أجريت في جنيف في هذه الأيام حفلة تنكرية سُميت بالمؤتمر الدولي للسلام في سوريا. هذيان ومحاكاة ساخرة معاً، يتوارى خلفهما النزاع الحقيقي الدائر في منطقتنا من أجل احتلال منزلة في المقدمة، حيث الخصمين الرئيسيين فيه هما إيران من ناحية والسعودية من ناحية أخرى.
النزاع فيما بينهما يدور على الأرض، في حين يستخدم كلاهما “أذرع”، وكذلك أيضاً قواتهما نفسها. إذاً أين ساحات النزاع؟ تعتبر ساحات النزاع الرئيسية هي سوريا واليمن. بالنسبة لإيران سوريا هي الأهم (حيث تدعم هناك نظام الأسد و”ذراعها” هناك هو تنظيم حزب الله)، وبالنسبة للسعودية ساحة النزاع الأهم هي اليمن (حيث تدعم النظام القديم، بينما يدعم الإيرانيون المتمردين ضده). ساحات النزاع الثانوية، هي لبنان والعراق.
ما يميّز كافة تلك الساحات هو أن جميعها يتواجد فيه سكان شيعة. حيثما لا يوجد شيعة، لا يدور نزاع بين إيران والسعودية، أى في مصر، والأردن، وليبيا، ودول شمال افريقيا، التي هى جميعها دول سنية. في هذا النزاع الأوراق التي يملكها الإيرانيون أقوى من الأوراق التي تملكها السعودية. لماذا؟ تُعتبر إيران دولة أكبر من حيث الحجم والتفوق النوعى، إمبراطورية في الماضي وربما أيضاً ذات سلاح نووي في المستقبل؛ تمثل إيران فعلياً الشيعة في الدول العربية، وعلى الرغم من أن الشيعة يمثلون أقلية صغيرة أمام الأغلبية السنية الساحقة في العالم العربي، إلا أنه في مناطق النزاع يمثل الشيعة الطائفة الأكبر؛ ففي لبنان هناك نحو 40%، وفي العراق أكثر من 50% يسيطرون الآن على الدولة، وفي اليمن هناك نحو 40% من التيار الشيعي، والأغلبية الشيعية يخضع للحكم في البحرين. فقط في سوريا، التي تعد القلب الاستراتيجي للهلال الخصيب، هناك أقلية علوية، تعتبر إحدى التيارات الشيعية، لكنها تسيطر حتى الآن على الدولة؛ وختامه ليس مسكاً، وخاصة الولايات المتحدة، الحامى الأمني للسعودية منذ مايقرب من80 سنة، تنحاز الآن في الصف الإيراني عن الصف السعودي، في حين تدعم روسيا بشكل واضح إيران وبالتالي الشيعة أيضاً.
الموارد النفطية
السعوديون، بخلاف الإيرانيين، لا يمثلون الإسلام السني وليس بمقدورهم أن يدّعوا أنهم يمثلونه. إنهم أنفسهم ينتمون إلى تيار سني متطرف، وتنافسهم تركيا، التي تتطلع بنفسها إلى الهيمنة على السنة في المنطقة ولديها موروث إمبريالي فخم، اشتمل على جماعات “الإخوان المسلمين”، والتنظيمات السنية الأكثر تطرفاً مثل داعش والقاعدة. أقوى أنصارها هي بالطبع الدول الخليجية كافة، المهددة مباشرة من قبل الإيرانيين، والتي تمتلك موارد نفطية. لكن، أنصارها الآخرين، الموصوفين بـ “المعتدلين”، مثل مصر والأردن فقراء، بينما تخضع مصر نفسها لصراع داخلي مستوحش ضد الإخوان المسلمين وضد داعش في سيناء. من يدري، ربما سيأتي اليوم الذي تسمح فيه مصر بأن ترسل جزءاً من جيشها إلى السعودية؟
بعبارة أخرى، في العالم العربي والإيراني، نحن بصدد شقين: الشق السني-الشيعي، والشق السني الداخلي. إن الانقسام والصراع الداخلي داخل المعسكر السني يضعفه؛ من الداخل، وأمام إيران والمعسكر الشيعي وأمام الغرب. ما يجري في سوريا وفي الحلفة التنكرية في جنيف هو صورة طبق الأصل لهذه الصورة الكلية لما يدور في الشرق الأوسط. إن نتائج الصراعات في الشقين هي التي ستحدد الصورة السياسية والثقافية للشرق الأدنى.
وماذا عن إسرائيل؟ يرجع قلقها الرئيسي، بالطبع، إلى استقواء الإمبراطورية الإيرانية الوشيكة واستقواء كل تنظيمات السنة الجهادية. لكن، هل عليها أن تقحم علانية (مع التشديد على كلمة علانية) رأسها السليم داخل المعارك الدموية العليلة التي بداخل الإسلام، مثلما يوصون لدينا في أغلب الأوقات تحت شعار “فلننتهز الفرص”؟ .
عاموس جلبوع- معاريف