أول أمس (الجمعة) في الظهيرة استضيف عضو المجلس الوزاري المصغر، الوزير إسرائيل كاتس (النائب عن حزب الليكود)، في استديو موقع صحيفة يديعوت أحرونوت Ynet. وإزاء استمرار الهجمة الإرهابية – حتى هذه الساعة سُجلت في يوم الجمعة عمليتي دهس في الضفة الغربية وفي المساء وقع اشتباه في عملية طعن في نهاريا – طلب “كاتس” بفرض طوق أمني فوري على كل قرية فلسطينية يخرج منها مخرب. وبسبب التطويق اليميني للوزير “كاتس”، سارع مكتب رئيس الحكومة بتوضيح الأمور. وقد أطلع مسئول سياسي غير معروف المراسلين بأن الجيش قد فرض طوق أمني كامل على قرية بيت أمر شمال الخليل، بعدما قام مخرب من سكان القرية بدهس خمسة ضباط وجنود. وقد تم التبرير بأن العملية جاءت عقب قرار المجلس الوزاري الليلة الماضية، الذي ترأسه “بنيامين نتنياهو” بفرض طوق أمني كامل على القرى الفلسطينية وفقًاً وفقاً لتقديرات الأذرع الأمنية.

وقد أثمرت جهود مكتب “نتنياهو”. في عصر الأخبار على الانترنت، المعركة على المحاكاة تجري من ساعة إلى أخرى. وسرعان ما تبدلت العناوين في كافة مواقع الأخبار الرئيسية وفقاً لاتجاه المكتب. وقد جاء فيها، أن الجيش الإسرائيلي قد طبق قرار المجلس الوزاري وطوّق قرية بيت أمر، قرية ذات تاريخ عمليات إرهابية طويل. بيد أنه وفقاً لدراسة “جيلي كوهين”، التي نُشرت في موقع “هآرتس” أول أمس، فإن الأحداث قد وقعت بشكل مغاير بعض الشيء. أولاً، من المعهود على الجيش تطويق القرى التي يخرج منها مخربين منذ عدة أسابيع، وهذه مسألة اعتيادية. ثانياً، لم يعرف الجيش الإسرائيلي توجيهاً سياسياً جديد أُصدر في الليلة الماضية. ثالثاً، في حالة بيت أمر، لم يُفرض طوق أمني كامل. الخروج الرئيسي من القرية هو من جهة الشرق، نحو الطريق 60 من القدس إلى الخليل، صحيح أنه قد أُغلق، لكن المعبر الكائن جنوبها تجاه قرية صوريف ظل مفتوحاً.

من يفتش في أرشيف الصحف ويرصد العناوين الأولى للانتفاضتين السابقتين سيكتشف أنه ليست ثمة أمور جديدة في هذه القصة. من لحظة اندلاع الانتفاضة – حتى وإن وصفناها بأنها “محدودة” مثلما يفعل الجيش، بدلاً من أن نسميها (انتفاضة) باسمها – الواقع على الأرض يصبح فوضوي ويتغير بوتيرة متسارعة. القيادة السياسية، باستثناء وزير الدفاع وربما رئيس الحكومة، يصعب عليهم الإكتفاء بمتابعة كل خطوة يتخذها القادة. ومن جهة أخرى، الحكومة (في 1987 التي كانت وقتها حكومة وحدة برئاسة اليمين، وفي عام 2000 كانت حكومة يسار) تحاول أن تصدّر للمواطنين السيطرة التامة على الوضع.

يولد الحرج بعض ردود الأفعال المحتملة، بداية من محاولة التقليل من حجم جسامة العمليات الإرهابية وحتى تبادل التوصيات بين الجيش والشاباك. أغلب الخطوات المقدمة الآن على أنها حلول عجيبة لوقف الإرهاب، بما في ذلك هدم المنازل، وفرض تطويقات وطرد عائلات المخربين، قد طُرحت في الماضي في الانتفاضتين السابقتين. وفي مقابل الوزراء، يزعم وزير الدفاع الإسرائيلي “موشيه يعالون”، ورئيس هيئة الأركان العامة “جادي ايزنكوت”، أن سلسلة العمليات الحالية – تعزيز القوات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بنحو 40%، وحملات اعتقال واسعة كل ليلة، وتجنب العقوبة الجماعية للجمهور في الأراضي الفلسطينية المحتلة بقدر الإمكان – هو الرد الأمثل على العنف، الذي أسفر حتى الآن عن مقتل 23 شخص من الجانب الإسرائيلي وأكثر من مائة من الجانب الفلسطيني.

