أطلق التاريخ الإسرائيلي مسميات متعددة على الأقلية العربية الفلسطينية الموجودة في إسرائيل. وارتبط ذلك بهوية مُطلقي التسمية، ووجهات النظر الأيديولوجية والتعريفات المتغيرة التي تعرّف بها الأقلية نفسها. المسمى الذي يطلقه الآخر والتعريف الذاتي هما فعل ورد فعل يؤدي إلى خلق مسميات مختلفة للظاهرة الواحدة، تماماً كما هو الحال في تكوين الهوية. في السنوات الأخيرة، اُطلق على الأقلية العربية في إسرائيل: “الأقلية”، “عرب إسرائيل”، “مواطني إسرائيل العرب”، “الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل”، “الأقلية العربية في إسرائيل”، “الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل”، و”الأقلية الفلسطينية في إسرائيل”. واُطلق عليهم كذلك “الجموع العربية في إسرائيل” و”الطوائف العربية في إسرائيل”.

إلى جانب المسميات التي تحاول تعريف تلك المجموعة، فإن هناك صفات عديدة تحكم عليها وتحدد موضعها من الدولة اليهودية. تعبر التسمية “أقليات” عن رغبة في عدم رؤية المجموعة كأقلية قومية. وتنسب لها التسمية “طابور خامس” نيات سيئة، وتخرجها التسمية “سرطان في جسد الدولة” خارج حدود المواطنة وتشكك فيها. التسميات المسيئة والشيطانية تتيح كذلك تسويغ السياسات التمييزية والإقصائية تجاههم.

أطلق جيل المؤسسين المصطلح “عرب إسرائيل”، الذي يعبر عن الرغبة في نسبة الأقلية العربية الفلسطينية إلى الدولة اليهودية التي ما لبثت أن اُنشئت، وفصلها عن الحيز العربي وشعبها الفلسطيني. ويعبر المسمى، في الوقت ذاته، عن رغبة في نقل ملكية السكان إلى الدولة، ونقل المجال الاقليمي إلى الدولة تباعاً. حينما استخدمت المؤسسة مصطلح “أقليات” لوسم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، فإنها عبرت عن الرغبة في اعتبارهم أقليات مختلفة وليس أقلية قومية واحدة، نظراً لأن الأقلية القومية تتمتع بحقوق مختلفة، بمقتضى القانون الدولي والمواثيق التي وقعت عليها إسرائيل.

قام المصطلح “طوائف عربية” على الموروث العثماني الذي تجّذر في قوانين الانتداب البريطاني وتم استيعابه في كتاب القوانين الخاص بدولة إسرائيل. يحمل المصطلح طابعاً دينياً، مُنحت من خلاله المجموعات المختلفة استقلالاً في الشؤون الدينية والفردية، وهدف أيضاً إلى تصنيفهم بشكل لا يهدد الدولة اليهودية. هدف الاعتراف بــ “الدروز والمسيحيين والمسلمين” وزرع أسفين بين المجموعات، إلى تشويه انتمائهم إلى الأقلية القومية ذاتها وكذلك للزعم بأن “الدروز” والمسيحيين ليسوا عرباً مثل المسلمين.

لكن كان هناك رد فعل للأقلية العربية الفلسطينية نفسها، رداً على تلك المسميات والتصنيفات، وفعلياً، تكوين المؤسسة لتلك الهوية؛ حيث إنه كلما حاولت الدولة فصلها وعزلها، عمد اللاعبون الفاعلون فيها إلى إظهار الوحدة والتعبير عن جمع محدد. اكتفى اولئك اللاعبون، في عصر الوحدة العربية التي قادتها مصر وسوريا، بالتعريف “العرب في إسرائيل”، سواء من أجل التعبير عن سمو المكون الفلسطيني في هويتهم، أو من أجل التعبير عن دعمهم لشعبهم الذي يناضل من أجل تحقيق مآربه القومية. لم يكن الاحتلال فقط قابعاً في الخلفية، لكن أيضاً استمرار ظلم النكبة داخل فلسطين التاريخية والإحساس الذي نازع الفلسطينيين في إسرائيل بأن “المشروع الصهيوني ما زال معاد لهم.

