قليلة هى الأسرار السياسية التى تظل طى الكتمان فى منطقتنا. أحد هذه الأسرار، الكامن فى خزينة بالمقاطعة “مقر السلطة الفلسطينية برام الله”، هو خطة السلام السرية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ربما يخمن مراقب أجنبى أن الخطة ليست بعيدة عن تلك التى عرضها رئيس الحكومة ايهود أولمرت أمام محمود عباس فى سبتمبر 2008 وتلك هى مبادئها:-

-إقامة دولة فلسطينية فى منطقة تساوى 100% من الضفة الغربية وقطاع غزة.

-عمل معبر للإنتقال تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية بين غزة والخليل.

– تقسيم القدس إلى عاصمتين.

– تخلى إسرائيل عن السيادة على الحرم القدسى وجبل الزيتون وإدارتهما عن طريق الولايات المتحدة والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

– السماح بدخول بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل على مدى عدة سنوات.

وبخلاف الأسطورة، لم يفاجئ اقتراح أولمرت محمود عباس، وقد أطلعته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندليزا رايس، بهذه الخطة فى لقائهما فى رام الله، لكنه رفض الإقتراح لثلاث مرات؛ فى سبتمبر 2008 لم يقدم جواب حولها لأولمرت، وفى نوفمبر من نفس العام رفض طلب رايس بإبلاغها بأنه يقبل الإقتراح وفى ديسمبر رفض إلحاح الرئيس الأمريكى جورج بوش بإبلاغه أنه قد قبل الإقتراح.

من المحتمل أن يخمن المراقب الأجنبى أن عباس قد رفض خطة أولمرت فى عام 2008 لأنه لم يبق هناك وقت لتوضيح فروق دقيقة بينها وبين خطة السلام الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن لدينا وجهات نظر لصاحب الشأن نفسه. فى مايو 2009 سئل عباس من قبل طاقم صحيفة الواشنطن بوست، لماذا رفض اقتراح أولمرت، ولم يستخدم لغة الحجج التى استخدمها إسرائيليون محبطون، ولكن أجاب باختصار وفى الأمر مباشرة “الفجوات كانت واسعة”. منذ ذلك الحين وحتى اليوم الطلب الأساسى لمحمود عباس للدخول فى مفاوضات مع إسرائيل طلب بسيط، وهو أن تكون نقطة الإنطلاق للمفاوضات اقتراح أولمرت الذى رفضه. يجب أن يتم تضييق الفجوات عن طريق تنازلات إضافية من قبل إسرائيل.

عضو الكنيست أحمد طيبى الذى يعرف جيداً أسرار سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، قال منذ عدة سنوات أن ” الحد الأقصى الذى يمكن لأى حكومة إسرائيلية تقديمة لمنظمة التحرير الفلسطينية لايصل إلى الحد الأدنى الذى يمكن أن تقبله منظمة التحرير”. لكن حتى اليوم لم يقم ناشط سلام واحد من بين المسافرين دائماً إلى رام الله وأوسلو وجنيف، ويطلب من منظمة التحرير الفلسطينية إجابة للسؤال المطلوب، ماهو الحد الأدنى الذى يمكن أن تقبله منظمة التحرير الفلسطينية؟ إذا كان قبول إسرائيل بإدخال 5000 لاجئ إلى أراضيها، وفقاً لاقتراح أولمرت ليس سخياً بما فيه الكفائة، فهل تكفى موافقتها على إدخال 50 ألف منهم؟ أو ربما 250 ألف؟.

الإجابة معروفة لكل من يريد أن يعرف. زعماء منظمة التحرير الفلسطينية يعلمون أنه ليست لديهم صلاحيات للتخلى عن تطبيق حق كل لاجئ يريد العودة إلى بيته، وهو حق شخصى بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. على ذلك منظمة التحرير الفلسطينية لايمكن أن تدرج فى إتفاق سلام مع إسرائيل أى تقييد لعدد اللاجئين الذين يرغبون فى العودة إلى منازلهم. بالإضافة إلى أن كون منظمة التحرير الفلسطينية لاتستطيع التأقلم مع قيام الدولة القومية للشعب اليهودى على أى جزء من فلسطين، فإنه لايمكن أن توافق على بند فى اتفاق تلتزم فيه بالتخلى عن أى مطالبات لها فى المستقبل.

مبادرات السلام التى تدور هنا لأكثر من عقدين تقوم على توقع خيالى بأن رجال منظمة التحرير الفلسطينية المعروفين فى إسرائيل بأنهم علمانيون، سيتخلون عن أيديولوجيتهم. إذا نحن اليهود البراجماتيين، مستعدين للتوقيع على اتفاق يشمل التخلى عن بيت ايل وصفد والخليل فإن رجال منظمة التحرير الفلسطينية مستعدون بالفعل لتوقيع اتفاق يشمل التخلى عن بيت جبرين والرملة ويافا.

لكن مبادرى السلام هؤلاء يرفضون وضع وهمهم فى الإختبار. إنهم لايطلبون من منظمة التحرير الفلسطينية كشف أسرارها وعرض شروط اتفاق سلام مع إسرائيل فى النهاية، حيث أن عرض هذه الشروط سيكشف الحقيقة، وهى أنه ليس فقط حكومة صهيونية متطرفة برئاسة المعسكر الصهيونى لن تستطيع التوقيع على اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن أيضاً لن تفلح حكومة صهيونية معتدلة وعاقلة برئاسة ميرتس فى عمل ذلك.

هذه الأيام فيها اختبار لكل من لايزال يزعم أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الحل، هل لكم أن تطلبوا من منظمة التحرير الفلسطينية بوضوح وثبات أن تفتح الخزينة الموجودة فى المقاطعة وتعرض خطتها للسلام مع إسرائيل، وهل لكم أن تستخلصوا استنتاجاً علنياً شجاعاً من الرفض المتعنت لمنظمة التحرير الفلسطينية للقيام بذلك.

بنى بيجين- هارتس