في الأسابيع الأخيرة تصدرت منظمة “كسر الصمت” هجمة تحريضية خبيثة، متوافقة ومنظمة. وُجهت ادعاءات كثيرة تجاه المنظمة: اتهموها بالكذب (وهو اتهام تم دحضه مراراً وتكراراً)، حاولوا أن يقوضّوا مصداقية الدلائل التي تجمعها (دون جدوى)، وربطوها بصلة لا أساس لها من الصحة وكاذبة لحركة مقاطعة إسرائيل BDS، وغيرها الكثير والكثير. ضجة إعلامية فوق ضجة إعلامية فوق ضجة إعلامية، لفت نظر إلى ألف اتجاه، المهم ألا يتم الأمر الذي أسس لأجله – ألا يتحدث عن الاحتلال. بعدما قمنا، نحن نشطاء المنظمة، بالرد على كافة الادعاءات التي طُرحت ضدنا، ظهر ما عرض على أنه الخطيئة الكبرى: “لماذا تتحدثون في الخارج؟ “لماذا تغسلون الغسيل المتسخ في الخارج؟”.

قبل كل شيء يجب العودة والتأكيد-أن جلّ نشاط منظمة “كسر الصمت” كان يتم في إسرائيل. إننا نحلم بالعبرية، ونحلم بإسرائيل مختلفة. وبالتالي فكافة منشوراتنا بالعبرية، والدلائل التي نصرح بها وننشرها بالعبرية، ومئات الدوائر الفكرية، والمحاضرات والجولات في الأراضي المحتلة تُجرى في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة بالعبرية – وهي مُعدّة للجمهور الإسرائيلي. صحيح أن المنظمة لديها نشاط أمام المجتمع الدولي، لم يُخفى أبداً ونحن فخورين أيضاً به.

ينبع عمل “كسر الصمت” في الخارج قبل كل شيء من الفهم العميق بأن السيطرة على ملايين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة الواقعة خارج حدود دولة إسرائيل السيادية ليس شأناً داخليا ًإسرائيلياً، على الرغم من وجود من يحاولون أن يرسموه هكذا. هذا المسار يخدم اليمين جيداً، حيث يتيح له أن يواصل إفزاع الرأي العام من الداخل، في حين يفرض حقائق على أرض الواقع.

ينشغل اليمين الإسرائيلي-الاستيطاني بمحو الاحتلال من الخطاب العام. فمثلاً، اجتمعنا بمجموعة شباب في عمر السابعة عشر، وجدنا أنهم لا يعرفون ما هو الخط الأخضر، ولا يعرفون أن الأراضي المحتلة والمستوطنات متواجدة خارج دولة إسرائيل ولا يفهمون أن بعضهم سيُرسل بعد أشهر معدودة ليعرض حياته للخطر خارج حدود تم طمسها، ولا يعرف العالم أيضاً أن هناك إسرائيليون يعارضون الاحتلال.

هناك الكثير من منظمات اليمين التى تعمل في الخارج. أبرزها والمعروفة من بينها هي جمعية مجلس المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وقطاع غزة – اللجنة العليا للمستوطنين. إلى جانب وزيرة الخارجية الفعلية، “تسيبي حوطوبلي”، يسعى أعضاء حكومة آخرين، للدفع بأجندة المستوطنين والقضاء على رؤية السلام وإنهاء الاحتلال فى العالم. إن صورة دولة إسرائيل في العالم اليوم تتلخص في ممثلي المستوطنات، ومسئولي الحكومة ومنظمات إعلامية مختلفة، تبذل قصارى جهدها من أجل أن تعرض الموضوع على أنه أمر غير مهم.

الرسالة البسيطة، التي يكررها “نفتالي بينيت” مراراً وتكراراً في لقاءاته في الخارج هي: “ليس هناك شعب يحتل أرضه”. يُرسل جنود للدعاية في حملات إعلامية في كل أنحاء العالم. مهمتهم هي وصف إسرائيل على أنها مكان شبه مثالي. وعندما يسألونهم مع ذلك عن الاحتلال، يكررون صفحة الرسائل الخاصة بالحكومة: “ليس هناك خيار”، “ليس هناك أي خيار آخر”، “الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيش أخلاقي في العالم”.

وماذا عن العالم؟ العالم خاب أمله فينا. الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل، والادانات من كل حدب وصوب، والانتقادات من كل جانب، يشعلها اليأس. لكل من يؤمن أن هناك طريق آخر، وغير المستعد بأن يقبل استمرار الاحتلال كقدر، الذي يعتقد بأن هناك خيار – لا يجب أن يتنازل عن هذه الساحة. لا يجب أن نسمح للعالم بأن يقنط منا.

ادعاء آخر متكرر يصور منظمة “كسر الصمت” وكأنها عنصر ضرر وتشويه لصورة إسرائيل في العالم، هو ادعاء بكل بساطة منفصل عن الواقع. العالم لا يحتاجنا ليعرف أن هناك احتلال وأنه يبدو سيئاً. فلسطينيون مقيّدون، عنف مستوطنين، اقتلاع أشجار، حواجز بها طوابير لانهائية، قمع وإذلال، كل ذلك عوامل تسبب الضرر في العالم. هذه هي الصور التي يرونها في الإعلام الدولي.

وحتى نرى كم هو غسيلنا (وغسيل الفلسطينيين) متسخ، لسنا في حاجة إلى “كسر الصمت” أو أية منظمة حقوق إنسان أخرى. يكفي الأمر كاميرا لتعكس الواقع اليومي، وأننا، بشكل بديهي، نفضّل ألا نراه وألا نفكر فيه. ما لا يعرفه العالم تقريباً ولا يعلمه، هو أن هناك من يحاول جاهداً إخفاء ذلك من أمامه، هو أن هناك إسرائيل مغايرة، تؤمن بالحرية والمساواة لكل البشر، وغير مستعدة أن تقبل سياسة الاحتلال كقدر.

كمواطنين في دولة ديموقراطية علينا أن نتحمل المسئولية على ما فُعل وتم باسمنا. إن تحمل المسئولية هو أن نحكي ماذا نفعل في المناطق المحتلة، وأن نتصدى لموجات الكراهية والتحريض ولا نستسلم، ولا نخجل أن نوجّه نظرنا إلى الواقع، مهما كان صعوبته. وكذلك أن نكافح محاولة إخفائه، وأن نحوله إلى “أمر غير مهم”.

الانتقاد الذي نسعى نحن في “كسر الصمت” أن نردده ليس حول الجيش الإسرائيلي أو حول الجنود، بل حول الحكومة التي أرسلتنا إلى الأراضي المحتلة ولا تطرح أي أمل لمستقبل آخر. واجبنا هو أن ننقل في إسرائيل وفي العالم الرسالة بأن دعم المستوطنات لن يفيد إسرائيل، بل يضرها.

من جانبنا، ترك المنصة لليمين الاستيطاني ليس خياراً. يجب كسر الصمت. الاحتلال سيكون في الظلام، بشع ومؤلم مهما كان. من يعتقد أن الطريق إلى مستقبل أفضل لإسرائيل يأتي عبر إنهاء الاحتلال، عليه أن يكافح ضد محو الاحتلال من الخطاب العام في إسرائيل والعالم.

يولي نوڤيك- هارتس