قبل شهرين وقع أحد الأحداث السياسية الأكثر مأساوية على الإطلاق فيما يخص علاقات دولة إسرائيل بمواطنيها العرب حيث أُخرج الفصيل الشمالي للحركة الإسلامية خارج نطاق القانون. اتخذ هذا القرار من قبل المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية-الأمنية وأعضائه الدائمين هم رئيس الحكومة “نتنياهو”، ووزير الدفاع “يعالون”، ووزير الأمن الداخلي “أردان”، ووزير النقل “كاتس”، ووزير الطاقة “شتاينيتس”، ووزيرة العدل “شاكيد”، ووزير التعليم “بينيت”، ووزير المالية “كحلون”، ووزير الداخلية “درعي”.

إنني أجد أهمية في ذكر هذه القائمة ليس للتأكيد على حقيقة أن كافة صانعى القرار يمثلون وجهة نظر يمينية؛ فالأمر طلب في حكومة يمين، كما أيّد أعضاء كنيست بارزون من الوسط، مثل “ليڤني”، و”هرتسوج”، القرار ودعموه. إنني لا أنوي أن احتج بحجة أن القرار قد اتُخذ على عكس رأي جهاز خدمات الأمن العام “الشاباك”، حيث خشي رجاله من غليان على الأرض وذكروا أنه لا توجد دلائل على تورط الحركة الإسلامية في الإرهاب.

اعتقد أنه من المهم أن نعلم من يقف وراء القرار لثلاثة أسباب:

أولاً:- لقد اتخذ سياسيون القرار، وليس قضاة.

ثانياً:- من اتخذ القرار سياسيون يهود. وهم لا يعرفون المجتمع العربي، فما بالك بالحركة الإسلامية.

ثالثاً:- متخذو القرار هم ممثلو حكومة يبدو أن قراراتها المعادية للديموقراطية تحطم الرقم القياسي تلو الآخر، والتعتيم على الخطاب العام في هذه القضية.

سأبدأ بالملف السياسي، إن إخراج حركة سياسية خارج نطاق القانون ليس أمراً تافهاً. ففي دولة ديموقراطية من المفترض أن تكون مبادئ مثل حرية التنظيم وحرية التعبير مقدسة؛ ويتحمل النظام الحاكم مسئولية المساس بها، إن حدث أساساً، في حالات نادرة جداً. في هذه الحالة، قضية الفصيل الشمالي لم تصل إلى فحص المحكمة. من الصعب بمكان أن نصدق أن قضاة محكمة العدل العليا يقضون بحظر استمرار نشاط الفصيل، وبالطبع في ظل غياب توصية مسئولي الأمن في هذا الصدد.

ثانياً، لا عيب في قرارات تتُخذ من قبل يهود فقط أو من قبل عرب فقط وأي قرار يجب أن يُنظر بشكل منفصل. لكن السؤال ما هو الذي يعرفه في الواقع أعضاء اللجنة عن الفصيل الشمالي غير المواد التي ترجمتها منظمات ذات أجندة واضحة، مثل “نظرة على الإعلام الفلسطيني”، ومنها يمكن الاستنتاج أن الفصيل الشمالي كله مشبع بالتطرف والتحريض؟ كم منهم يقرأون اللغة العربية؟ كم منهم يعلمون أن الصحفيين العالمين في الشبكة الإعلامية للحركة هم من حملة شهادات نقابة الصحافة الحكومية، وإن كان هناك أمر مرفوض أمنياً في عملهم لكانوا بالطبع أحيلوا إلى التحقيق؟ مشبع بالتطرف والتحريض؟ كم شخص منهم بحث في صحيفة الحركة المسماة “صوت الحق والحرية”؟ كم شخص منهم يقرأ العربية؟ كم شخص منهم يعلم أن جميع الصحفيين العاملين في إعلام الحركة حاملين لشهادات مكتب الصحافة الحكومي، وإن كان هناك مرفوض أمنيا في عملهم لكانوا أُحيلوا بالطبع للتحقيق؟

كم من متخذى القرار على دراية بجمعية “إقرأ” ونشاطها؟ كم منهم يعلم عن معهد “إقرأ بسيخومتري” الذي يؤهل الشباب العربى إلى اختبار البسيخومتري قبل التحاقهم بالجامعات؟ كم منهم يعلم أن أكثر من 50% من مواطني إسرائيل المسلمين مؤيدين أو أعضاء نشطاء في الحركة الإسلامية؟ كم منهم يعلم أن الفصيل الشمالي مختلف عن الفصيل الجنوبي، المعتدل، فقط فيما يتعلق بالانتخابات، بينما في المواقف الأساسية، مثل الاعتراض التام لتغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي، لا فرق بين الفصائل؟

ثالثاً، القرار الصادر بشأن الفصيل الشمالي اتُخذ في أجواء سياسية من إثارة وتحريض متقدمين ضد الفلسطينيين عامة وضد الفلسطينيين مواطني إسرائيل خاصة. لا يتسع المجال للحديث هنا، ولكن هذه حكومة كانت بدايتها بالتحريض السافر ضد العرب عشية الانتخابات (“العرب ينهمرون بحشود هائلة إلى صناديق الاقتراع”)، التي تشير وتسعى إلى إضعاف كافة منظمات اليسار التي تنشغل بانتقاد الاحتلال أو تساعد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتي تخشى من نشأة قصة غرام بين عربي ويهودية، وتدعم في العلن جمعيات يمينية كل هدفها هو تغيير فعلي للوضع الحالي في الحرم القدسي.

هذا هو السياق السياسي. الآن، مَن من اليهود في إسرائيل عامة يتذكر أن الفصيل الشمالي قد تمت إدانته؟ من يجرؤ على ذلك عندما تكون الرسائل ضد الحركة من جانب المؤسسة قاطعة وواضحة للغاية؟ من ينزعج أصلاً من ذلك، منذ أن ازداد التحريض ضد كل ما هو عربي أو فلسطيني أو مشكوك في أمره بأنه يساري – حملة “المندسين”، والتفتيش في صفائح القمامة الخاصة بمحامي حقوق الإنسان، وبيان لجنة مستوطني الضفة الغربية حول مقاطعة محال العرب الذين أضربوا احتجاجاً على سياسة الحكومة في الحرم القدسي، وتحقيق جمعية اليمين “عَد كان”، في برنامج “عوڤدا”، واعتقالات النشطاء وما إلى ذلك؟

إن وضع العرب مواطني إسرائيل يبدو مثيراً للإحباط بدرجة كبيرة. الرسالة من ناحيتهم واضحة: لقد أُخرج الفصيل الشمالي خارج نطاق القانون، وستخرج أيضًا الحركة القادمة أو الحزب القادم خارج نطاق القانون بنفس السهولة، وتحت نفس مظلة اللامبالاة العامة. الأجواء العامة أصبحت مهيأة لذلك. لقد كان يجدر بالمجلس الوزاري الأمني أن يواجه بجدية التمييز وتهميش العرب مواطني إسرائيل، الذي يثير الحنق بينهم، بدلاً من إدانة أولئك الذين يمثلونه بشكل متهور.

 يوني مندل- منتدى التفكير الاقليمي