من المعتاد في إسرائيل، خاصة بين القيادة السياسية الإشارة إلى التحريض الفلسطيني على أنه العامل الرئيسي في اندلاع الموجة الإرهابية الأخيرة. يرى رئيس الحكومة الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، مثله مثل وزراء آخرين أيضاً في حكومته، أن رئيس السلطة الفلسطينية “أبو مازن” هو المسئول الرئيسي عن التحريض في السلطة. في 22 أكتوبر التقى “نتنياهو” في برلين مع وزير الخارجية الأمريكي، “جون كيري”. وفي مستهل اللقاء قال: “من الواضح أن هذه الموجة من الاعتداءات تــنبع مباشرة من التحريض – تحريض حماس، وتحريض حركات إسلامية في إسرائيل، وللأسف الشديد، تحريض أيضاً من جانب “أبو مازن” والسلطة الفلسطينية”. في الواقع، تلفزيون حماس، قناة الأقصى، وكذلك أيضاً محطات إذاعية فلسطينية في الضفة وخاصة في مدينة الخليل، لا تتورع أبداً في أن تُظهر الإسرائيليين بشكل مشوّه وافترائي، في بعض الحالات خلال أحداث لم تحدث.

يتابع معهد الدراسات الإسرائيلي “ميمري”، الذي أُسِّس عام 1989 من قبل المستشرق “يجئال كرمون”، منذ سنوات الإعلام الفلسطيني والعربي عامة، ويضع نصب عينيه هدفاً وهو التوضيح للجمهور الإسرائيلي الظواهر في هذا الإعلام، خاصة الإلكتروني. ويجمع المعلومات المرفوعة على موقع اليوتيوب، ويتم بثها فى الإعلام الإسرائيلي حتى يحاط الجميع علماً كيف يبدو الإسرائيليون في التقارير العربية عامة والفلسطينية خاصة. في المواد التي ينشرها المعهد يظهر أحياناً رجال دين مسلمين يصفون طبيعة اليهود، وبرامج أطفال فيها الأطفال، فلسطينيين بالأخص، يستوعبون رسائل الجهاد وتبجيل الشهداء، ومقاطع فيديو موّجهة ومغرضة تعرض، كما هو مزعوم، خبث اليهود وما شابه.

لكن التحريض لا يوجد فقط في السلطة الفلسطينية وفي الإعلام العربي، يمكن أن نجده أيضاً في المواقع “الإخبارية”، غير معترف بها خاضة باليمين المتطرف في إسرائيل. في الآونة الأخيرة دُشِنّت مواقع إخبارية عدة من عينة المواقع التي تصرح بأنها قد مقتت الإعلام الإسرائيلي “اليساري” وتطالب بإقامة بديل لنشر المعلومات. وبشكل متناقض،تستخف مواقع اليمين المتطرف أيضاً بالموقع الإلكترونى للمستوطنين، موقع القناة السابعة، ويسعون إلى تقديم بديل مناسب فى رأيهم لروح هذه الفترة.

وضع أحد تلك المواقع الذي يُسمى “قوة المهمة اليهودية، اليمين الحقيقي”، لنفسه هدف إثبات وإقناع قرائه بأن الأحزاب اليمينية في إسرائيل قد خانت أهدافها. يعرض شعار الموقع مانسميه– قبضة مضمومة، مثل شعار حركة كاخ التي أُخرجت من نطاق القانون في إسرائيل.

هناك سهام مسمومة تُقذف صوب العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وأيضاً صوب “اليسار الإسرائيلي”. أحد المقالات في الموقع، يلقي باللوم على قرار الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات على نشاط اليسار الإسرائيلي، الذي عمل بزخم للدفع بمقاطعة أوروبية. “الصوت صوت أوروبا، لكن الأيادي هي أيادي اليسار الإسرائيلي”، هكذا يجزم الموقع.

اختار موقع إخباري آخر، لا يمكن تصنيفه إلا أنه أكثر المواقع التحريضية فظاعة لليمين الإسرائيلي، لنفسه الاسم القاطع والمضلل “News Desk موقع أخبار إسرائيلي”. إنه موقع مُمّول، ينشر “أنبائه” على مواقع التواصل الاجتماعي. يزعم نشطائه أنهم يعملون تطوعاً، وليس لديهم ممول يدعمهم، وليس لديهم مصلحة سياسية بشكل أو بآخر، سوى الرغبة في عرض صورة محايدة.

