تنادي الإدارة الأمريكية بأن الاتفاق النووي الذي جرى بين إيران والدول الكبرى (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) “سيمنع إيران بشكل مؤكد من امتلاك سلاح نووي”، وأنه سيضمن أن يكون البرنامج النووي الإيراني من الأن لأغراض سلمية”. ماهي التداعيات المحتملة لهذه الاتفاقية على اسرائيل، وهي التي تصدرت الصراع في السنوات الماضية ضد البرنامج النووي الإيراني؟

منذ عدة سنوات يعبر القادة السياسيون في اسرائيل، ومسئولون كبار في مؤسساتها الأمنية وقطاعات عريضة من الجمهور عن مخاوفهم الشديدة من التهديد المرتقب لأمن اسرائيل من البرنامج النووي الإيراني، وبعض منهم طرح هذا التهديد على أنه تهديد ذا طابع وجودي. اتفقت النخبة السياسية والأمنية في البلاد بوجه عام على هذا التهديد، لكن ليس بالضرورة على طابعه الوجودي وعلى رد الفعل المناسب له. هذا ما دعمه على سبيل المثال رئيس الحكومة “بنيامين نتانياهو” ووزير الدفاع “إيهود باراك” كما أُعلن، في هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، كما فعلت اسرائيل سنة 1981 في العراق وعلى ما يبدو في 2007 في سوريا أيضاً. لكن مسئولون كبار آخرون وخاصة رئيس الموساد “ميئير داجان” ورئيس الشاباك “يوڤال ديسكين”، وكذلك ضباط رفيعو المستوى، أيدوا سياسة دولية أكثر حزماً تجاه إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي، لكنهم عارضوا الهجوم الاسرائيلي.

النقطة الأولى التي يجدر ذكرها في هذا السياق أن التهديد الإيراني، الذي أحياناً ما تم تضخيمه من قبل عناصر مختلفة، كان في كل الأحوال نشاط نووي حقيقي. زادت إيران في السنوات الماضية من تدخلها في لبنان، خاصة عن طريق حزب الله، حزب الميليشيات الشيعية، الذي تلقى آلاف الصواريخ والأسلحة الموجهة تجاه اسرائيل. في المقابل زادت إيران من دعمها السياسي والعسكري لحركات فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وهم المعارضون البارزون لحركة التحرير الفلسطينية، ولعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وفرت إيران أيضاً الدعم السياسي والعسكري لسوريا عدوة اسرائيل، شمل هذا الدعم تدخل عسكري في الحرب الأهلية الجارية في سوريا منذ 2011. هدد القادة الإيرانيون أيضاً إسرائيل وأدعّوا أنها ستختفي قريباً من الخريطة. بمعنى آخر، ظهرت إيران وأحياناً أظهرت نفسها أنها المنافس لإسرائيل في الشرق الأوسط، وكذلك اعتبرها الكثير من متخذي القرار في اسرائيل.

لكن ميل القادة في اسرائيل لطرح التهديد الإيراني لإسرائيل على أنه تهديد “وجودي” كان ومازال إشكالياً.

أولاً، بعد 67 سنة من الاستقلال، فإن وجود اسرائيل كدولة لم يعد مجالاً للشك.

ثانياً، إن علاقة اسرائيل مع جيرانها علاقة معقدة ومتعددة الأوجه ولا يمكن أن نعتبرها طريق المرور الإيراني. ثالثاً، من الممكن أن نتوقع أن إيران التي لديها علاقات وطيدة مع الطوائف الشيعية الكبرى في لبنان، والعراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط (في بعض دول الخليج مثلاً)، ستتطلع إلى توطيد العلاقات مع هذه الجماعات.

في النهاية، على الأقل بعض من الخطوات التي اتخذتها إيران في المجال الأمني، وخاصة في المجال النووي، كانت على ما يبدو ذات طابع دفاعي، ولم يكن لتلك الخطوات علاقة بإسرائيل تحديداً. على سبيل المثال، بعد 2002 وضعت الولايات المتحدة كلاً من العراق، وإيران، وكوريا الشمالية في إطار محور الشر، وفي 2003 غزت العراق لكي تغير النظام فيها، ولم يكن مفاجئاً أن يحاول من تبقى في هذا “المحور” -إيران وكوريا الشمالية -أن يعززوا من أمنهم بوسائل أخرى، بعيداً عن السياسة التي أصبحت مهانة في العراق. بمعنى أخر، إن ادعاء رئيس الحكومة “بنيامين نتانياهو” أن “هذا العام هو عام 1938 وإيران هي ألمانيا”، على غرار أقوال مماثلة لقادة اسرائيليين أخرين -مثل الرئيس “شمعون بيريز”، وهو من مهندسي البرنامج النووي الاسرائيلي، أنه ليس هناك خيار إلا المقارنة بين التهديد الذي تفرضه إيران وبين ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية- هي ادعاءات مبالغ فيها.

أخذت مشكلة أخرى في النقاش “الوجودي” بالنسبة لإيران تمد جذورها داخل اسرائيل، ألا وهي تأثيره الداخلي الصادم. بحثت صحيفة “هآرتس” وتبين أن رئيس الوزراء ذكر في خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء الفترة الواقعة ما بين 2009-2014 إيران 167 مرة، أكثر من “السلام” (106) مرة والفلسطينيين (59) مرة. إذن، في الوقت الذي يناقش فيه القادة الإسرائيليون وقطاعات عريضة من الشعب الإسرائيلي القضية الإيرانية بما في ذلك استخدام مصطلحات “وجودية” واجهت اسرائيل مشاكل أخرى، منها ما يمكن أن نعتبرها مصيرية، تم اختزالها.

هنا تحديداً تكمن ضمانات الاتفاقية التي تمت بين الدول الكبرى وإيران في الشأن النووي. إذا نجحت، قد تؤدي هذه الإتفاقية إلى أن تتوقف القضية الإيرانية فى أن تصبح ذات طابع “وجودي” في السياسة الاسرائيلية، وهو الأمر الذي سيسمح بنقاش متوازن أكثر في السياسة تجاه الفلسطينيين. على الرغم من أن هذه قد تكون أخبار سيئة لرئيس الوزراء نتنياهو ومؤيدين آخرين لدولة القوميتين التي تُبنى على قدم وساق في اسرائيل/فلسطين، وهو الأمر الذي يبشر بالخير للمؤيدين لدولة قومية اسرائيلية بحدود 1967 تتمتع بشرعية دولية تعيش بسلام مع جيرانها.

لكن لدى إيران فرصة للتغيير في الاتفاقية النووية. تستطيع إيران واسرائيل تبنى موقف عملي من الاعتراف المتبادل، حتى لو لم يكن رسمياً، في مصالحهم في الشرق الأوسط. هذه المصالح ليست متعارضة بالضرورة; كلتا الدولتين ستربحان قليلاً وستخسران كثيراً من ضعف وتحلل العراق وسوريا، ومن صعود لاعبين غير سياسيين “مفترسين” مثل الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، ومن تدخل عسكري هائل لقوات خارجية في المنطقة.

بعد عقود من المخاوف المتبادلة، والكراهية، والخطابات العدائى بين اسرائيل وإيران، ربما حان الوقت للبحث عن صيغة تضمن المصالح المشتركة.

منتدى التفكير الإقليمي

بقلم: اورين باراك