بدأ في إسرائيل، بعد تأخر كبير، عصر ما بعد الاتفاق النووي مع إيران. فقد استُهل رسمياً هذا الأسبوع (٢٧ أكتوبر) بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي “موشيه يعالون” لواشنطن. كما تصف مصادر أمنية إسرائيلية هذه الزيارة بأنها “مصيرية” فيما يتعلق بالمواجهة الإسرائيلية مع تداعيات الاتفاق محل الخلاف. وسيأتي بعد “يعالون” رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، ليلتقي الرئيس “أوباما” في نوفمبر.
كلتا الزيارتان من المفترض أن تساعدا إسرائيل في فتح “صفحة جديدة” في العلاقات المتوترة بين واشنطن والقدس. لن يستلطف “أوباما” و”نتنياهو” أحدهما الآخر في مرحلتهما الحالية، لكن في القدس (مكتب رئيس الحكومة) وخاصة في تل أبيب (وزارة الدفاع) يأملون بأن يصبح من الممكن الخروج إلى مسار جديد، ومحاولة نسيان ما كان، والتركيز على ما سيكون، أو بالأحرى، بما ترغب إسرائيل أن يكون في العقد المقبل.
تقريباً كافة قادة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في الجيش الإسرائيلي وفي وزارة الدفاع، يرون أن إسرائيل كانت في حاجة إلى القبول بالاتفاق النووي مباشرة بعد إبرامه، ولم تكن في حاجة لإدارة المعركة البائسة الساخطة واليائسة التي أدارتها في محاولة لصدّ الاتفاق في الكونجرس الأمريكي. أطلق مسئولون رفيعو المستوى في المنظومة الأمنية الإسرائيلية على معركة “الأرض المحروقة” هذه مسمى “الرهان الخطير” لـ “نتنياهو” و”يعالون” على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة. وقد فشل الرهان. الآن، سيحاول “بيبي”، و”بوجي” أن يثبتا أنه لم يكن مزيد من الفيشات والمصالح الاستراتيجية في مجموعة الرهون على طاولة القمار التي خسروها في الرهان. سيحاولان الإنتقال بسرعة إلى “المشاريع كالعادة” وأن يثبتا أنه لم يتضرر أي شيء رئيسي في منظومة العلاقات المتشعبة والحيوية وكذلك في المعونة التي تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة.
قبل وصول “يعالون” إلى واشنطن تشكلت في إسرائيل “حزمة التعويضات” اللازمة، التي طلبها “يعالون” (وبعده نتنياهو) من الأمريكان. يبدأ الأمر بالأموال: في العقد الماضي حصلت إسرائيل على قرابة المليار دولار في السنة كمعونة عسكرية من الولايات المتحدة. 80% من المبلغ تنفقه إسرائيل، بحسب الالتزام، على منتجات أمريكية. تتطلع إسرائيل إلى زيادة هذا المبلغ بشكل ملحوظ في العقد المقبل (الذي سيبدأ مع عام 2017). وتشير التقديرات بأن إسرائيل ستطلب أربعة مليارات ونصف المليار في السنة، حتى تتم الصفقة في النهاية على أربعة مليارات، وزيادة الثُلث على المعونة الحالية. إن زيادة المبلغ لازمة، بحسب إسرائيل، لمواجهة تداعيات الاتفاق النووي على المنطقة وخاصة على الخطوات التي ستضطر إسرائيل إلى اتخاذها إزاء التعاظم الإيراني الملحوظ واشتداد “حرب الإرهاب” التي تخوضها إيران ضد إسرائيل، عن طريق أذرعها المختلفة.
ولكن ليس المال وحده هو المطروح على كفة الميزان: ستحاول إسرائيل أن توسع وتعمّق التعاون المخابراتي والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لتحقق زيادة تمويل بطاريات “القبة الحديدية” جديدة، وأن تكثف التمويل والتدخل الأمريكي في معركة “العصا السحرية”، التي تعتبر عناصر دفاعية ضد القذائف الصاروخية، والصواريخ، والصواريخ الباليستية على ارتفاعات مختلفة، وستشتري أسطول طائرات حربية من طراز إف-35، وستحصل على كمية قنابل “خارقة للتحصينات”، وأجهزة رادار، وتكنولوجيا سايبر وأجهزة كثيرة أخرى تهدف للحفاظ على “التفوق النوعي” لإسرائيل – ليس فقط تفوق على إسرائيل وأعداء على شاكلتها، بل أيضا تفوق على دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تحصل هي الأخرى على “حزمة تعويضية” أمريكية سخية إثر الاتفاق النووي.
