فى منتصف هذا الأسبوع، أتمت قوات نظام الأسد احتلال بلدة الشيخ مسكين، على الطريق المؤدى من درعا جنوب سوريا إلى العاصمة دمشق. وسبق الخطوة البرية عدة أيام من القصف الجوى المكثف من جانب الطائرات الحربية الروسية، على مسافة مايقرب من 20 كيلومتر فقط من الحدود السورية الإسرائيلية فى هضبة الجولان.

لاتختلف تلك القرية على مايبدو عن مئات القرى الأخرى فى أنحاء سوريا، والتى تم تدميرها فى الحرب الممتدة والتى قتل فيها مايقرب من 300 ألف شخص، وهى تقريباً نسبة 1.5 % من العدد الأصلى لسكان سوريا.

لكن الإنتصار فى المعركة له أهمية معينة:-

أولاً: هذه هى المرة الأولى التى يستعيد فيها نظام الأسد منطقة واضحة، منذ نشرت روسيا طائراتها شمال سوريا فى نهاية أغسطس من عام 2015 (الهجمات نفسها بدأت بعد مرور حوالى شهر).

ثانياً: هذه الخطوة من الممكن أن تسبب الغضب لدى جارتي سوريا الجنوبيتين؛ الأردن وإسرائيل.

الأردن، التى اضطرت إلى استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين فى أعقاب الحرب، قد أدانت فى مرحلة مبكرة نسبياً مايقوم به الطاغية بشار الأسد ودعا الملك عبدالله إلى رحيله. ولاحقاً، بضغط أمريكى، انضمت إلى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ووجدت نفسها فى مواجهة مباشرة معه. وبعدما قام تنظيم داعش بقتل الطيار الحربى الأردنى الذى وقع فى الأسر. وفى الوقت ذاته، وفقاً لتقارير إعلامية دولية، فإنه فى السنوات الأخيرة عملت فى الأردن غرفة عمليات، أمريكية أردنية، اهتمت بنقل المساعدات إلى تنظيمات الثوار السنة الذين قاتلوا ضد نظام الأسد ووصفوا بأنهم أكثر اعتدالاً.

الأردن الآن أمام معضلة، من المحتمل أن يواصل النظام السورى تقدم قواته جنوباً باتجاه الحدود المشتركة ومدينة درعا، التى بدأت فيها الإنتفاضة ضد نظام الأسد فى مارس 2011. ويخشون فى عمان من فرار أعداد كبيرة من الثوار، ومنهم نشطاء فى التنظيمات المتشددة مثل جبهة النصرة، وهى الوكيل السورى لتنظيم القاعدة، إلى داخل أراضى المملكة. وقد وقعت بالفعل هذا الأسبوع واقعة أطلق فيها جنود أردنيون النار على ثوار حاولوا اجتياز الحدود نحو الجنوب وأردوهم قتلى. وكانت هناك أخبار حول قرار أردنى بتقليص أنشطة غرفة العمليات، لتقليل الإحتكاك مع الأسد.

وإسرائيل لديها مصادر أخرى للقلق، حين بدأت روسيا الهجوم الجوى فى سوريا، نشأ انطباع بأنها تركز على شمال الدولة وغربها وتترك للأمريكان وشركائهم الصراع الجوى ضد داعش شرق سوريا. لكن يصل الروس تدريجياً بالطائرات جنوباً وفى خلال ذلك يقتربون من الحدود الإسرائيلية. قبل حوالى شهرين تم عمل قصف أهداف للثوار وسط الجولان السورى جواً، وعلى الأقل فى واقعة واحدة تطلب الأمر من الجيش الإسرائيلى تحذير طائرة حربية روسية اخترقت خطئاً الحدود إلى الأراضى الإسرائيلية. وتبذل الآن جهود كبيرة لتعزيز التنسيق بين البلدين، لمنع حدوث أى سوء تفاهم يؤدى إلى إسقاط طائرة روسية، كما حدث فى نوفمبر على الحدود التركية ( على الرغم من أنه كان هناك على مايبدو خطوة مقصودة من قبل أنقرة).

القتال فى جنوب سوريا هو جبهة ثانوية من جانب الأسد، الذى يستثمر جهوده فى القتال شمال الدولة. لكن إذا قرر النظام -بتشجيع روسى وإيرانى، التوجه غرباً من الشيخ مسكين ليعود إلى تركيز مجهود هجومى محدود ضد الثوار فى هضبة الجولان- من الممكن أن يعمل ذلك على زعزعة الإستقرار النسبى بالقرب من الحدود مع إسرائيل.

إلى جانب الخطوط الحمراء التى ترسمها القدس فى الصراع فى سوريا – منع إطلاق النيران إلى أراضيها وإحباط تهريب السلاح المتطور من سوريا إلى حزب الله فى لبنان- هناك مصالح أخرى تهتم بالحفاظ عليها، وهى تقليص وجود الحرس الثورى الإيرانى فى المقاطعة القريبة من الحدود شمال الجولان، ومنع مجئ المزيد من مقاتلى داعش بالقرب من الحدود ( حوالى 600 من رجال التنظيم الموالى لدعش، ” شهداء اليرموك” موجودون بالفعل فى مقاطعة جنوب الجولان) ومنع وقوع مجزرة بحق الطائفة الدرزية، سواء فى قرية الخضر شمال الجولان أو فى جبل الدروز، الواقع شرق هذه المنطقة، فى عمق الأراضى السورية.

