عملية المطاردة الواسعة للمتهم بالعملية الهدومية التى قتل فيها اثنين من الإسرائيليين فى تل أبيب، استمرت طوال ساعات الليل وصباح اليوم السبت، على الرغم من أن هوية الرجل من عرب إسرائيل من وادى عره، معروفة للشرطة والشاباك فى مرحلة متقدمة نسبياً بعد العملية الهجومية ظهر أمس، إلا أنهم لم ينجحوا حتى الآن فى التوصل إليه.

إذا كان المشتبه به موجود فى مكان يتيح له مشاهدة التلفزيون أو تصفح الإنترنت فمن الواضح له أن هويته قد تم التعرف عليها وأن أذرع الأمن تتتبعه. فى مثل هذه الظروف فإنه من الممكن أن يعمل بشكل يائس ويتختبئ أو أن يحاول الذهاب إلى مكان خفى فى الضفة الغربية أو فى قرية عربية فى إسرائيل.

لاتزال الشرطة حتى الآن تضع احتمالية أن تكون خلفية الهجوم جنائية بالأساس وليست من قبيل التعصب القومى. إذا كان الحديث بالفعل عن عمل إرهابى فإن ماتم لايشبه ملامح العمليات الإرهابية التى وقعت فى الأشهر الأخيرة. ليس فقط لأن من قام بتنفيذ الهجوم هو من عرب إسرائيل ( على الرغم من أنه كان هناك مخربين كذلك مؤخراً)، بل أنه استخدم سلاح نارى، واختار هدفاً فى وسط إسرائيل والأمر الغريب هو أنه هرب من المكان بعد تنفيذ الهجوم ولم يظل ليستمر فى القتل حتى يتم قتله، كما جرت العادة مع العديد من المخربين قبله. ولكن محاولة عائلته التى أجرت لقاءات أمس بوصفه بأنه غريب الأطوار لاتبدو موثوقة. وفقاً لما تم نشره حتى الآن فإن الرجل الذى حصل على سلاح وذخيرة، وتصرف بروية واستخدم السلاح بكفاءة وحينئذ نجح فى الهرب فى حين تتتبعه الدول كلها، وهذا بالطبع ليس تصرفاً غريب الأطوار.

العملية الهجومية وما سبقها تثير عدداً من الأسئلة فيما يتعلق بأنشطة الأذرع الأمنية فى القضية. لقد قتل ابن عم المتهم فى مواجهة مع رجال الشرطة فى عرعره فى عام 2006. وبعد حوالى عام فشلت محاولة للمتهم بخطف سلاح من جندى وتمت محاكمته وحكم عليه بالسجن خمس سنوات. على الرغم من ذلك تم السماح لوالده بحيازة سلاح نارى فى منزله بسبب عمله كرجل أمن. وهذا هو السلاح الذى قام باستخدامه وفقاً للإشتباه فى العملية الهجومية أمس. ألم تكن هناك حاجة لدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بترخيص سلاح الأب؟ وأى نوع من التعقب قامت به السلطات لأنشطة المشتبه به بعد إطلاق سراحه من السجن؟.

كذلك السياسة الإعلامية غريبة بعض الشئ، تم منع نشر اسم الرجل على الرغم من أن كل البيانات الخاصة به واضحة وأن صوره التى تعود إلى محاكمة عام 2007 ( إلى جانب تصوير كاميرا المراقبة فى أحد المحلات أمس) ويتم نشرها بشكل طبيعى. من المدهش أيضاً أن مدير عام الشرطة الجديد رونى الشيخ اختار عدم الظهور بنفسه فى وسائل الإعلام وعدم السماح لأى أحد من ضباطه بإجراء لقاءات، فى الوقت الذى يطوف فيه رجال وحدات الشرط الخاصة بمسدساتهم فى تل أبيب. فقط بعد 4 ساعات تم خرق هذا الصمت الإعلامى وتم إرسال قائد قطاع يركون للحديث إلى الصحافة. هل الشرطة حتى الآن تعتقد أن هناك خطر على المواطنين فى المدينة فى حين لم يتم القبض على المخرب أم أن الحياة يمكن أن تعود إلى طبيعتها؟ السياسات التى فرضها مدير عام الشرطة تركت مواطنى تل أبيب للبحث عن الإجابات بأنفسهم.

