“هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها وضع كهذا. منذ عام 1948، يوميا،ً شهرياً، وخاصة خلال شهر رمضان الكريم، نشهد محاولة منهجية لإسرائيل في تنفيذ قتل جماعي”. ما هذا؟ مزيد من التصريحات المحرضة لـ “محمود عباس”؟ أو ربما تصريح مغرض لـ “خالد مشعل”؟ كلا، هذه الكلمة قالها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في يوليو 2014 إبّان لقائه مع مبعوثين ورجال دين من دول إسلامية. إنه “أردوغان” نفسه الذي نسب إلى “أيليت شاكيد”، “عقلية هتلر”، ووصف “بنيامين نتنياهو” بالـ “الإرهابي”.

في مارس الماضي أذيع في شبكة “هابر” التركية، المؤيدة لـ “أردوغان”، الفيلم الوثائقي “المؤامرة”، الذي يصف تطلع اليهود منذ 3.500 سنة للسيطرة على العالم. يستند الفيلم إلى خطاب ألقاه الرئيس، ألمح فيه أن اليهود يقفون وراء مؤامرة ضرب تركيا، واستهداف اقتصادها وأمنها. وفي أعقاب تلميحاته المعادية للسامية طالب المؤتمر اليهودي الأمريكي من أردوغان أن يعيد ميدالية الشجاعة التي نالها في 2004 على ما قدمه من أجل السلام في الشرق الأوسط. أوضح السفير التركي في الولايات المتحدة حينها، أن “أردوغان” سيسر لإعادة الميدالية.

لكن الزعيم الذي توقف عن كونه شريكا لإسرائيل منذ قضية أسطول الحرية في 2010، والذي سمح لنشطاء حماس أن يمارسوا نشاطهم من تركيا، وشجع على التحريض ضد إسرائيل، يظهر على أنه شريك مناسب وقريباً الحليف الجديد للدولة التي “تمارس القتل الجماعي”. صرح هذا الأسبوع أحد معاونيه الكبار، “عمر تشليك”، المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية”، موضحاً أن: “العلاقات الودية مع دولة إسرائيل وشعب إسرائيل لم تكن محل خلاف أبداً”؛ المشكلة هي “فقط” مع سياسة الحكومة الإسرائيلية”. الآن، بعدما وافقت إسرائيل على زيادة مبلغ التعويضات لضحايا أسطول الحرية، وأن تخفف قليلاً الحصار على غزة، يبدو أيضاً أن السياسية الإسرائيلية لن تقف حجر عثرة.

يتبين أن “أردوغان”، زعيم برجماتي. عندما تهدد روسيا بأنها ستوقف تزويد تركيا بالغاز، يجب العثور على بدائل، وإسرائيل إحدى البدائل. كذلك يمكن التغاضى عن سياسة الحصار بعض الشيء، فتركيا نفسها تفرض حصارات وحظر تجوال على مدن كردية داخل أراضيها، وتقصف تجمعات الأكراد في العراق، وتقيم حاجز على حدودها الجنوبي، وتعتبر الأقلية الكردية عدواً خطيراً بل أكثر عداوة مما يبدو عرب إسرائيل فى نظر نتنياهو.

يبدو أن “أردوغان” قد فهم أن تركيا لا تختلف فى المجمل كثيراً عن إسرائيل. ويتضح أن المبادئ والأيديولوجية ليست مقدسة، وأنها تنتظر فرص احتفالية. هنا بالتحديد يكمن الفرق العميق بين “أردوغان” و”نتنياهو”، الذي لم يستوعب بعد ما قد استوعبه الرئيس التركي: التصريحات والتوبيخ ليسوا بديلاً للسياسة.

الآن الفرصة سانحة أمام “نتنياهو” لموعد آخر. على سبيل المثال، بمقدوره أن يقرر إن كان زعيم تركي تتعلق تصريحاته بالمعاداة للسامية، والذي شهّر بإسرائيل في أرجاء العالم أكثر من “كسر الصمت”، يستحق أن يكون شريكاً، فما بالك بزعيم فلسطيني يخضع أبناء شعبه للإحتلال المباشر. إن كان “أردوغان” قد تجرأ قبل ثلاث سنوات للخروج بمصالحة قومية مع الأكراد، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الحرب التي قُتل فيها أكثر من 40 ألف شخص، يجوز أيضاً لـ “نتنياهو” أن يتعلم منه درس أو إثنين في موضوع المصالحة.

يبقى فقط شرط تركي واحد آخر وهو أن استكمال المصالحة مع إسرائيل مرهون الآن بسعة صدرها تجاه مليون وثمانمائة ألف مواطن فلسطيني مختنقين في قطاع غزة، لم يتم إعادة إعمار عشرات الآلاف من منازلهم، وقدرتهم على تلقي العلاج الطبي محدودة، ويعانون من بطالة تتجاوز الـ 50%. إن فك الحصار ليس تنازلاً لـ “أردوغان”، بل ضرورة ستخدم أمن إسرائيل، ناهيك الحديث عن الواجب الأخلاقي والإنساني الملقى على عاتقها. وخاصة، أنها ستمنحنا صديق جديد في المنطقة.

تسڤي برئيل- هارتس