الخلاف في المجلس الوزاري وفي الحكومة والفجوات بين مواقف بعض الوزراء وبين اتجاه الجيش الإسرائيلي قد تمثلت أيضاً في قضية البيان الموجز الذي ألقاه من وُصف بأنه ضابط رفيع المستوى في القيادة المركزية يوم الأربعاء الماضى. وقد طرح الضابط، من بين ما طرحه، والذي كُشفت هويته في تلك الأثناء بأنه اللواء “روني نوما” قائد منطقة الوسط، سلسلة تسهيلات محتملة في الضفة. ذكر “نوما” تسهيلات اقتصادية، وإفراج محدود عن الأسرى بل وتزويد أجهزة الأمن الفلسطينية بمركبات مصفحة وأسلحة خفيفة. يبدو أن شيئاً ما لم يتم توضيحه بما فيه الكفاية في الحوار مع المراسلين العسكريين، ألا وهو أن تلك الخطوات قد تمت مناقشتها ولم تُطبق في يونيو الأخير، قبل اندلاع العنف الحالي ولأن اللواء يؤيد تبني نسبي لبعض تلك الخطوات بعدما يتوقف الإرهاب.

لقد وصل نشر التوصيات في الإعلام أيضاً إلى آذان وزراء المجلس الوزاري، الذين اجتمعوا في تلك الليلة. أوضح كل من “يعالون” و”ايزنكوت” للسائلين أن تصريحات اللواء قد أُخرجت من سياقها من قبل الإعلام، إنها حجة قد استخدمها أحدهما بنفسه استخداماً ملحوظاً في الماضي، بالزي العسكري أو من دونه. وفي اليوم التالي تبرأ “نوما” من التوصيات في لقاء مع رؤساء مجلس الضفة الغربية وغزة. من جانبها، هاجمت وسائل الإعلام المنحازة مع المستوطنين قائد منطقة الوسط بينما قام عضو الكنيست “بتسيلئيل سموتريتش” (النائب عن البيت اليهودي) بعمل مهم وأعلن أن رئيس الأركان قد وبّخ “نوما”.

وقد لقى الصحفيون الذين توجهوا إلى الجيش رد بالنفي التام، لكن الجيش الإسرائيلي لم ينشر بياناً رسمياً فى هذا الصدد. اللواء “نوما”، الذي تولى قيادة وحدتين خاصتين (شلداج ودوڤدڤان) بتفوق وخدم قرابة الثلاثين عام في منظومة القتال، وفترة كبيرة منها في أراضي الضفة الغربية، يجد نفسه في موقف دفاع عن النفس الآن أمام منظم “مسيرة البهائم”.

مشكلة انضباط عملياتى

على الرغم من أنه فى الأسابيع الماضية حدث ارتفاع فى معدل فى العمليات الإرهابية، والتى أعقبها ارتفاع فى عدد القتلى الإسرائيليين، فإن نصيب الأسد من العمليات لايزال مركباً من عمليات طعن ودهس. القدرة على التحصن أمام المخرب الذى يستل السكين من مسافة صفر محدودة نسبياً. انخفاض أعداد المصابين مرتبط فى الأساس برد الفعل السريع لقوات الأمن فى إحباط هذا التهديد. لكن، على الرغم من أن المخرب فى عمليات الطعن يظهر بشكل مفاجئ خلال ثوان معدودة، فإن الصورة بشكل عام أقل تعقيداً.

فى جزء كبير من عمليات الدهس يكون المصابين من الجنود. وفى عدد من الحالات أصيب ثلاثة، وأربعة وحتى خمسة من الجنود. فى هيئة الأركان العامة الإسرائيلية يعتقدون أنه فى غالبية هذه الحالات، كان من الممكن خفض عدد المصابين. حين تحدث عمليات هجومية فى محطات الركوب، فإن الإنصياع للتعليمات والبقاء خلف الكتل الخرسانية يقلل من خطر العملية الهجومية. وحينما تحدث عملية الدهس تحدث فى منطقة مفتوحة، وعدد المصابين مرتبط بعدد القوة، أى الإلتزام بالإنضباط العملياتى، والتأمين المحيط والحفاظ على مسافات مناسبة. فى اثنين من عمليات الدهس فى الأسبوع الماضى، فى مفرق تابوح وفى بيت آمر، كان المصابين من رجال القيادة الأمامية تابعين لقيادات أقامت عمليات استطلاع او مشاورات فى المنطقة.

هذه مشكلة أكثر تعقيداً من ساحة القتال الكليئة بالتحديات.من الصعب التفكير فى تدريب للجيش الإسرائيلى من مستوى الفصيلة وحتى مستوى اللواء، الذى لايعاتب فيه القادة المقاتلين على ميلهم إلى التكدس. وفى المعارك، لأكثر من مرة، فإن الإضرار الكثيف من قذائف الهاون على سبيل المثال، ينبع من عدم الإلتزام. برزت هذه الأمور فى عدد من الحالات فى العمليات الأخيرة التى دخلت فيها قوات للجيش الإسرائيلى إلى القطاع.الحاجة إلى تقليل عدد المصابين فى عمليات الدهس، خاصة عن طريق التمسك باللإلتزام بالتعليمات القائمة، تم ذكره أيضاً فى اجتماع القيادات الذى عقد فى قيادة الوسط الأسبوع الماضى، لتوضيح الدروس العملياتية المستفادة من أحداث الشهرين الأخيرين.

عاموس هرئيل- هارتس