هناك طريقان رئيسيان أمام دولة إسرائيل لحل المشكلة الفلسطينية: –

* الطريق الأول هو الطريق الذي رسمه رئيس الحكومة في خطابه في جامعة بار إيلان؛ أي دولتان لشعبين.

* الطريق الآخر هو دولة واحدة لشعبين، لكن هذا الطريق ينقسسم بدوره إلى طريقين فرعيين: دولة لكل مواطنيها أو دولة يهودية يعيش فيها شعب فلسطيني ذو حقوق محدودة.

أياً كان الطريق الذي ستُحل من خلاله القضية الفلسطينية، ففي كلا الطريقين، ستواجه إسرائيل قضية مشابهة في مسألة مستوى معيشة الشعب الفلسطيني. ففي كلا الطريقين تحسين مستوى ونوعية معيشة الشعب الفلسطيني، هي مصلحة إسرائيلية واضحة.

يمكن التطرق إلى مستوى معيشة المواطنين العرب في دولة إسرائيل كبداية لاختبار صحة تلك الفرضية. يتمتع عرب إسرائيل بحقوق مواطنة مماثلة لكافة مواطني الدولة، ويرتفع مستوى المعيشة من عام لآخر، وتبعاً لذلك إحساسهم بالمساواة وتماهيهم مع الدولة يظهر بعدة طرق متنوعة (نسبة دفع ضرائب حقيقية، والخدمة المدنية والعمل التطوعي في المجتمع وغيرها)، ناهيك عن الحديث عن الهدوء الأمني شبه التام.

وبغض النظر عن مسائل القيم والأخلاق والقانون وما إلى ذلك، التي تستحق مناقشة منفردة، يبدو أن العلاقة الوطيدة بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي تتيح حدوث عملية اندماجهما، بشكل لا يكون فيه الاقتصاد الفلسطيني عبئاً على الاقتصاد الإسرائيلي بل ويساعد في ازدهاره أيضاً.

لحدوث ذلك، يتعين على إسرائيل أن تخطط للأعوام القادمة وأن تفكر في العلاقة المتبادلة بين نفقات الأمن لدعم القوة العسكرية في الضفة الغربية، وبين الرفاه الاجتماعي لسكانها. فمن خلال التخطيط الجيد، يمكن للاستثمار في مستوى وجودة معيشة الفلسطينيين أن يؤدي إلى توفير نفقات الأمن. لتجسيد ذلك، يمكن مجدداً طرح مثال بعرب إسرائيل. فحين فُرض حكم عسكري على المناطق التي يقطنها عرب داخل حدود دولة إسرائيل، كانت ميزانية الأمن تضم نفقات بشكل مناسب لذلك. في المقابل، مع إلغاء الحكم العسكري، ليس فقط تم توفير النفقات، لكن بدأ الاقتصاد في جني ثمار تنمية القطاع العربي الذي أثّر تطوره على الاقتصاد بشكل عام.

يجب بحث المسوغ الاقتصادي للاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني في الوقت الحاضر من أجل التوفير في نفقات الأمن في المستقبل. يُحتمل أن يكون هناك تداخل بين النفقات، كمرحلة انتقالية، لكن يمكن مستقبلاً استعادة الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني سواء بشكل مباشر من خلال المكاسب الاقتصادية، أو بشكل غير مباشر من خلال التوفير في نفقات الأمن.

في سبيل تحقيق تلك الفكرة يمكن إنشاء صندوق خاص لذلك الغرض، ويمكن دعوة الدول الأخرى إلى المشاركة في الصندوق، كما كان الحال مع “الدول المانحة” بعد اتفاقات أوسلو، لكن خلافاً لما كان عليه الوضع في مؤتمر الدول المانحة من المقترح أن تبادر إسرائيل بذلك الصندوق وتشارك فيه بشكل ملحوظ. وتعد واردات الغاز الضخمة التي توشك أن تدخل الخزينة الإسرائيلية، وسيلة مفيدة إذا ما تم استخدامها من أجل تحقيق ذلك الغرض.

يعاني الاقتصاد الإسرائيلي حالياً من أضرار كثيرة غير مباشرة، نتيجة للسياسات الاقتصادية التي تتبعها السلطة الفلسطينية. يمكن أن يعود توطيد العلاقة الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية في كافة المجالات على الاقتصاد الإسرائيلي بفائدة كبيرة في مجالات متنوعة، فعلى سبيل المثال يمكن التنسيق في التخطيط الزراعي والموارد المائية والطاقة، بما يعود بالنفع على الجانبين، وأكثر.

يمكن أيضاً للاستثمارات الاسرائيلية المباشرة في جودة حياة السكان الفلسطينيين، أن تحسّن الوضع الأمني. فعلى سبيل المثال، يمكن لإسرائيل أن تشجع إقامة مدن جديدة غير مكتظة مثل “روابي” من أجل قاطني معسكرات اللاجئين، وأن تنشئ مدارس تكون المناهج فيها غير تحريضية، وأن تقيم مستشفيات وعيادات وغيرها، إن تحسين مستوى المعيشة وجودتها ليست حلاً للحرب على الإرهاب ومن غير المؤكد أن يؤدي إلى توقفه بشكل تام. وكذلك ليس حلاً للتطلعات القومية، لكن من المؤكد أنه يسرع عملية تكوين طبقة وسطى من السكان تجمعها علاقات جوار معاً. سيكون الاستثمار في رفاهية أولئك السكان في الوقت الحاضر، سواء كانوا سكان دولة مستقلة تجمعنا معها علاقات جوار، أو كانوا جزءاً من دولتنا، سيقود إلى توفير كلفة الأمن في المستقبل.

بنيامين بيرتس- واللا