وفي أيام التصعيد والتوتر المتزايد بين اليهود والعرب، كانت مواد “نيوزديسك إسرائيل” تغرق شبكات الانترنت، وقد رأى الكثير من القرّاء أنباء أو مقاطع فيديو يَصعب تجاهلها. يمكن أن نصف تقريباً كافة الأنباء ومقاطع الفيديو في الموقع بأنها مواد محرضة. وأحياناً تستند إلى أحداث حقيقية، تُفسر بأشكال مختلفة، وأحياناً تكون أنباء كاذبة، ولا يملك القارئ الإسرائيلي العادي آليات للتحقق منها.

بعد هجمات باريس [13 نوفمبر] رفع “موقع الأخبار” مقطع فيديو مُحرّر تحت عنوان: “شاهدوا، رام الله: الفلسطينيون يحتفلون بالعملية الإرهابية في باريس”. في هذه الصور نرى آلاف الفلسطينيون يحتفلون، ويطلقون ألعاب نارية فى السماء، ويمسك رجال مسرورون بصينيات بقلاوة ويوزعون الحلوى “للمحتفلين بهجمات باريس”. لكن هذه الصور لم تلتقط حينها، بل كانت مجموعة فعاليات مختلفة في الأراضي المحتلة التقطت في السنوات الأخيرة. صور أرشيفية مختلفة التقطت في الماضي في غزة، وفي رام الله وفي بيت لحم تم تحريرها على شكل مقطع فيديو مدته 28 ثانية. لقد كانت هذه صور قديمة لفلسطينيين يحتفلون في ميدان المنارة في رام الله بعدما تم قبول السلطة الفلسطينية لتصبح عضواً في مؤسسات الأمم المتحدة. كما التقطت صور أخرى في غزة إبّان عملية “الجرف الصامد”، يظهر فيها فلسطينيون يهللون بعدما نُشرت هناك أنباء كاذبة بشأن خطف جنود إسرائيليين من قبل كتائب عز الدين القسام. وقد طُلب من القرّاء نشر تلك الصور المحرّرة خاصة بين أعضاء فرنسيين، من أجل أن يعلموا ويفهموا “من هم حقاً الفلسطينيين”.

لكن ليس الفلسطينيون فقط هم المستهدفون من قبل “موقع الأخبار الإسرائيلي”. فتحت عنوان “ظاهرة” كشف موقع “نيوزديسك إسرائيل” لقرائه أن عرب مسلمين [إسرائيليين] يرددون بأصوات عالية أناشيد داعش في سيارات تسير في طرق القرى والمدن العربية. وقد نسب الموقع الخبر إلى التصريحات التي رددها على ما يبدو “الأب جبرائيل نداف”، الذي وصفه نشطاء الموقع بأنه “الأب الروحي للنصارى في إسرائيل”. وفي الخبر ورد أن “الأب الروحي” كشف أن هذه “ظاهرة تشير إلى تصاعد درجة الخطر بين عرب إسرائيل، الذين ينادون بأيديولوجية الجهاد العالمي ويرون في نهج داعش طريق لتحقيق رؤيتهم نحو إقامة خلافة إسلامية”.

وقد توجه موقع المونيتور إلى الأب “نداف”، من قرية يافة الناصرة، طالباً منه أن يؤكد التصريحات التي نُسبت إليه، لكنه رد أنه بإمكانه أن يجري لقاء صحفي فقط في نهاية الأسبوع. وعندما توجهت إليه مرة أخرى، وأشرت إليه بأن المقال سينُشر في اليوم التالي، لم يرد الأب “نداف” عليّ ثانية.

يقول “وديع أبو ناصر”، رئيس اللجنة الإعلامية لمجلس الأساقفة في إسرائيل، للمونيتور أن الأب “نداف” بعيد كل البعد عن أن يكون زعيم روحي للنصارى في إسرائيل. “أولاً، إنه ليس أسقف، إنه قس أرثذوكسي، وهذه أقلية بين النصارى الذين يعيشون في إسرائيل. أغلب النصارى في إسرائيل كاثوليك، وبالتالي فلا يمكن أن يكون زعيم ديني. إنه يتقلد لمنصب ثانوي للغاية في الكنيسة، وبالكاد زعيم لجالية صغيرة في يافة الناصرة، حيث يوجد أيضاً انقسام والغالبية العظمى لا تذهب إلى الكنيسة التي يعمل بها”.

في ظل أجواء التصعيد وتخوف الإسرائيليين المبرر من العمليات الإرهابية، التحريض في ثوب أخبار لا يسقط على آذان صماء. في تلك الأثناء، لا يحذر أحد من التحريض الإسرائيلي المعلن ولا يعتبره أحد إشارة مقلقة لما سيأتي.

 

شلومي إلدار – المونيتور