موجة العنف الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين تدفعنا إلى تذكر الأيام الجميلة جداً، حين عمل كل من اسحق رابين وشمعون بيريز وياسر عرفات سوياً من أجل التوصل إلى حل سلمى.

يروى للمونيتور، أحد المسئولين الفلسطينيين رفيعى المستوى فى منظمة التحرير الفلسطينية –رفض ذكر اسمه- وهو من المجموعة الفلسطينية التى فاوضت رابين وبيريز مباشرة أنه يتذكر جيداً مشاركته فى جنازة رابين فى 6 نوفمبر 1995، حيث قال ” لقد كان ذلك نوعاً من الشعور بالمشاركة فى الحزن، علمنا جميعاً بأن هذا الأمر أكث من تراجيديا شخصية، وأن هذا فقدان لطريق السلام”.

وأضاف بقلق كبير ” قلما اتفقنا مع رابين فى أى أمر، الرؤية الأمنية خاصته خرقت حقنا فى الحرية، لكن احترمناه واحترمنا قراره الإستراتيجى بالسعى نحو السلام وحل الدولتين، فى تلك الأيام، على الرغم من اختلاف وجهات النظر بينه وبين ياسر عرفات، كان الصراع قومي الطابع، فهناك حركتان قوميتان تتصارعان على توصيف شخصى لنفس الجزء من الأرض، وقد كان الحل المقترح كذلك، وكان يهدف إلى توزيع هذا الجزء من الأرض بين الدولتين. منذ اضطررنا للتعامل مع خمسة رؤساء للحكومة وعشر سنوات من فترة حكم نتنياهو، اختطفت عملية السلام عن طريق الحاقدين المتدينين، وخاصة المستوطنين الإسرائيليين الذين يلعبون إلى جانب منظمة متطرفة كحماس، وبهذا تحول الصراع تدريجياً إلى صراع دينى ويؤدى إلى عنف متزايد”.

المسئول رفيع المستوى صاحب التأثير الكبير حالياً فى رام الله محق فيما قال بالفعل.

استبدلت الحكومات العلمانية التى تعود إلى قيام دولة إسرائيل بحكومة يقودها حزب علمانى، وهو الليكود، لكن القوة الدافعة التى تقف ورائها –والتى ترتبط بها- هى البيت اليهودى برئاسة نفتالى بينيت، وكذلك قاعدة تأييد تبلغ حوالى نصف مليون مستوطن.

فى فلسطين، العيوب الموجودة فى جهود فتح لبناء الدولة، وكذلك فشل مفاوضات السلام على مر السنين، أتت بحماس إلى السلطة فى غزة، وتزيد من تأثير الحركة فى الضفة الغربية أيضاً.

الصراع هو صراع دينى بالأساس فى نظر الوزير نفتالى بينيت والمسئول الكبير فى حماس اسماعيل هنية. بينيت ورفقاؤه يؤمنون بحق الآباء اليهود فى أرض إسرائيل الكاملة، وهنية ورفقاؤه يؤمنون بأن إسرائيل ليست إلا صنيعة احتلال لفلسطين بواسطة الكفار اليهود. كلا الجانبين يقودان إلى الصراع الدينى على القدس.

هذه النزعة تزيد من ضعف القيادات العلمانية.

فى فلسطين، لم تنشأ حالة كبيرة من الحب بين الرئيس أبومازن وحماس، وعلى الرغم من ذلك شعر أبومازن بمسئوليته عن توحيد القوى مع المنظمة، فى غياب عملية دبلوماسية فعالة تؤدى إلى الإستقلال.

فى إسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فاز فى الإنتخابات فى الــ 17 من مارس بفضل المصوتين التقليديين للبيت اليهودى وكثير من المستوطنين، الذين سارعوا فى اللحظة الأخيرة إلى إنقاذ رئيس الوزراء من الهزيمة. نتنياهو يعلم أن أساس قوته وصموده مرهون بالحزب الدينى القومى وأعضاءه، وكذلك المستوطنين.

هذا الواقع السياسى فى إسرائيل وفى فلسطين أيضاً، يلغى الحل العقلانى للأزمة الحالية، والصراع الإسرائيلى الفلسطينى يتحول تدريجياً إلى صراع دينى.

هذا هو السبب فى أن الأزمة الحالية دارامية بالأساس، وهذا ليس متعلقاً بمستوى العنف، وعدد المتصررين أو الخطوات التى تقوم بها الأطراف المختلفة لمواجهة الأزمة، هذا الأمر يتعلق بحقيقة أن الأزمة من المتوقع أن تشكل نقطة تحول فى تاريخ الصراع الإسرائيلى الفلسطينى والصراع فى الشرق الأوسط بشكل عام.

الكتل الدينية فى إسرائيل وفلسطين سستحول إلى القوة الأساسية التى تحرك الصراع، ومن الممكن ان تحمل التداعيات كارثة. يجب أن نفترض أن القدس والأماكن المقدسة فى القلب من ذلك، وكذلك سيزداد توتر الأجواء إلى مستوى لايمكن السيطرة عليه. هناك الكثير من الناس مستعدون للموت والقتل باسم الرب. نحن من المتوقع أن نشهد اندلاع عنف غير مسبوق. العداوة الدينية تسمم الأجواء والكراهية والعنصرية من المفترض أن تتزايد حتى مستوى الخروج عن السيطرة.

مثل هذا الصراع يدخل لاعبين جدد إلى الساحة، خاصة التنظيمات الإرهابية الأصولية مثل القاعدة، والدولة الإسلامية وباقى الحركات الجهادية. قوات الأمن قلقة جداً من تطلعات الحركات الأصولية مثل الحاقدين المتدينين فى “حركة تدفيع الثمن”، لإشعال المنطقة. الصراع الدينى سيدفع العالم الإسلامى كله -1.4 مليار مسلم- لدعم الإخوان المسلمين فى غزة والضفة الغربية. مثل هذا التصادم الدينى من الممكن أن يمتد إلى باقى أنحاء العالم، ومن الممكن أن يؤدى –على سبيل المثال- إلى مواجهات بين اليهود والمسلمين فى فرنسا، وتدهور العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامى. لم نصل إلى هذا الوضع حتى الآن، لكن التوجه الجديد الذى نشأ من المحتمل أن يكون خطيراً.

يجب عىلى فلسطين وإسرائيل أن تغيران فوراً من سياساتهما ونقض الحلف الذى أنشأوه مع الأحزاب الدينية. فى إسرائيل يجب على الليكود أن يستبدل البيت اليهودى بزعامة بينيت بالمعسكر الصهيونى، وأن يعمل على تجميد بناء المستوطنات. يجب على أبومازن أن يتخلى عن الحلف مع منظمة حماس المتشددة، وأن يرفض طريق الإرهاب، ويجب أن يتم ذلك الآن قبل فوات الأوان.

أورى سافير- المونيتور