هذا يأتى من السماء

لقد استغرق ذلك منها حوالى أربعة أشهر، لكن يبدو أن روسيا تحقق أول النجاحات الواضحة فى هذه الأيام فى سوريا. إلى جانب جولة أخرى من الإتصالات فيما يتعلق بتسوية وقف إطلاق النار وعملية سياسية -والتى من المتوقع أن تبدأ اليوم فى جنيف- وهى الخطوة التى كانت روسيا المؤيد الأساسى لها- لوحظ فى الأسابيع الأخيرة تنامى محدود فى قوة نظام الأسد وائتلاف الدوائر التى تسانده فى ميدان القتال. وكما فى الشيخ مسكين، الأمر يحدث بوتيرة كبيرة بسبب القصف المكثف والمتواصل من قبل سلاح الجو الروسى على أهداف للثوار. هذا التقدير، الذى يسمع فى أوساط الخبراء الغربيين الذين يتابعون مايحدث فى سوريا، يتم تعزيزه من جانب مصادر أمنية إسرائيلية.

هناك مقالين نشرا هذا الأسبوع فى موقع معهد كارنيجى فى واشنطن ومجلة فورين أفيرز يحللون هذا التغيير ويعزونه إلى القوة الجوية الروسية ويكشفون عن تفاؤل حذر من جانب الطاغية السورى.

منذ بدأ الهجوم الجوى فى نهاية شهر سبتمبر تم إحصاء أكثر من 6000 طلعة جوية روسية. حينما توجه الأسد بطلب للمساعدة للرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، فى ربيع عام 2015، كان النظام فى وضع شبه ميئوس منه. وقد حصلت الجبهة التى أقامها عدد من تنظيمات الثوار، على إنجازات برية مثيرة شمال غرب سوريا، وأتمت احتلال إدلب وقريتى جسر الشغور وأريحا واقتربت بشكل مثير للخطر من المنطقة العلوية، والتى تعتبر إلى جانب دمشق أهم مايمكله النظام. وفى تلك الأشهر استقر تنظيم داعش فى الأماكن الواقعة تحت سيطرته وأتم احتلال بلدة تدمر العتيقة شرق سوريا.

وقد عمل الدخول الروسي على استقرار الخطوط الدفاعية للنظام ومنعت سقوطه، وفى خلال ذلك، كانت هناك بعض الإخفاقات لموسكو فى البداية، مع فشل الهجوم البرى الذى بادرت به روسيا ونفذته إيران، خاصة عن طريق القوات التى أرسلتها الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان ولبنان.

لايزال التقديم أكثر بطئاً مما توقعه الخبراء العسكريين الروس، لكن لوحظت فى الأسابيع الأخيرة للمرة الأولى إنجازات على الأرض، فقد اضطر الثوار إلى الإبتعاد قليلاً من المنطقة العلوية فى الشمال وقدم النظام جزءاً من قواته فى مدينة حلب، بشكل دفع على مايبدو عدد من تنظيمات الثوار إلى محاولة تهريب رجالهم من المدينة. وفى الجنوب تم احتلال الشيخ مسكين. وكذا فى الشرق واجه تنظيم داعش صعوبات متزايدة تحت قصف الإئتلاف الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويخسر العديد من المقاتلين فى المعارك مع الميليشيات الكردية، فى الوقت الذى يمارس عليه ضغط عسكرى أكبر فى العراق أيضاً.

فى غالبية خطوط التماس فى الحرب السورية لم يحدث تغيير حقيقى، لكن الخبراء الغربيين يزعمون أن الثوار فى العديد من ساحات القتال منهكين من قوة واستمرار القصف الروسى. ويقول الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكى أن نظام الأسد فى وضع أفضل بكثير حالياً. بل إن أرون لوند كاتب المقال الذى نشره معهد كارنيجى، كتب أن الرياح تهب ناحية الأسد.

وبحسب يهوشع لنديس وستيفن سيمون، الخبراء الكبار فى الشأن السورى والذان نشرا المقال فى “فورين أفيرز” فإن روسيا أحدثت فى نهاية الأمر تغييراً درامياً فى ميزان القوى والأسد يحصل نتيجة لذلك على مايريده تدريجياً. ويعزى كلاهما الصعوبات التى تواجهها المعارضة إلى حقيقة أن هناك أكثر من 20 قائد فى تنظيمات الثوار قد قتلوا مؤخراً، أغلبهم نتيجة تصفيتهم خلال مواجهات داخلية ( أكبرهم زهران علوش قائد تنظيم ” جيش الإسلام” الذى تمت تصفيته خلال هجوم جوى روسى نهاية شهر ديسمبر الماضى، وهو ما أغضب السعودية على وجه الخصوص، وهى الداعم الأساسى له).

