كانت. الطريقة الوحيدة التى يقبلون فى إطارها ذلك –وعلى مضض- تأتى عن طريق “الجدار الحديدى” الأمنى، أى الوقوف الصلب الصارم.
التفسير العملى الحالى لهذا المفهوم هو التخلى عن الميل الساذج نحو مواجهة الإرهاب بأدوات القانون الجنائى العادى فيما يتعلق بأوامر إطلاق النار، وإضفاء الشرعية على العقاب الجماعى والصرامة التامة من أجل منع التحريض وما إلى ذلك. على الرغم من ذلك، لايزال من الضرورى الحفاظ على عاملين لكبح الجماح:-
* الأول أخلاقى وهو استخدام أدوات الصراع بشكل معيارى، إلى السقف الذى تبرر فيه خطورة الوضع، رد الفعل الذى يتم القيام به.
* العامل الثانى عملى وهو العمل بالشكل الذى لايجعل أضرار أدوات الصراع أكبر من فوائدها.
فى المقابل، لم يستخلص اليمين العبرة السياسية الصحيحة من تحليله؛ مستوى الحقد بين الشعبين يقضى بأن هناك حاجة ملحة لتقليل الإحتكاك بينهما بقدر الإمكان. فى هذه النقطة تغلب الأساس الثانى الذى يميز اليمين –الحاجة التاريخية والدينية لفكرة أرض إسرائيل الكاملة- على التحليل السياسى الأمنى المتزن. لقد شوش ترتيب الأحداث، وأدى بنا إلى سياسة تخفى فى الواقع ما يمكن الإستفادة منه من الإعتراف بحجم الكراهية العربية. فى هذه النقطة بالذات نجد رجال حزب العمل التاريخى، الذين لايقل انتمائهم إلى فكرة أرض إسرائيل الكاملة عن رجال اليمين، قد أدركوا مفهوم اليمين على شكليه، “الجدار الحديدى” الأمنى إلى جانب الإستعداد لتسوية سياسية.
على مايبدو، ليس لهذه الأمور معنى عملى حالى؛ حيث أنه لاتلوح فى الأفق أى تسوية سياسية. كما كتب هذا الأسبوع اللواء “احتياط” جيورا أيلاند فى يديعوت أحرونوت فإن مفهوم “إدارة الصراع” –هو على ما يبدو الأصوب لهذه الفترة- ويستلزم الحذر من أى تغيير فى الوضع الراهن. هذا الأمر ليس مناسب جداً فقط فى مسألة الحرم القدسى، بل فيما يتعلق أيضاً بالبناء خارج المستوطنات. حق الصلاة اليهودى فى الحرم القدسى – والذى هو مبرر وتجدر المطالبة به فى إطار مفاوضات سياسية- لايمكن أن يتم فرضه من جانب واحد فى حالة “إدارة الصراع”.
الواقع التاريخى يقضى بأن سياسة “الجدار الحديدى” جلبت على مايبدو اعترافاً عربياً وعالمياً بدولة إسرائيل ” الصغيرة”، الواقعة على حدود 1967 وبشكل اقل فى الغرب (فى ضوء مسودة كلينتون) ضمت إليها الكتل الإستيطانية الكبرى. فى ضوء الفكرة الأساسية للحركة الصهيونية والشعب اليهودى فى القرن العشرين، فإن هذا إنجاز لم يتحقق من تلقاء نفسه، ولا يجدر أن نعرضه للخطر بنهم كبير جداً أو الإعتماد عليه من أجل تحقيق إنجازات أكبر. مثل هذا النهم من الممكن أن يعرض السيطرة اليهودية الكاملة على أرض إسرائيل للخطر. حتى وإن نجحنا فى ذلك فى صراع طويل وعنيد وعبثى، فالثمن من المتوقع أن يكون كبيراً للغاية.
إذا كان هناك اعتراف يمكن أن يأتى من أحداث الأيام الأخيرة، فإنه سيكون بطلان فكرة “الدولة الواحدة” التى تمناها عدد من عناصر اليمين فى السنوات الأخيرة. فى الواقع الذى يكون فيه رجال اليمين أنفسهم يتنافسون فيما بينهم فى إقتراح مزيد من التفرقة والحصار وفصل أحياء القدس الشرقية عن باقى أجزاء المدينة، فأى أفق عملى كامن فى فكرة المزج التام بين القطاعين السكانيين على طول الخط بين البحر والأردن؟.
مثل هذه الدولة –غير يهودية وغير ديمقراطية- وهذا السيناريوهان يعرضان مستقبل إسرائيل للخطر، وكذلك صورتها المطلوبة. المعنى الواقعى لهذه المزاعم بأنها فى حالة غياب فرصة للتسوية تحتاج توجه “إدارة الصراع” هو أخذ المبادئ التالية فى الإعتبار:-
– الحذر من محاولات التغيير من جانب واحد للوضع الراهن وخاصة فى مكان قابل للإنفجار كالحرم القدسى.
– بناء المستوطنات اليهودية فقط على طول الخطوط التى توضح أن وجه إسرائيل ليس دولة واحدة بين البحر والأردن.
– تطوير الحياة اليومية للجمهور العربى بالطبع فى القدس الشرقية التى تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفى الضفة الغربية بقدر الأمكان من خلال إدراك أن مستوى التشغيل والحياة اليومية السليمة ربما لاتمنع تماماً الانشطة الإرهابية ولكن ستعمل على خفضها وستمثل مصلحة “للغالبية التى تنزف” وعاملاً لكبح جماحها.
يائير شيلج – هارتس