لم تمر موجة الأحداث العنيفة التي اجتاحت الأحياء العربية في القدس الشرقية والتي انزلقت نحو دولة إسرائيل، مرور الكرام على الأقلية العربية في إسرائيل. ففي الجليل، في “المثلث” وأيضاً في القرى التي تُعتبر معقل الوجود المشترك اليهودي-العربي، مثل يافا، سُجلت تظاهرات، حدثت في بعضها أحداث عنف. ينبغي أن نضيف إلى ذلك حالات فردية من الطعن، التي نفذها مواطنين عرب. هؤلاء ساهموا في الخوف والغضب بين الجمهور اليهودي، الذي أحياناً يحمل طابعاً عنيفاً، وهذا من جانبه قد زاد من التخوف بين الجمهور العربي من الأعمال الانتقامية والتوتر بينه وبين الجمهور اليهودي.
إن انزلاق العنف الى الوسط العربي في إسرائيل فى ضوء اضطراب الوضع الأمني في الأراضي المحتلة وفي القدس ليس بجديد. والنماذج البارزة على ذلك قد سُجلت إبان الانتفاضة الأولى وكذلك في المرحلة الأولى من الانتفاضة الثانية، حينها، في عام 2000، تطورت “هبة أكتوبر”. هذه الهبة، التي حدثت قبل 15 عام بالتحديد، قد انتهت بمقتل 13 عربي وعشرات الجرحى عقب المواجهة العنيفة مع الشرطة. وعلى هذه الخلفية نشأ شرخٌ عميق في العلاقات بين اليهود والعرب. كما سُجلت ظواهر مشابهة، ولكن بقدر أقل بكثير، على خلفية العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في السنوات الأخيرة. تشير ظاهرة الانزلاق المتكرر من الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية إلى الساحة الإسرائيلية نفسها إلى أن إسرائيل لم تنجح في محو شعور الهوية القومية المشتركة بين السكان في الساحة الفلسطينية داخل إسرائيل وخارجها. وقد ثبت مراراً وتكراراً، أنه إلى جانب التطور المنفصل للدوائر السكانية الفلسطينية ظلت صلات قوية على حالها تستمد قوتها من ماضيهم التاريخي، ومفهوم الهوية الفلسطينية وروابط الأسرة، التي تخلق معاً حالة تضامن، تجتاز الاختبار في كل مرة ينشأ فيها وضع مرهون بتضرر كبير في حياة الفلسطينيين أو في رموزهم القومية والدينية، مثل مسجد الأقصى.
يمثل المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين – بما في ذلك مواطني إسرائيل – رمزاً دينياً قومياً من الدرجة الأولى. عندما يعتقد هذا الجمهور بأن المسجد مُهدد، مثلما حدث مؤخراً، يميل إلى التكتل وراء الرمز والتحرك لـ “إنقاذه”. لكن، هذا جزء فقط من الصورة. الجزء المهم الآخر فيها يتعلق بمنظومة العلاقات التي تطورت في السنوات الأخيرة بين الأقلية العربية وبين المؤسسة الإسرائيلية والجمهور اليهودي في الدولة. من ناحية الكثير من العرب في إسرائيل، هناك نية وعملية مؤسسية من وراء تلك العلاقات المتأزمة لمنعهم من الساحة الثقافية والسياسية للدولة، التي تُعرض من قبل الأغلبية، بتشديد كبير، على أنها “دولة يهودية ديموقراطية”. الانعكاس البارز الأخير على ذلك كان التشريع المضاد للعرب في الكنيست، الذي كان جزء من ظاهرة وصلت إلى ذروتها قبيل انتخابات للكنيست الـ 20، وليس فقط بين مفكري اليمين. أيضاً تسمية حزب العمل باسم “المعسكر الصهيوني” يُعتبر جزء من هذا الاتجاه. الرأي السائد بين الجمهور العربي يفيد بأن الحكومات الإسرائيلية تسعى، لاسيما منذ أن نُشرت “وثائق الرؤية العربية” في نهاية عام 2006 وبداية عام 2007، بتطبيق سياستها تجاه الأقلية العربية بواسطة سياسة الدمج الاقتصادي، التي ترتكز على اعتبارات اقتصادية – وهى الحاجة إلى زيادة إنتاج العمل. هذا، على أساس الفرضية التي تقول بأن الدمج الاقتصادي سيساهم في الاقتصاد عقب تقدم العرب في رفاهية الفرد.
