كشف وزير الدفاع الإسرائيلي “موشيه يعالون” لإذاعة صوت إسرائيل قدر من الواقع الجديد في الشرق الأوسط. كما كشف موضحاً أن طائرة سلاح الطيران الروسية، اجتازت مؤخراً بغير قصد الحدود بين سوريا وإسرائيل على هضبة الجولان وتغلغلت بعمق ميل تقريبا (1.6 كيلومتر) داخل المجال الجوي الإسرائيلي. وكيف رد الجيش الإسرائيلي؟ على الفور قمنا بالاتصال بهم وأطلعناهم بذلك وعادت مباشرة إلى النطاق السوري”. وأضاف، حتى اليوم، لم تقع إلا هذه الحادثة فقط، “إنه انحراف صغير بمسار الطائرة. وقد تم تداركه عن طريق قناة اتصال”.

أعطى “يعالون” بذلك بشكل غير مباشر دعم للموقف الروسي في الخلاف مع تركيا، بعدما أسقطت طائرة روسية مؤخراً اخترقت مسافة ميلين تقريباً داخل حدودها الأسبوع الماضي، إبان الغارات في شمال سوريا. تزعم أنقرة أن الطيارين الروس تجاهلوا التحذيرات المتكررة لوحدة المراقبة الخاصة بها بشأن اختراقها لسماء تركيا، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل اختارت في ظروف مماثلة للغاية أن تتصرف بشكل مغاير. علاوة على ذلك، في سبتمبر العام الماضي أسقط صاروخ مضاد للطائرات إسرائيلي طائرة سورية، هي أيضاً اخترقت بالخطأ أراضي إسرائيل في الجولان. يتضح أنه من اللحظة التي دخلت فيها روسيا الساحة الجوية في الشرق الأوسط تسري عليها قواعد أخرى للعبة.

في 21 سبتمبر، بعد بضعة أسابيع من انتشار الطائرات الحربية الروسية في شمال سوريا، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في عجالة، للاجتماع بالرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في موسكو. وفي ختام الجلسة أعلنت الدولتان إقامة آلية تنسيق لمنع الاحتكاك بين سلاحي الطيران الروسي والإسرائيلي. غير أنه لا روسيا ولا إسرائيل كشفت تفاصيل عن صيغة الاتفاق، وتصريحات “يعالون” تساعد في توضيح الصورة.

منذ أكثر من شهر تهاجم روسيا عدة مئات من الأهداف الموالية لتنظيمات الثوار في سوريا، التي تقع أغلبها في شمال البلاد. وفي بعض الحالات قصفت أهداف الثوار أيضاً في الجنوب، ومن بين ما قصفت، قصفت تل الحارة في الجولان، على بعد مسافة 18 كم تقريباً من الحدود مع إسرائيل. لم تتدخل إسرائيل سواء وقتها أو في هذا الوقت، مثلما يتضح الآن، عندما اخترقت الطائرة بالخطأ أراضيها. ومن جهة أخرى، في هذه الفترة أفاد الإعلام العربي بأن سلاح الجو الإسرائيلي قد شنّ هجومين استهدفا قوافل أو مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله. تم الهجومان في منطقة المطار في دمشق. وعلى عكس الماضي، لم ترد أنباء في الفترة الأخيرة عن هجمات إسرائيلية في المنطقة العلوية في شمال سوريا، التي اتخذت الطائرات الحربية الروسية منها قاعدة لها. وبعبارة أخرى: من اللحظة التي انتقل العملاق ليقطن في مبنى الجار، وإسرائيل تتصرف حوله بحرص شديد. في هذا الوقت، يبدو أن الطرفان يفلحان في تجنب التصادم المباشر.

طابع توترات روسيا مع تركيا مغاير تماماً، لأن “أنقرة” تتخذ موقفاً أكثر فعالية في الحرب الأهلية السورية (ضد نظام الأسد) وتعتبر نفسها قوة إقليمية، من دونها لا يمكن الوصول إلى تسوية في سوريا. ومع ذلك، الخطاب العلنى للرئيس “أردغان” قد مر بليونة ملحوظة في الأيام الأخيرة منذ سقوط الطائرة الروسية، إلى حد يقترب من الاعتذار. والأسباب في تغيير موقف “أردوغان” تتعلق على ما يبدو بالتفوق العسكري الروسي، وبشخصية “بوتين”، كونه شخص لا يتردد في استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر (في سوريا وبشكل غير مباشر أيضاً في أوكرانيا) واستعداده للإضرار بالعلاقات الاقتصادية المتشعبة بين البلدين.

في تلك الأثناء يبدو أن التورط مع روسيا قد أغلق تمام الإغلاق فكرة تطلع أردوغان – إعلان منطقة محظورة الطيران فيها (no fly zone) على طول الأجزاء الواقعة على الحدود بين تركيا وسوريا. “أردوغان”، الذي حاول منذ عدة أشهر أن يحشد تأييداً أمريكياً للمبادرة، سعى إلى أن يحقق عن طريقها عدة أمور هى:-

– صدّ الغارات الجوية التي يشنها “الأسد” في شمال سوريا.

– الدفاع عن الأقلية التركمانية في القرى التي تقع شمال المنطقة العلوية.

– ضرب السلسلة الإقليمية التي حاولت المليشيات الكردية أن تخلقها في الجانب السوري للحدود.

يبدو أن أحد أسباب التدخل الروسي إلى جانب الأسد في سبتمبر كان التخوف من نية تركيا هذه. الآن، عندما نشرت روسيا منظومة صواريخ مضادة للطيران متقدمة من طراز اس 400 من أجل حماية طائراتها، رداً على سقوط الطائرة على أيدي الأتراك، لم يعد الحديث يدور مجدداً عن فرض منطقة حظر طيران من قبل الأتراك. لكن الخطوة الأخيرة تتعلق أيضاً بإسرائيل. مع قدرة رصد طائرات على بعد مئات الكيلومترات، الإس 400 هي منظومة أيضاً سيضطر سلاح الجو الإسرائيلي أن يضعها في الاعتبار في نشاطه في الساحة الشمالية في المستقبل.

عاموس هرئيلهارتسِ