أكد الحوار الداخلي لدى الفلسطينيين في إسرائيل، في العقدين الأخيرين، على المصطلح “أقلية قومية” بشكل خاص، والذي تُستمد منه حقوق محددة. كانت تلك لغة وثائق رؤية (2006-2007). أيضاً صُك المصطلح “أقلية فلسطينية المولد” للتمييز بين الأقلية غير المولودة في فلسطين وللتذكير بحقيقة أن وجود الفلسطينيين سابق على وجود الدولة اليهودية ومجتمع المهاجرين الذي يقصيهم أو يريد أن يطردهم من داخله. تمت دراسة الفلسطينيين في المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل، في الغالب، على أنهم أقلية قومية، لكن علوم الشرق الأوسط التقليدية اتبعت النموذج المؤسسي الذي يقسمهم لطوائف وتبنت المنحى الأمني في تقسيمهم لعرب “معتدلين” و”سلبيين”، “جيدون” و”سيئون” وعدة صفات حكم أخرى.

انضم المجال العربي والفلسطيني في الخارج إلى اللاعبين الذين يصنفون الظاهرة، وصكّ مصطلحات مثل “عرب 48″، وفلسطينيو 48” أو عرب/فلسطينيو الداخل”، للإشارة إلى السكان الذين بقوا في فلسطين الأصلية بعد النكبة. كان معني ذلك الاعتراف بأولئك السكان كجزء لا يتجزأ من فلسطين التاريخية، من الكل الفلسطيني ومن الأمة العربية، وهو الاعتراف الذي توافق مع رغبة الدوائر الواسعة من الجمهور الفلسطيني في إسرائيل.

التصنيفات الخارجية مهمة، لكن الداخلية أكثر أهمية. يرى اللاعبون الفاعلون في الكتلة السكنية العربية الفلسطينية في إسرائيل أنهم أقلية قومية فلسطينية المولد، ولو كانت نابعة من تطور الهوية الفلسطينية بعد النكبة وكرد فعل ضد السياسات التمييزية في “الداخل” ولاحتلال المناطق الفلسطينية. تعد تلك الكتلة السكنية نفسها جزء من نضال الشعب الفلسطيني في سبيل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهي تصنف نفسها وفقاً لذلك. مع ذلك، حينما يدور مركز ثقل الحديث حول حقوق تلك الكتلة، فإن المصطلح يتطور إلى “العرب مواطني إسرائيل”، الذي يؤكد الجانب المدني في حاضر عرب إسرائيل، خلافاً للحاضر اليهودي، أو “الفلسطينيون مواطني إسرائيل”.

حينما نطيل النظر إلى الداخل، إلى العلاقات اليومية وسط الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، نجد أن عالمهم أكثر تنوعاً. ليس هناك نهاية للهويات والتصنيفات وفقاً لمحل الإقامة والطائفة والانتماء إلى مجموعات فرعية والتواجد الجغرافي. في الجامعة يكون الحضر في مقابل الريف، وفي المجال العام يميز البدوي نفسه عن الفلاح، والدرزي عن بقية العرب. هناك من يصنفون أنفسهم على أنهم مسلمون وليس أكثر من ذلك، أو مسلمون قبل أي شيء. يصنف المسيحيون أنفسهم على أنهم مسيحيون في المقام الاول ثم عرب بعد ذلك. بمعنى آخر، حينما تواجه الهوية الجمعية مشكلة، ينقسم الأشخاص إلى هويات فرعية، ويتحول الطابع الفريد ذاته إلى هوية. كذلك يتواجد السياق الإسرائيلي في جوهر الهوية، خلال النقاشات الداخلية؛ فإلى جانب الذين يؤكدون على إسرائيليتهم بجانب عروبتهم، هناك من يبتعدون عنها كمن يفر من النار. يضيف النقاش الداخلي إلى ذلك التنوع ويقسّم العالم إلى نساء ومملكة الرجال.

بشكل أو بأخر، تعد الكتلة السكنية الفلسطينية في إسرائيل، ذاتها، بشكل عام، جزء من الشعب الفلسطيني ومن الأمة العربية وكمجموعة مدنية في إسرائيل. تعكس سياستها الخارجية والداخلية، وكذلك أنشطتها المدنية والثقافية، بوضوح، التوتر بين تلك العوالم الذي يؤدي إلى وجود عدة مسميات للظاهرة ذاتها.

منتدى التفكير الإقليمي

مرزوق الحلبي