يبدو أن أحداث الإحتجاج الأخيرة بين الجمهور العربي، حتى وإن لم تتصاعد، لا تشير فحسب إلى عمق بُعد الهوية السياسية-الفلسطينية والدينية-الإسلامية، بل أيضاً إلى هشاشة نموذج الدمج الاقتصادي. والأدهى من ذلك عن طريق الاعتراف السائد بين العرب في إسرائيل، أن تطبيق مفهوم الدمج يتم ببطء شديد وبقدر محدود. يشير الوجود الملحوظ للشباب في التظاهرات ووجود حركة الشباب الافتراضية “الحراك الشبابي”، إلى طبقات واسعة لا تنسب نفسها إلى أولئك الذين ينتمون إلى سياسة الدمج وبالتالي، الشعور بالإحباط هو الذي يحرّكهم. هذا الشعور يبرز في الإعلام الاجتماعي، الذي يبعث رسائل راديكالية فلسطينية، عربية وإسلامية بقوة وبسرعة، من خلال تقليل شديد لتأثير عناصر تقليدية على الشارع عامة وعلى الشباب خاصة. هذا جزء من خلفية الضعف الجزئي للفصيل الشمالي للحركة الإسلامية، التي انعكست مؤخراً على معدلات التصويت المرتفعة للكنيست (يرفض الفصيل الشمالي مبدئياً قضية أراضي البدو في النقب، كما لعب الفصيل الشمالي دوراً هامشياً نسبياً. إزاء هذا الضعف، حركة “رائد صلاح”، المسماة بـ “شيخ الأقصى”، تدفع بجدول أعمال شائك خاص بالقدس، بغرض توسيع قبضتها على الجمهور.
إزاء كل ذلك يجدر بنا أن نشير إلى الدور المسئول، بشكل عام، الذي لعبته في الأحداث الأخيرة، القيادة السياسية – المحلية والوطنية – للجمهور العربي. لقد تأثرت على ما يبدو أيضاً بما يُعتبر توصية رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” لـ “فلسطيني الداخل” باجتناب العنف والسيطرة على ردود أفعالهم. تصرف أعضاء لجنة المتابعة العليا بصفة عامة حتى الآن، بضبط نفس نسبي، لكنه مدوي. هكذا أُجلت مراراً وتكراراً زيارة أعضاء الكنيست المخطط لها للقائمة المشتركة للحرم القدسي – زيارة كانت من شأنها أن تخلق موجة مشعلة للعنف، حتى وإن لم يمتنعوا عن ظاهرة التضامن العلني مع أبناء شعبهم في الأراضي المحتلة. على هذه الخلفية أُعلنت عطلة وطنية (في يوم 13 من أكتوبر)، مثلما مرت مسيرة التضامن الرئيسي ذات الحضور الحاشد التي أُجريت في سخنين، بهدوء. في ظل تلك الظروف يبرز الموقف المعتدل لرئيس القائمة المشتركة “أيمن عودة”، الذي ينجح في تلك الأثناء في فرض موقفه البراجماتي على شخصيات وعناصر أكثر تطرفاً في القيادة السياسية وفي الوقت نفسه يفلح في الحفاظ على توحدها، على الرغم من الخلافات العميقة بين شُعبها.
في هذا الوضع المعقد، ما الذي يجدر بالحكومة الإسرائيلية أن تفعله أمام الأقلية العربية؟
* على المدى القصير، التحدي الرئيسي هو الحفاظ على النظام في الساحة العربية وفصل الأحداث داخلها عما يحدث في القدس الشرقية. هناك أهمية قصوى لبذل جهود تفاهم بين الشرطة وعناصر الحكومة وبين القيادات العربية. ينبغي تجنب إقصائها وتقديمها على أنها عنصر متطرف. يجب تعزيز العناصر المعتدلة داخلها وقدرتها على تهدئة الشارع الهائج، لاسيما الشباب، حتى وإن لم يكن واضحاً مدى تأثيرهم عليهم. لتصرف الشرطة في الشارع العربي تأثيراً ملحوظاً على ما يحدث وعلى الأجواء فيه. حتى الآن يبدو، أن الشرطة قد استفادت من دروس هبة أكتوبر 2000. على ضوئها، يجدر استيعاب الأحداث الأمنية بشكل حازم ولكن متناسب، بأسلوب يتيح وجود احتجاجي من دون أن ينزلق نحو العنف والإرهاب. هناك تحدي آخر يواجه الشرطة ألا وهو ضرورة منع ظواهر العنف من جانب اليهود ضد العرب، التي قد تزيد التوتر على الأرض.
* جُلّ الجهد الحكومي يجب أن يُبذل على الفور مع توقف القلاقل. على الحكومة إعادة النظر في سياستها الشاملة تجاه الأقلية العربية في إسرائيل، وخاصة تحفيز وتوسيع بشكل كبير، لتطبيق العمليات التي بدأت فيها بهدف تكثيف الاندماج الاقتصادي للسكان العربي. هذه الموضوعات قد تم مناقشتها في اللقاء الذي انعقد في يوم 21 مايو بين رئيس الحكومة ورئيس القائمة المشتركة وعلى ما يبدو هناك الكثير من الخطط، التي تنتظر التطبيق. لقد حان الوقت لخلق تفاهم مع القيادة القومية للأقلية العربية، إلى جانب زخم في تطبيق مُسرع للخطط القائمة، في مجالات التوظيف، والتعليم، والبنى التحتية. وسيكون من المهم المساهمة في تقليص الحوار المتعصب المضاد للعرب في المنظومة السياسية في إسرائيل، وليس أقل منه – في الشارع الإسرائيلي.
معهد دراسات الأمن القومي
بقلم: دورون موتسا، ميئير ألران، إيتمار أرداي