أمام كل من إسرائيل وتركيا الآن فرصة حقيقية لإصلاح العلاقات بينهما بعد خمس سنوات من الجمود والتوتر. نحن، الخبراء في معاهد الأبحاث والسياسة من إسرائيل ومن تركيا الذين نعمل معاً منذ 2012 من أجل إصلاح العلاقات، نرحب بهذا التطور وندعو زعماء البلدين إلى استغلال الفرصة والتوقيع على الاتفاق الجاري تشكيله.

في منتصف شهر ديسمبر التقى في سويسرا مندوبون من كلا البلدين من أجل التقدم نحو اتفاقية من شأنها أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات. ووفقاً للتقارير، شكّل الأطراف بالفعل مسودة لاتفاق مصالحة على الرغم من حقيقة وجود موضوعات محل خلاف – وعلى رأسها حصار قطاع غزة.

لقد وصلت إسرائيل وتركيا تقريباً إلى اتفاق مصالحة بضع مرات منذ اندلاع أزمة أسطول الحرية في 2010. كانت المرة الأخيرة في ربيع 2014. ولكن، بينما نجح الدبلوماسيون في التوصل إلى صيغ تصالح تسدّ الفجوات بين الدول، كانت القيادة السياسية في أنقرة وفي القدس مترددة في تنفيذ الاتفاق المطروح. هذه المرة يبدو أن هناك التقاء مصالح مشتركة في المجالات الأمنية والاقتصادية، وكذلك إرادة سياسية بين الطرفين لإصلاح العلاقات.

الدافع هو الغاز والحرب في سوريا

في الأشهر الأخيرة شهدنا زيادة لمؤشرات تشير إلى دفء متسق وموجّه في العلاقات الإسرائيلية-التركية. فقد اتخذ كلا البلدين خطوات تهدف إلى خلق أجواء عامة أفضل والسماح لها بتوسيع حجم التعاون فيما بينهما. يرجع الأمر في المقام الأول إلى مصالح مشتركة في ملف الغاز الطبيعي في شرق حوض البحر الأبيض المتوسط وإلى قلق مشترك من التطورات في سوريا.

وقبل أيام عدة من اللقاء الذي عقد في سويسرا قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إن المصالحة الإسرائيلية-التركية “ستكون أفضل بالنسبة لنا، وبالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لفلسطين والمنطقة بأكملها”. كذلك أدلى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية “دوري جولد”، بتصريحات مشابهة وأكد على أنه “لطالما تشارك إسرائيل تركيا في علاقات مستقرة وتبحث طوال الوقت سبل الوصول إلى ذلك”. كانت مثل هذه التصريحات نادرة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

بعد اللقاء في سويسرا استمر توجه التصريحات الإيجابية من جانب كلا الطرفين. من جانبه قال نائب رئيس الحكومة التركي “عمر تشليك”: “لا شك، أن دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي أصدقاء لتركيا”. في حين قال وزير الطاقة الإسرائيلي “يوڤال شتاينتس”، “إن هناك فرصة جادة وكبيرة للتصالح وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا”، وأنه قد نشأت فرصة هائلة للتعاون في ملف الغاز الطبيعي.

لا يجب على زعماء إسرائيل وتركيا أن يفتوا هذه الفرصة. وبدلاً من ذلك، عليهم أن يستغلوا النية الحسنة والزخم الإيجابي للتقدم بسرعة لتسوية نقاط الخلاف المتبقية، والتوقيع على اتفاق مصالحة والسعي لاستئناف علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين.

اتفاق من هذا النوع لن يخدم فقط المصالح المباشرة لإسرائيل وتركيا فحسب. بل سيساهم أيضاً في الأمن والاستقرار الإقليمي عن طريق المساعدة في التصدي للتطرف والتعصب العنيف في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، يُحتمل أن تسمح مصالحة مماثلة لتركيا بأن تصبح لاعباً أكثر تأثيراً وإيجابية في جهود إعادة إعمار قطاع غزة، والدفع بمصالحة داخلية فلسطينية ودفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

في تصريحاته فى هذا الصدد قال الرئيس التركي “اردوغان”: “لا أعتقد أن الجمهور الإسرائيلي راض عن وضع العلاقات الراهن”. في الواقع، أوضح استطلاع رأي يعود إلى أكتوبر 2015 أجراه “متڤيم – المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية-الإقليمية”، أن الجمهور الإسرائيلي يعرف أسباب إصلاح العلاقات مع تركيا، والتي على رأسها خيار التعاون الأمني الإسرائيلي-التركي في قضية سوريا وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). كذلك يبدو في تركيا أن هناك قاعدة دعم واسعة لإصلاح العلاقات، مثلما يتضح من تصريحات رئيس حزب المعارضة الأساسي هناك، ” كمال كيليتش درولو”، الذي أعرب عن تأييده لمصالحة وشيكة مع إسرائيل.

إن التوقيع على اتفاق مصالحة سيمثل خطوة ضرورية في الاتجاه الصحيح، لكن وحده لن يكون كافيا. فمن أجل إصلاح العلاقات الإسرائيلية-التركية بشكل فعلي ستكون هناك ضرورة إلى إعمال خطوات أخرى من شأنها أن تكثّف الفهم المتبادل بين البلدين وتساعد على بناء سرد جديد للعلاقات بينهما.

ولهذا السبب، في الفترة التي تلي التوقيع على الاتفاق سيضطر كلا البلدين إلى التشديد على استعادة الثقة بينهما، وتسويق اتفاق المصالحة بشكل إيجابي للجمهور الإسرائيلي والتركي، وتأسيس قنوات اتصال رسمية متنوعة، والدفع بمبادرات اقتصادية جديدة، وإقامة آليات لتحليل مشترك للسيناريو الجاري في المنطقة ولتنسيق السياسات، ومساعدة متبادلة في عمليات تسوية الصراعات التي يشارك فيها البلدين، وتعزيز الحوار بين منظمات المجتمع المدني ونخب جديدة في إسرائيل وفي تركيا.

ينبغي بصفة خاصة تشجيع منظمات المجتمع المدني والمعاهد البحثية والسياسية والجامعات والمنظمات غير الحكومية للمشاركة في هذه العملية. الحقيقة المشتركة التي نفذها معهدينا الإسرائيليين في السنوات الأخيرة أثبتا أنه ينبغي بقوة المجهودات السياسية المستقلة وغير الرسمية تعزيز الإسهامات الإيجابية في العلاقات الثنائية.

 

أمام زعماء كل من إسرائيل وتركيا إمكانية لأن يبدأوا فترة جديدة في العلاقات بين البلدين، بمقدورها أن تساهم في الدفع بالسلام، والأمن والازدهار في كلا البلدين وفي المنطقة برمتها. وعليهم أن يوقعوا على الاتفاق.

يديعوت احرنوت

بقلم: بروفيسور منصور أكجون، د. نمرود جورن،

د. سيلڤا تيرياكي، جبريئيل ميتشيل، محمد عماش