وعلى حد تعبيرهم فإن تقدم النظام فى المعارك لايزال أمراً صعباً وبطيئاً، خاصة بسبب أن الجيش السورى مهترئ بسبب القتال المتواصل ويعانى من نقص الأموال والفساد، فى الواقع، هناك تقسيم غير رسمى للعمل بين روسيا ودول الغرب.

الولايات المتحدة، التى تتطلع رسمياً إلى إبعاد الأسد عن السلطة ( بدون جدول زمنى محدد)، تركز حالياً جهودها العسكرية ضد داعش وتقصف شمال شرق سوريا، فى حين تركز روسيا على الهجوم الجوى بالأساس غرب سوريا. ويتم توجيه عمليات القصف الروسية سواء تجاه داعش أو تنظيمات ثورية أكثر اعتدالاً. وهاتين الخطوتين تخدمان الأسد، لاتزال إدارة أوباما تؤمن أن روسيا من المتوقع أن تفشل فى سوريا، كما حدث لها فى ثمانينيات القرن الماضى فى أفغانستان. والموقف الروسى أكثر تفاؤلاً. يجد المخططون الروس فى موسكو أمامهم نموذج الحرب فى الشيشان، حيث استخدمت روسيا هناك القوة الجوية بصورة عنيفة لاهوادة فيها. وعلى عكس أفغانستان، لايزال الثوار فى سوريا غير مسلحين بصواريخ متطورة مضادة للطائرات تستطيع تعريض التفوق الجوى المطلق للنظام ومؤيديه للخطر.

لكن على الرغم من الخصومة واختلاف التوجهات، فإن إسرائيل ترى أيضاً مناطق اتفاق بين الروس والأمريكان يما يتعلق بالحرب فى سوريا. تسعى القوتين العظمتين الإمتناع عن المواجهة المباشرة ويبدو أن الولايات المتحدة تعترف – دون خيار- بالمصالح الروسية فى سوريا. وهناك اهتمام واضح من جانب الروس لأن يظهروا كعنصر يمكنه المساعدة فى إعادة الهدوء إلى سوريا، أيضاً من قبيل الأمل فى أن يساعد الأمر على تخفيف التوتر بينها وبين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى فيما يتعلق بأوكرانيا وخاصة رفع العقوبات التى فرضت عليها فى الغرب ( ومع ذلك، هذا لايزعج الروس فى مواصلة القصف العشوائى تقريباً فى سوريا، وقتل مئات المدنيين، وحينئذ نفى أن الأمر قد حدث بشكل عام).

حالياً لاتبدو فرص نجاح اللقاء فى جنيف اليوم كبيرة. فى الطريق لعقد هذا اللقاء دار جدل كبير فيما يتعلق بهوية المشاركين. كما أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال لاحقاً، فمن الصعب رؤية كيف تم فرضه وتحقيقه، فيما يتعلق بالعدد الكبير للتنظيمات والدول الأجنبية التى تتدخل فى سوريا.

لنبدأ من جديد

يتأثر القتال فى سوريا أيضاً بما يدور فى العراق. فى بداية هذا الشهر أتمت قوات الجيش العراقى بتوجيه أمريكى تحرير مدينة الرمادى من أيدى رجال داعش. والدمار الذى وقع فى المدينة أثناء القتال كان كبيراً جداً، حتى أن الحكومة العراقية تدرس حالياً البدء فى إقامتها من جديد فى موقع قريب. ومن المفترض أن تكون معركة الرمادى عرضاً ترويجياً قبل الهجوم العراقى لتحرير مدينة الموصل الكبيرة، لكن على حد قول الأمريكان فإنه سيمر وقت كبير حتى بدء الهجوم، بسبب الخطوات الكثيرة المطلوبة لإعداد القوات. ولاتزال واشنطن متفائلة حتى الآن فيما يتعلق بالفرص التى تحملها الحرب على داعش فى العراق. وقد زعم مسئولون رفيعو المستوى فى الإدارة والجيش الأمريكى فى الأسابيع الأخيرة – فى دوائر مغلقة- أن الحرب على التنظيم سارت فى الطريق الصحيح وأنه تم استخلاص العبر من أخطاء الماضى.

فى الخلفية، خاصة إزاء الضغط الواقع على داعش حالياً فى العراق وبقدر ما فى سوريا أيضاً، يتزايد الخطر فى أن يرغب التنظيم فى تنفيذ أنشطة ترويجية فى مناطق أخرى. وأوروبا أيضاً فى الصورة، كما دل مقطع الفيديو البشع الذى نشره تنظيم داعش فى بداية الأسبوع الحالى ، لكن السعودية وإسرائيل أيضاً فى نفس الوضع كما تدل الإشارات الكثيرة للنضال الفلسطينى فى البيانات ومقاطع الفيديو الخاصة بداعش فى الفترة الأخيرة.

 عاموس هرئيل- هارتس