السهولة التى لايمكن تحملها للإرهاب الفردى

منذ اللحظة التى اتضح فيها بشكل نهائى أمس أن المتهم بالقتل من عرب إسرائيل كان من الممكن ملاحظة عدم الراحة لدى المذيعين فى الإستديوهات فى حين يحاولون التحلى باللياقة السياسية. تضامن مقدمى البرامج مع خزى وألم عائلة المشتبه به وحاولوا التأكيد على أن العمل المنسوب إليه لايدل على موقف مجمل العرب فى إسرائيل.

هذا صحيح هناك نسبة مئوية تقدر بالكسر العشرى من العرب فى إسرائيل متورطون فى عمليات عنف وهناك نسبة أقل منهم قامت بعمليات بأنفسهم. لكن يجب عدم طمس ماتوضحه العملية التى قامت فى شارع ديزنجوف، كما حدث قبله فى عمليات هجومية فى تولوز وبروكسل وسان برناردينو فى كاليفورنيا.هناك تأثير لتحريض تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق الإنترنت (فى الحالة الإسرائيلية، مختلطاً بالنار المتواصلة التى يزكيها الصراع مع الفلسطينيين) هذا التأثير غير ضئيل على الجمهور الموجه له هذا التأثير، وهم المسلمين الشباب فى الدول الغربية.

ليس من المطلوب الخروج إلى سوريا للإنضمام كمقاتل فى صفوف التنظيمات الجهادية الشرسة. الرايكالية يمكن أن تحدث عن طريق الإنترنت بل وبإلهام من التغطية التى تتم فى التلفزيون الحكومى فى العالم العربى. إن تنظيم داعش هو فى المقام الأول فكرة أكثر من الغنائم الإقليمية فى العراق وسوريا. وحيث أن الحديث هنا عن عمليات هجومية سهلة نسبياً لتنفيذها وأن الحصول على سلاح فى القطاع العربى ليس مشكلة عصية، فإن المنظومة الأمنية فى إسرائيل تواجه صعوبة  أكبر من خدمات الأمن فى الدول الغربية كلها وهى السهولة الكبيرة للإرهاب الفردى.

قبل عدة أيام نشرت الصحافة الإسرائيلية مقالات عن التهديد الذى تمثله داعش على الحدود السورية، عقب أعلان حوالى 600 مقاتل فى فصيل محلى جنوب هضبة الجولان وولائهم لداعش. لكن الخطر الأكثر إلحاحاً يتعلق على مايبدو بالتأثير المحتمل لداعش على الشباب من عرب إسرائيل. هذا توجه ملحوظ –هو بالفعل فى مستويات صغيرة- فى أوساط البدو فى النقب وفى أوساط المسلمين فى فى المثلث وفى الجليل.

الأخبار السيئة من تل أبيب تأتى فى نهاية الأسبوع الذى تم فيه التصديق من قبل الحكومة على خطة خمسية ذات ميزانية كبيرة للمساعدة الإقتصادية للقطاع العربى فى إسرائيل. على الرغم من هذا القرار الضرورى والمرحب به، فإن المخرب الفردى من وادى عره من المتوقع أن يضع من جديد إختبار أمام العلاقات اليهودية العربية فى إسرائيل، ونشر الخوف المتبادل من جديد، والدفع نحو اتخاذ خطوات قاسية من قبل الشرطة والشاباك لتعزيز عملية تعقب المشتبه بهم الإفتراضيين فى الأنشطة الإرهابية.

عاموس هرئيلهارتس