وبعبارة أخرى، هدف كلتا الزيارتين (يعالون ونتنياهو) هو محاولة الحفاظ على مكانة إسرائيل كأبرز حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. هذه الأسبقية الإسرائيلية كانت محلّ تشكك كبير في السنوات القليلة الماضية، بعدما حاول “نتنياهو” أن يساعد “ميت رومني” في انتخابات 2012، وحدوث تدهور منقطع النظير في العلاقات بين “أوباما” و”نتنياهو” في السنوات التي سبقت ذلك، والتي وصلت إلى ذروتها في خطاب “نتنياهو” أمام الكونجرس في مارس 2015.
إن إعلان نائب الرئيس “جو بايدن” في الأسبوع الماضي [12 أكتوبر] أنه لن يترشح للرئاسة، بث الحياة والحيوية فى الحملة الانتخابية لـ “هيلاري كلينتون”، ولكنه قوبل بحزن شديد بين المحيطين برئيس الحكومة “نتنياهو” في القدس. لقد كان يعتمد “نتيناهو” على خوض “بايدن” للمعترك الانتخابي. فالعلاقات بين “نتنياهو” ونائب الرئيس قديمة وعميقة. فعلى مدار سنوات جمعتهما لغة مشتركة وتقدير متبادل، على الرغم من الخلافات والانتقاد الشديد. وبعبارة أخرى، بإمكان “نتنياهو” أن ينسجم مع “بايدن” كرئيس. الأمر الذي يستحيل أن يتم مع “هيلاري كلينتون”. يعتبر “نتنياهو”، “كلينتون” ورجالها وأنصارها، ألد أعداء، استراتيجيين، منذ عهد الرئيس “بيل كلينتون”، الذي ساهم في هزيمة “نتنياهو” أمام “إيهود باراك” في انتخابات 1999.
لكن هناك شيء ما: لقد قدّر رجال حول “نتنياهو” بأن خوض “بايدن” للمعترك الرئاسي سيشجع “أوباما” للحفاظ على “جبهة هادئة” مع “نتنياهو” حتى نهاية فترة حكمه. إن “أوباما” مدين بالكثير لـ “بايدن” أكثر منه لـ “كلينتون”، وهو يعلم جيداً أنه لا يجب الدخول في صدام مع إسرائيل عشية الانتخابات. ومن أجل أن يحسن فرص “بايدن” ويرضي “الإيباك”، من الممكن أن يوعز “أوباما” بتوسيع ملحوظ في المعونة الأمنية لإسرائيل وتعميق التعاون. وهذا لن يحدث. لقد سبقت المناقشات التي أُجريت بين الأطقم الأمنية الخاصة بإسرائيل والولايات المتحدة هذا الأسبوع في واشنطن، سبقتها مقابلات على مستويات العمل في تل أبيب وفي واشنطن. وخلافاً للمعونة المالية والتعاون المخابراتي، هناك أيضاً ملف حرج مطروح على جدول الأعمال، ألا وهو تنسيق العمليات والردود فيما يخص مواصلة تعقب إيران في المجال النووي وفي مجالات أخرى.
يسعون في إسرائيل للوصول إلى اتفاقات واضحة ومكتوبة مع الإدارة الحكومة فيما يخص إدارة المتابعة المخابراتية بعد تطبيق الاتفاق النووي ونظام العمليات التي ستُتخذ حال نقض الإيرانيين لهذا الاتفاق. يدركون في إسرائيل أن إعادة نظام العقوبات قد يستغرق وقتاً طويلاً ويرغبون في الحصول على “الضوء الأخضر” من البيت الأبيض مسبقاً لاستخدام وسائل أخرى، من بينها أيضا الهجوم العسكري، حال ضبط الإيرانيين يخرقون الاتفاق، سواء عن طريق “التسلل” إلى انتاج قنبلة نووية أو “الانطلاق السريع” إليها في مرحلة معينة. وفقاً لكافة التقديرات، في هذا النطاق تنتظر إسرائيل حياة عصيبة في واشنطن. “أوباما”، الذي أصبح مستوى الثقة الذي يمنحه لـ “نتنياهو” في أدنى مستوياته طوال الوقت، لا ينوي مساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلي بأن يقدم إنجاز من هذا النوع. إن تنسيق من هذا المستوى، على حد زعم مسئولين أمريكان، كان بمقدور “نتنياهو” أن يحققه في مراحل مبكرة أكثر، عندما اقترح الرئيس الشروع في المناقشات والمفاوضات بين البلدين. لكن مثلما نُشر لأول مرة في المونيتور [مايو 2015]، رفض “نتنياهو” يدّ الولايات المتحدة الممتدة إليه واستمر في حربه الشعواء ضد الرئيس، بهدف صدّ الاتفاق عن طريق الكونجرس. الآن، على ما يبدو، أنه سيدفع ثمن هذا.
بن كاسبيت- المونيتور