منذ أن بدأت حملة “المزروعين” التي أطلقتها حركة “إم ترتسو” يسألونني طوال الوقت إن كنت خائف. والحقيقة هي أن هناك أمور كثيرة تخيفني بشدة، وهذه فرصة جيدة لأكتب عنها.
يخفيني أن تنشغل الحكومة في التحريض، بينما ليست لديها خطة سوى المزيد من الاحتلال والمزيد من التحكم العسكري في حياة ملايين الرعايا مسلوبي الحقوق. لهذا الإفلاس ثمن في حياة الإنسان: طوال الوقت يدفع الفلسطينيون الثمن. وطوال الوقت، عندما نتحدث عن حياة – وعن موت – الفلسطينيين، فهذا لا يتصدر عناوين الأخبار هنا.
يخفيني أن أغلب “المعارضة” منشغلة في الواقع في نفس اللعبة: فتارة نجدها، كما “يائير لبيد”، تنضم إلى حفلة التشهير والتحريض؛ وتارة أخرى، كما “يتسحاق هرتسوج”، تحاول تطويق اليمين من اليمين. لكنها دائماً ما تحاول أن تظهر بأنها بديل متنور (خاصة في الخارج، بالطبع)، بينما في الواقع سوياً أو في أدوار، يشاركون في تعزيز الاحتلال.
يخيفني أن المنظومة القضائية في إسرائيل – محكمة العدل العليا، المستشار القانوني للحكومة، النيابة والنيابة العسكرية – لم تعد فقط ختم مطاطي للاحتلال بل أصبحت المرخص الكبير له. هدم البيوت، الاعتقالات الإدارية، التعذيب في مبانى التحقيق، والاستيلاء على الأراضي، والمستوطنات، وإخفاء التحقيقات وغيرها الكثير والكثير: كافة آليات الاحتلال قد أجيزت قضائياً في عشرات الأحكام والإجراءات التي لا حصر لها. هذا ربما أكثر احتلال مُجاز قضائياً في التاريخ، لأن ما يهم إسرائيل هو أن تتباهى بهذه الخدعة، خاصة لأغراض دولية.
يخيفني أن العالم لا يكترث بقدر كبير لهذا الواقع المريع. على العكس تماماً من الدعاية الحكومية: يبقى العالم مقصر بشدة في مسألة فرض التحديات على نظام الاحتلال بل نجده في الواقع يتعايش معه بطمأنينة نسبية. إن الصراخات السخيفة من “التدخل الدولي” لن تفلح في كتم حقيقة أن هناك تدخل دولي هائل فيما يحدث في أراضي الضفة الغربية، وبدعم اقتصادي، ودبلوماسي، وأكاديمي، وعسكري، يساعد في الحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من وضع حد له.
يخيفني أن استوعب إلى أي مدى حياة الفلسطينيين مكشوفة تحت ظل الاحتلال: مكشوفة حتى داخل بيوتهم – أي جندي بمقدوره أن يقتحم أي منزل في الأراضي المحتلة تقريباً في أي وقت. معرضة لعنف الجنود والمستوطنين، ويعلمون أنه حتى أنه حتى وإن قُتل واحد منهم، فدائماً لن يتم المحاكمة على ذلك تقريباَ. إنها معرضة أيضاً لهدم اللوازم الأساسية: المخيمات وآبار المياه، وليست هناك دولة تحميهم.
يخيفني اليأس والتسليم: فقدان الأمل فى مستقبل آخر، حتى عندما يفهمون أن الأمر يعني المزيد من المعاناة والعنف. هل آباء الجيل الحالي لا يفهمون أي عالم يورّثونه لأبنائهم؟ في الواقع في كل مستقبل، وفي كل مخطط سياسي مستقبلي تريدون أن تتبنوه، سيعيش هنا 12 مليون يهودي وعربي. كيف ستبدو هذه الحياة في الواقع الذي يعلم فيه كل شخص يعيش بين الأردن والبحر أن حياته غير مكشوفة، وليست رخيصة؟ هل سيعلمون أن لديهم حرية وحقوق وتعبير سياسي؟
يخيفني الحديث عن “نهاية الديموقراطية” في إسرائيل. وكأنه إن لم تكن هناك حملات يمين أكثر تهذيباً ولم يتحدث “موتي يوجاڤ” عن الجرارات، هيا بحقكم – لوجدت ديموقراطية هنا؟ ما الديموقراطي بالضبط في التحكم في ملايين من دون حقوق لحوالي 50 عام؟ إن إشارتنا لمستقبلهم لا يجعل انتخاباتنا ديموقراطية، بل يشدد فقط على من هنا راع ومن هنا مواطن وكيف تسير الوحدة السياسية الواحدة التي تتحكم فيها إسرائيل منذ 1967.
إنني لا أخاف من “إم ترتسو”. إنني أخاف من الاحتلال، واللامبالاة للظلم، والتظاهر والصدمة العابرة. يا ليت 1% من الاهتمام المؤيد الذي أحظى به الآن كان في ذروته عندما يمر يوم عادي آخر في الأراضي المحتلة من دون قتلى أو عناوين. بل لا يمر إلا يوم آخر من التحكم والرعايا، وأسبوع آخر، وسنة أخرى. إنني لا أخاف من “إم ترتسو”، إنني أخاف من الـ 50 سنة القادمة من الاحتلال. ما الذي أنتم على استعداد بفعله حتى يصبح المستقبل مغايرا؟
حجي إلعاد- هارتس